في الذكرى ال 33 لإعلان وثيقة الإستقلال: قراءة جيوسياسية تحليلية.

بقلم: محمد الحافي

محمد الحافي
  • د. محمد الحافي

منذ ثلاثة وثلاثون عاما وفي ختام الدورة ال19 للمجلس الوطني في الجزائر, وفي مرحلة شهدت العديد من المتغيرات الدولية والإقليمية والمحلية؛ أعلن الرئيس الراحل ياسر عرفات عن قيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس. جاء إعلان الاستقلال بعد عام تقريبا من اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في الأراضي المحتلة (انتفاضة الحجارة), والتي لفتت حينها أنظار العالم أجمع وأكدت على شرعية المطالب الفلسطينية بالتحرر والاستقلال. وكان الشاعر الفلسطيني محمود درويش هو من صاغ الوثيقة وحررها.
على الناحية الأخرى, تفجر الحديث مجددا حول سبل حل القضية الفلسطينية, وتسوية الصراع بالطرق السلمية. ترافق ذلك مع بداية التحول في النظام الدولي ثنائي القطبية الذي كان سائد خلال فترة الحرب الباردة, و أصبح واضحا أن النظام الدولي برمته دخل مرحلة جديدة بانتصار  المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. تزايدت حينها الأطروحات والمبادرات الدولية الرامية لتسوية الصراع.
جاءت وثيقة الاستقلال في توقيتها ومضمونها شاملة وواضحة من حيث الرؤية الوطنية الفلسطينية, كما تتماشى تماما مع التوجهات السياسية العالمية وتلبي الرغبات الدولية من قبيل نبذ الإرهاب والاعتراف بالمنظمات الدولية والالتزام بمبادئ وأهداف الأمم المتحدة والعمل على تحقيق السلام العالمي.
تزايدت في تلك الفترة  قوة  تيار الواقعية السياسية, والذي استند إلى مبدأ تحقيق السلام وفق رؤية المجتمع الدولي وقرارات "الشرعية الدولية", وهو المصطلح الذي تبلور مع التحولات الدولية في تلك الفترة.
ويمكن هنا وبعد ثلاثة عقود تقديم مقاربات تحليلية لوثيقة إعلان الاستقلال؛ كوثيقة سياسية في السياق التاريخي والسياسي للمتغيرات المحلية والدولية في تلك المرحلة, وذلك من خلال النقاط التالية:
● كانت القيادة الفلسطينية حينها تدرك مستوى وحجم التطورات الدولية ومدى تأثيرها على ميزان القوة بالنسبة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي, وأن مسار التسوية السياسية قادم لا محالة, وبالتالي لا بد من إبراز الحدود المقبولة والمتفق عليه وطنيا في سياق أي مشروع تسوية قادم. وهذا ما عبرت عنه الوثيقة بمرحلة فلسطينية جديدة.
● جاءت الوثيقة التي حظيت بإجماع فصائل منظمة التحرير كبادرة لترميم الكيانية الفلسطينية (المنظمة) بعد فترة تراجع كبيرة أصابت المنظمة بعد خروجها من بيروت عام 1982 وتشتتها, بالإضافة الى سد حالة الفراغ السياسي التي شهدتها تلك المرحلة, خصوصا في ظل عديد من الانقسامات داخل الجسم الفلسطيني وفصائله.
● أبرزت الوثيقة المكانة الجيوسياسية والدينية لأرض فلسطين, وركزت على أن "ديمومة التصاق الشعب بالأرض هي التي منحت الأرض هويتها", كما أكدت الوثيقة على العلاقة العضوية للفلسطيني بأرضه, والتي عبرها صاغ هويته الوطنية. وفي ذلك نفي واضح للأكذوبة القائلة: "إن فلسطين هي أرض بلا شعب".
● أكدت الوثيقة على ضرورة مواصلة النضال من أجل جلاء الاحتلال الإسرائيلي, وأكدت على حق الشعب العربي الفلسطيني في الاستقلال وتقرير المصير, مع التركيز على أهمية الانتفاضة الشعبية الكبرى والصمود الاسطوري في الداخل المحتل. وفتحت الباب واسعا أمام اشكال النضال المختلفة، مع التركيز على النضال السياسي. كما اعتبرت الوثيقة أن قرار التقسيم 181 يوفر شروطا للشرعية الدولية تضمن حق الشعب العربي الفلسطيني في السيادة والاستقلال الوطني.
● أكدت الوثيقة أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية واقتلاع الفلسطينيين من ديارهم هو انتهاك صارخ لمبادئ الشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة وقراراتها التي تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية بما فيها حق العودة.
● أكدت الوثيقة أن منظمة التحرير الفلسطينية هي ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، باعتراف المجتمع الدولي، متمثلاً بهيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها. وذلك عقب انطلاق حركة حماس وانخراطها في فعاليات الانتفاضة بعد أشهر من اندلاعها.
● أعلن المجلس الوطني الفلسطيني قيام دولة فلسطين؛ استنادا إلى الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني للشعب العربي الفلسطيني في وطنه فلسطين. لكنها لم تذكر  الحدود الجيوسياسية للدولة وتماهت مع رؤية المجتمع الدولي للتقسيم، وفق القرار ١٨١. كما أعلنت بأن دولة فلسطين محبة للسلام وتلتزم بمبادئ الأمم المتحدة وأهدافها, وأنها تؤمن بتسوية المشاكل الدولية والإقليمية بالطرق السلمية وفقا لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها.
● مثلت وثيقة الاستقلال إطار سياسي وعكست مرحلة من التحول في الاستراتيجية الفلسطينية وادواتها النضالية, كما اصبحت اطار عمل للدبلوماسية الفلسطينية بعد ذلك, ووضحت خطوط النضال الفلسطيني في مواجهة المحتل, ورسخت الحقوق الفلسطينية المشروعة؛ سعيا لتحقيق السلام العادل واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
باحث في دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني م.ت.ف

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت