زوارق الموت والباحثين عن الوطن..

بقلم: أشرف صالح

اشرف صالح
  • اشرف صالح

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من مات غريباً  فهو شهيداً , ومن مات غريقاً فهو شهيداً , ومن مات باحثاُ عن رزقه فهو شهيداً" صدق رسول الله , وهكذا إجتمعت ثلاث درجات من الشهادة في شخص واحد , وهو المواطن الذي يبحث عن وطن يوفر له قوت يومه , ويؤمن له مستقبل كان يحلم به , المواطن الشهيد نصر الله الفرا رحمه الله , المواطن الفرا كان يبحر باحثاُ عن الوطن ومعه عشرة فلسطينيين , فمنهم ثمانية كتب الله لهم النجاة , ومنهم إثنان لا زال مصيرهم مجهول , جميعهم كانوا يبحرون لوطن آخر غير الذي نعرفه ونسمعه في الروايات والشعارات , وطن عنوانه رغيف الخبز..

يقولون في الروايات والشعارات أن الوطن هو أرض وشعب ودولة وحدود ومؤسسات , وحنين الى الأهل والأقارب والجيران , ولكن ليس كل ما يقال يصدق , فالوطن كما يراه الفرا ومن معه هو لقمة العيش ورغيف الخبز , وقد يختلف الكثيرون في هذا الرأي , ويقولون أن البقاء في الوطن الذي نعرفه أفضل من الهجرة الى مصير مجهول , ولكن هذا الرأي مرتبط بحياتهم الشخصية وواقعهم الإجتماعي , ومرتبط أيضاً بمدى قدرة تحملهم للظروف الصعبة , علماً بأن نظرية أن الوطن هو رغيف الخبز لن تتغير ولن تتبدل , وبدليل أن المعارضين على مبدأ الهجرة على متن زورق مهدد بالغرق , سيكونون أول المهاجرين للخارج مع أول فرصة قد تتيح لهم , فمثلاً هناك أشخاص يفضلون البقاء جائعين في أوطانهم عن الهجرة على متن زورق  مهدد بالغرق , ولكنهم سيكونون سعداء جداً لو حصلوا على عقد عمل أو وظيفة في أي دولة أخرى , وسيكونون سعداء لو حصلوا على تصريح للعمل في إسرائيل , وهذا يؤكد لنا أن مبدأ الهجرة خارج الوطن هو مبدأ مقبول لدى غالب الشعب الفلسطيني , ولكن كل شخص ينتهز الفرصة المناسبة له ولظروفه الشخصية .

منذ سنوات طويلة ونحن نسمع قصص حزينة عن الفلسطينيين الذين يفضلون الهجرة على متن زوارق الموت , فمنهم من نجوا ومنهم من غرق , ولا زالت هذه القصص تتصدر وسائل الإعلام وستبقى مستمرة طالما أن الوطن الأم لم يعد تلك الأم الحنون التي تحتضن أبناؤها , وبالطبع وبحسب قناعاتي الشخصية وبدون الدخول في تفاصيل الكارثة فإن  "الإنقسام والفساد" هما العاملين الأساسيين في تحويل الوطن الى مقبرة للأحياء , فالجائع لا يستطيع الكلام , والمتكلم لا يشبع (...) وليس ذلك فحسب , فالمعركة ليس فقط بين الحاكم والمحكوم , بل إنها توسعت وتمددت وأصبحت بين عامة الشعب الذي تمزق وتشيع وتشتت وتسيس واصبح جزءا من الإنقسام , فالوطن الذي عشنا به أصبح وللأسف الشديد لا يطاق , ولهذا فمن الطبيعي جداً أن من لا يحالفه الحظ أن يحصل على تصريح للعمل في إسرائيل , ومن لا يحالفه الحظ في الحصول على عقد عمل خارج  فلسطين , وحتى من لا يحالفه الحظ في الهجرة بطريقة شرعية , فمن الطبيعي أن يهاجر على متن زورق  مهدد بالغرق كما فعل المواطن نصر الله الفرا وهو يبحث عن وطن يوفر له رغيف الخبز .

كاتب صحفي

 

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت