- خالد أحمد
التنمر مصطلح جديد بعض الشيء ، إلا أن الظاهرة التي تمثله آفة ليست بالجديدة وكان يستخدم عوضاً عنه شعبياً مصطلح "البلطجة" وفي الدراسات الاجتماعية والنفسية يسمى "الاستقواء" ،و قد بدأ مصطلح التنمر بالظهور بداية الألفية الثالثة(2001م) وهذا لا يعني أنه لم يكن موجوداً في الأمم السابقة، لكن بات أكثر حضورًا مع انتشار لغة العنف في البيت والمدرسة والعمل، وورد في مجلة منظمة الصحة العالمية، أن التنمر يعني (التهديد بالعنف أو البلطجة) .
يعرف التنمر بالإنجليزية (Bullying) ولغةً حسب معجم المعاني بأنه الغضب وسوء الخلق والتشبه بالنمر في طبعه وشراسته، كما تم تعريف التنمر في معجم جامعة كامبريدج بأنه قيام شخص ما بسلوك عدواني تجاه من هو أصغر أو أقل قوةً منه كإيذائه أو تخويفه أو شتمه وإجباره على فعل ما لا يريده.
وفي علم النفس يُعرف بأنه أحد أشكال السلوك العدواني الذي يتسبب فيه شخص ما عن قصد وبشكل متكرر في عدم الراحة لشخصٍ آخر، سواء أكان ذلك السلوك جسديًا أو لغويًا بالكلمات أو أي أفعالٍ أخرى، مع عجز الشخص الذي يتعرض للتنمر عن الدفاع عن نفسه ،وفي علم الاجتماع يعرف بأنه التسبب بالأذى لشخصٍ ما لفظيًا أو جسديًا أو نفسيًا.
وقد أظهرت دراسة أجراها معهد اليونسكو للإحصاء(UIS) عام 2017م وهو بمثابة مستودع الأمم المتحدة للإحصاءات ومقره كندا أن ما يقرب من ثلث المراهقين الشباب في جميع أنحاء العالم تعرضوا للتنمر، وأن الذكور أكثر عرضة له من الإناث ،ووفق دراسة أجراها المركز الوطني للإحصاء التربوي في عام 2019 م في الولايات المتحدة فإن 43% من طلاب المدارس تعرضوا للتنمر في ساحة أو دَرج المدرسة و 42% في الفصل الدراسي و 22% في خارج المدرسة و 8% في حافلة المدرسة، وأشارت الدراسة إلى أن 46% من الطلاب أبلغوا شخصًا بالغًا بحادثة التنمر، كما أن 41% من الطلاب
المتعرضين للتنمر يعتقدون بأن الحادثة ستتكرر مجدداً.
وهناك أنواع عديدة للتنمر منها :
- التنمّر الجسدي: ويقصد به الضرب، والدفع، والعرقلة، والقرص، وإيقاع الآخر وغيرها وقد يكون لهذا النوع من التنمّر آثار قصيرة وطويلة المدى.
- التنمّر اللفظي: وهو ما يشمل النعوت، والتلقيب، والإهانة، والترهيب، والتجريح والتهديد، والتعيير، والتعييب.
- التنمّر الاجتماعي: وهو الإساءة إلى سمعة الشخص عبر اطلاق الإشاعات والكذب، والإحراج، وصولاً لتشجيع الآخرين على نبذ الشخص اجتماعيًا.
- التنمّر المدرسي: وهو التنمر الذي يتعرض له الطلاب من قبل زملاءهم أو حتى المعلمين وينتشر في المدارس بكافة مراحلها وحتى الجامعات .
- التنمّر الإلكتروني: ظهر مصطلح التنمر الإلكتروني للمرة الأولى في عام 2006م ويُعتبر التنمر الإلكتروني من الأنواع التي يصعب مواجهتها وتفاديها لعدم معرفة هوية الشخص المتنمر، ويكون من خلال وضع أمور مهينة للشخص سواء علنًا أو بالسر، مثل رسائل وصور وفيديوهات لتشويه السمعة، أو رفض مصادقته عبر مواقع التواصل الاجتماعي .
يقول الدكتور "فيليب هارفي" أستاذ الطب النفسي والعلوم السلوكية في الولايات المتحدة، "بأنّ الأطفال قد يتعرضوا لخطر التنمر عبر الإنترنت، والذي ينتج عنه أضرار نفسية كبيرة، حيث إنّ التنمر الإلكتروني يعد الأكثر ضررًا بسبب مدى انتشاره" وبالتالي من المهم تقديم العلاج النفسي للطفل الذي تعرض للتنمر.
- التنمّر الجنسي: يتضمن سلوكيات جنسية عدوانية من تعليقات أو اقتراحات أو محاولات أو تهديدات جنسية غير مرغوب فيها لشخص آخر، بهدف إيذائه أو الإساءة إليه أو تخويفه، وقد يكون شفهيًا من خلال التلميحات الجنسية أو جسديًا من خلال اللمس أو التقبيل أو غيرها من الأفعال غير المقبولة من قبل الشخص الآخر.
- التنمّر العرقي: وهو التنمّر على عرق أو دين أو لون أو جنس الشخص الآخر. وقد يصل هذا النوع من التنمّر إلى شمل كل أنواع التنمّر المذكورة أعلاه واصلاً إلى حدّ القتل.
أسباب التنمّر:
- كثير من المتنمّرين كانوا ضحية تنمّر أنفسهم، مما جعلهم يشعرون بعدم القيمة والغضب وبالتالي أصبحوا يرمون هذا التنمّر على غيرهم.
- الشعور بعدم الأهمية والوحدة قد يولّد التنمّر بهدف اكتساب الاهتمام والشعور بالقوة. حتى وإن كان المتنمّر ينتمي إلى مجموعة، فهذا لا يعني أنه يشعر بالانتماء والأهمية لهـذا يحاول إيجادها عبر التنمّر على الآخرين.
- كثيرًا من المتنمّرين يعانون من اضطرابات في منازلهم مثل التعنيف اللفظي والجسدي والجنسي والعاطفي وغيره مما يدفعهم للتنمّر على الآخرين بغية سكب غضبهم المكبوت وفي هذه الحالة من المهم أن نعلم أن المتنمّر هو أيضًا ضحية.
- إذا كان الشخص يشعر بعدم القيمة (غير جميل، غير ذكي، غير مستحق، غير قادر ماديًا..) فإنه يحتاج إلى الشعور بأنه أفضل من ذلك وأسهل طريقة له هي عبر الحطّ من الآخرين مما يدفعه للتنمّر.
- إذا كان المتنمّر يعاني من الغيرة من أحد ما فغالبًا ما سيحاول صبّ غيرته وانزعاجه على ذلك الشخص ،وغالبًا ما يكون سبب الغيرة شهرة الشخص الآخر أو مستواه الاجتماعي.
- الانتماء إلى مجموعة من المتنمّرين ،وهذا يكسب المتنمّر المزيد من القوة بفضل دعم فريقه له.
- بعض المتنمّرين يعانون من التكبّر والتعجرف ما يجعلهم يعتقدون أنهم أفضل من غيرهم ،وبالتالي يتنمّرون على كل من هم دون مستواهم.
- بعض المتنمّرين يرغبون بكسب إعجاب الآخرين عبر إضحاكهم وتسليتهم من خلال التنمّر على غيرهم.
- بعض المتنمّرين يتنمّرون لمجرد أنهم يرون الشخص الآخر مختلفًا عنهم ،وهم سيشيرون إلى هذا الاختلاف علنًا بطريقة ساخرة بهف التنمّر.
ما هي أبرز أضرار التنمر؟
للتنمر أثار سلبية عديدة على جميع أطرافه سواء الذين يتعرضون للتنمر أو المتنمرين أنفسهم ،وكذلك على المجتمع الذي يشهد التنمر ،وفيما يأتي أضرار التنمر:
لتنمر آثار سلبية على المتنمر نفسه، ومنها:
- يكون عرضةً لتعاطي الكحول والمخدرات أكثر من غيره.
- يعاني من مجموعة من المشاكل النفسية، كالإدراك السلبي لنفسه وللآخرين.
- يعاني من ضعف المهارات الاجتماعية.
- يعاني من مشاكل في السلوك ومن رفض الآخرين له.
- يكون أكثر عرضة للتفكير في الانتحار ومحاولة الانتحار، وإظهار العدوانية المتزايدة.
أضرار التنمر على ضحية التنمر:
- مشاكل سلبية صحية وجسدية واجتماعية وعاطفية وأكاديمية وعقلية.
- الاكتئاب والقلق وزيادة الشعور بالحزن والوحدة.
- حدوث تغيير في نظام النوم والأكل.
- فقدان الاهتمام بالأنشطة التي يحبونها.
- انخفاض التحصيل الدراسي أو المعدل التراكمي أو الأداء العام.
أضرار التنمر على المجتمع :
للتنمر آثار خطيرة على الصحة الجسدية والنفسية، فالتنمر لا يؤثر سلبًا على ضحية التنمر فقط وإنما تنعكس أثاره أيضًا على الشخص المتنمر نفسه وعلى من يشاهد عملية التنمر، كما يؤدي إلى أضرار عديدة على المجتمع ككل ومنها :
- يؤدي التنمر إلى حصول خلل في العلاقات الاجتماعية والاندماج في العمل والاستقلال الاقتصادي.
- زيادة استخدام أفراد المجتمع الذين يشاهدون عملية التنمر للتبغ أو الكحول أو المخدرات مما يزيد من مشاكل المجتمع.
- تغيب الأطفال عن مدارسهم وبالتالي تأثر العملية التعليمية في المجتمع، بحيث تصبح واحدة من نتائج التنمر.
- ظهور مشاكل متنوعة في المجتمع كالاكتئاب والانتحار وغيرها.
علامات تدل على تعرض الطفل للتنمر:
- عودة الطفل إلى المنزل بملابس أو كتب ممزقة أو تالفة أو مفقودة.
- وجود جروح وكدمات وخدوش غير معروفة السبب على جسده.
- ظهور علامات الخوف على الطفل وعدم رغبته بالذهاب إلى المدرسة أو إلى مكانٍ محدد.
- يكون الطفل حزينًا أو متقلب المزاج أو مكتئبًا عندما يعود إلى المنزل.
- صداع وآلام في المعدة ومشاكل في النوم وفقدان الشهية.
- نظرًا للآثار السلبية التي يخلفها التنمر على نفسية الطفل، فإن من واجب الأهل مراقبة الطفل لرصد أي علامة تدل على تعرضه للتنمر والعمل على حل المشكلة ومساعدة الطفل.
كيف نحد من التنمر.
هناك مجموعة من الطرق من شأنها تخفيف أعراض التنمر منها:ــــــ
-
- يجب على المدرسة وضع بعض القوانين الحازمة والصارمة التي تحد من ضرب الأطفال لبعضهم لبعض .
- منع إيذاء أي طفل للأخر سواء كان هذا الإيذاء بدنيًا أو نفسياً .
- توفير بيئة أمنة وهادئة داخل المدرسة وذلك كي يشعر الطفل بالأمان والراحة والاستقرار النفسي .
- تشديد الرقابة والإشراف على الطلاب بشكل كبير وذلك لحمايتهم من التعرض للتنمر .
- توضيح أمور مهمة للطلاب داخل المدرسة كموضوع الحقوق والواجبات وأهمية احترام حقوق الآخرين والتفريق بين ارتكاب العنف واكتساب المهارات اللازمة للدفاع عن النفس وقت الضرورة .
-
- نشر المحبة والمودة بين الطلاب وتحفيز روح التعاون فيما بينهم وذلك من خلال إنشاء مجموعات عمل تأخذ على عاتقها تنظيف المدرسة والفصول وتنسيق الزهور وتزيين وزراعة الأشجار والزهور في المدرسة والحدائق.
- يجب على المعلم أن يكون قدوة حسنة لطلابه ، وان يتحدث مهم بأسلوب راقي وهادئ بعيدًا عن الصراخ مع تجنب استخدام الكلمات السلبية وأسلوب الإيذاء الجسدي.
- ضرورة أن يكون المعلم ملمًا بمهارات التواصل مع طلابه وأن يعمل على حل النزاعات التي تحصل فيهما بينهم بأسلوب حضاري وهادئ .
- على المعلم أن يتعامل مع الطلاب كصديق لهم وذلك كي يكسب محبتهم وودهم له وثقتهم به.
العلاج الدوائي للتنمر
قد يصاب الطفل الذي تعرض للتنمر بأعراض الاكتئاب، أو القلق، أو التوتر، وبالتالي قد يقوم الطبيب المختص بوصف بعض الأدوية، بهدف مساعدة الطفل على الاسترخاء والشعور بالراحة، مع ضرورة معرفة أنّ التنمر لا يتم علاجه بالدواء فقط، بل يجب أن يكون ذلك بالتزامن مع العلاج النفسي، وهناك بعض الأدوية المساعدة في علاج التنمر
كالأدوية المضادة للقلق والاكتئاب.
التنمر في الإسلام :
نهى الدين الإسلامي الحنيف عن التنمر بكل أشكاله كونه دين السلام والأخلاق والرحمة وكانت الآيات القرآنية والاحاديث النبوية واضحه جدًا في هذا الخصوص ،ونذكر بعضًا منها حيث يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم (ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين) وقوله تعالي ( يا أيها الذين امنوا لا يسخر قوم من قوم ) وقوله تعالي أيضاً( ويل لكل همزه لمزه ) صدق الله العظيم . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده".
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت