كشف مسئول حكومي فلسطيني، أن السلطة الفلسطينية بحاجة ملحة لـ400 مليون دولار خلال الستة أشهر القادمة لتتجاوز الأزمة المالية الصعبة التي تمر بها للإيفاء بالتزاماتها، داعيا إلى ضرورة تعديل الاتفاقيات الاقتصادية مع إسرائيل.
وقال مستشار رئيس الوزراء الفلسطيني لشؤون التخطيط وتنسيق المساعدات أسطفان سلامة في مقابلة مع وكالة أنباء "شينخوا"، إن إسرائيل فاقمت الأزمة المالية لخزينة السلطة الفلسطينية عبر الاقتطاع من أموال الضرائب الفلسطينية والتي أصبحت تزيد عن 200 مليون شيقل شهريا (الدولار الأمريكي الواحد يساوى 3.10 شيقل إسرائيلي).
وأوضح سلامة أن أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل لصالح السلطة الفلسطينية تتراوح شهريا نحو 750 مليون شيقل مقابل 3% عمولة مقابل جباية هذه الأموال.
وتابع أن إسرائيل تقتطع شهريا أموالا جديدة سواء للمياه والصرف الصحي والكهرباء والخدمات الصحية، إضافة إلى الأموال التي تدفعها السلطة الفلسطينية لعائلات القتلى والأسرى والجرحى الفلسطينيين.
ودفعت الأزمة المالية الصعبة الحكومة الفلسطينية إلى عقد اجتماع طارئ لها في مدينة رام الله ليلة (الثلاثاء) لبحث الأوضاع في ظل تحذيرات من عدم إمكانية الإيفاء بالتزاماتها الأشهر المقبلة والتوجه لاقتطاع جزء من رواتب الموظفين الفلسطينيين.
وجاء اجتماع الحكومة كخطوة استباقية قبل اجتماع لجنة تنسيق المساعدات الدولية للشعب الفلسطيني المقرر في أوسلو في 16 نوفمبر الجاري، بمشاركة رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية الذي يترأس الوفد الفلسطيني.
وتشكل عائدات الضرائب حوالي 60 % من إجمالي الإيرادات العامة للحكومة الفلسطينية، التي تواجه انخفاضا حادا في إيراداتها نتيجة توقف الأنشطة الاقتصادية بسبب مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19).
وسبق أن قامت إسرائيل خلال العامين الماضيين باقتطاع مبالغ مالية من عائدات الضرائب الفلسطينية بما يعادل ما دفعته السلطة كرواتب لأسر الأسرى، ما أدى إلى نشوب أزمة اقتصادية للسلطة الفلسطينية.
واعتبر سلامة أن اقتطاع إسرائيل الأموال خطوة "سياسية بهدف لابتزاز" السلطة الفلسطينية، مشيرا إلى أن الخطوة ليس لها أي أساس في بنود اتفاقية باريس الاقتصادية التي تنظم العلاقة الاقتصادية الفلسطينية الإسرائيلي.
واتفاقية باريس الاقتصادية هي (الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل العام 1994) وتعتبر فرنسا راعية رئيسية للاتفاقية التي وقعت في باريس لتحكم العلاقات الاقتصادية إلا أن ذلك لم يتم بسبب تعثر المفاوضات النهائية بين الجانبين.
وأوضح سلامة أن عملية الاقتطاع تتم بشكل فردي ودون شفافية وتدقيق من قبل وزارة المالية الفلسطينية أو علمها لأن إسرائيل تكتفي بإرسال ورقة برقم الاقتطاعات دون توضيحها وهي تزيد عبء الحكومة الفلسطينية المالي ووضعها الصعب.
وتابع أن خروقات إسرائيلية كثيرة سجلت من قبل الحكومة الفلسطينية في اتفاقية باريس الاقتصادية وجوانب مختلفة وأصبحت "غير واقعية أصلا"، مشيرا إلى أن القضية سيثيرها الطرف الفلسطيني خلال اجتماع الدول المانحة المقرر الأسبوع المقبل.
وأشار إلى أن اشتية سيضع الدول المجتمعة في صورة ما يجري في الأراضي الفلسطينية سواء الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة للاتفاقية والقرصنة للمصادر المالية وكذلك المطالبة باستمرار الدعم الدولي وعودته لخزينة الحكومة.
واعتبر اشتية أن الوضع المالي هو الأصعب منذ أعوام، كون أن ما وصل من مساعدات مالية حتى نهاية العام لم يتجاوز 10 % مما كان يصل عادة إلى الخزينة الفلسطينية، وهذا الأمر سيعكس نفسه على المصاريف التشغيلية للسلطة.
وأعلن مسئولون فلسطينيون أخيرا أن ما وصل من مساعدات مالية حتى نهاية العام لم يتجاوز 10%، مما كان يصل عادة إلى الخزينة الفلسطينية، في وقت لم تصل أي مساعدات مالية من الدول العربية خلال العامين الحالي والماضي.
وأوضح سلامة أن المساعدات الخارجية التي يتلقاها الفلسطينيون مقسمة لثلاثة أقسام هي المساعدات الإنسانية والمشاريع التنموية ومساعدات مالية لخزينة الدولة التي منها تصرف الرواتب للموظفين والأسر الفقيرة والمصاريف التشغيلية.
وأشار إلى أن المساعدات الإنسانية والمشاريع التنموية بقيت مستمرة إلا أن دعم الموازنة العامة توقف من قبل المانحين سواء الدول العربية أو غيرها، لافتا إلى أن الدعم الأمريكي للخزينة توقف منذ عهد الإدارة الأمريكية السابقة.
وأفاد بأن الاتحاد الأوروبي في العام الجاري لم يقدم مساهمات حتى الآن لأسباب فنية تتعلق بالموازنة والنظام المالي، رغم أنه جرى الاتفاق معهم على عودة المساعدات خلال الربع الأول من العام القادم وسيتم دفع المخصصات عن عامين.
ونوه بأن مجمل المساعدات من الاتحاد الأوروبي تبلغ 600 مليون يورو ولا تشمل مساعدات دوله بشكل منفرد، متوقعا وصول الدعم الأوروبي بعد شهر مارس المقبل ولن يدفع مرة واحدة بل سيدفع على عدة مراحل.
وسبق أن حذر البنك الدولي أخيرا من أن الحكومة الفلسطينية قد لا تتمكن من الوفاء بالتزاماتها بحلول نهاية العام الحالي، ما لم توقف إسرائيل اقتطاعاتها من الضرائب وتستجيب لمعالجة الملفات المالية العالقة واستئناف مساعدات المانحين.
وقال البنك في تقرير أعده تحت عنوان "المراقبة الاقتصادية الفلسطينية" سيقدمه للجنة تنسيق المساعدات الدولية للشعب الفلسطيني في اجتماعها المقرر في أوسلو إن المالية العامة للسلطة ما زالت تواجه "تحديات جسيمة، رغم زيادة عائدات المالية العامة".
وأفاد التقرير بأن الإنفاق العام ارتفع بالمعدل نفسه وهوت المساعدات إلى مستوى قياسي متدن، وزادت الضغوط على المالية العامة من جراء استقطاعات إضافية أجرتها الحكومة الإسرائيلية من الإيرادات الضريبية الشهرية التي تقوم بتحصيلها لحساب السلطة (إيرادات المقاصة).
وتابع "بعد حساب الدفعات المقدمة من إيرادات المقاصة التي قدمتها الحكومة الإسرائيلية للسلطة، والتمويل المقدم من المانحين، من المتوقع أن يصل عجز موازنة السلطة إلى 1.36 مليار دولار في 2021".
وتعقيبا على ذلك أعرب سلامة، عن أمله أن يشكل التقرير دافعا للدول المانحة لدعم موازنة السلطة الفلسطينية، لافتا إلى أن السلطة الفلسطينية لن تستطيع لوحدها أن تواجه العجز المالي الحالي ما يستدعى تدخل جاد وسريع من قبل البنك الدولي والمانحين لتقديم الدعم المالي ومعالجة القضايا المالية العالقة مع إسرائيل.
وأوضح أن الإصلاحات المالية الداخلية لن تحل الأزمة المالية الحالية بدون السيطرة على المصادرة المالية والمعابر والموارد الطبيعية والمناطق المصنفة (ج) في الضفة الغربية ووقف الاقتطاعات من قبل إسرائيل.
وبشأن اقتراض الحكومة الفلسطينية من البنوك، قال سلامة إن الاقتراض وصل إلى درجة صعبة جدا، كما أن الحكومة تحاول تجنب أي إمكانية لزيادة الديون للبنوك أو للقطاع الخاص والمقاولين والمؤسسات الأخرى لأن من الأهمية أن لا يتأثر الاقتصاد الكلي في ظل الأزمة المالية.