- فاضل المناصفة
بعيدا عن كل التوقعات، لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع ذوبان الجليد المتراكم في علاقات الامارات وتركيا بهذه السرعة، لتاتي زيارة ولي عهد ابوظبي الى أنقرة استجابة لدعوة أردوغان وتنهي رسميا بذلك عصرا من الخلاف السياسي وحرب البروباغوندا الإعلامية التي كلما اشتدت شراستها كلما أكدت عمق الأزمة السياسية بين الطرفين.
ثمة نقاط عديدة ساهمت في ذوبان هذا الجبل من الجليد أبرزها عودة الديمقراطيين الى الإدارة الأمريكية حيث ساهمت هذه العودة بشكل كبير في إعادة قراءة وتقدير الموقف الخليجي من العديد من المسائل الإقليمية التي كانت ادارة ترامب تحاول توظيفها بالشكل الذي يبقى منطقة الشرق الأوسط في توتر سياسي مستمر، فالجمهوريون معروفون منذ الأزل بتحريك الأوضاع في الشرق الّاوسط من خلال توجيه حلفاءهم الى تبني مواقف حادة من الدول التي قد تشكل تهديدا على مصالحهم أو تحاول تسيد المشهد في المنطقة من دون رضى أمريكا، لم يكن هذا طبعا السبب الوحيد لجمود العلاقات وانما كان للإخوان دور كبير في اشعال فتيل الفتنة بين انقرة من جهة والقاهرة والرياض وأبو ظبي من جهة أخرى، خاصة مع انتشار دكاكينهم الإعلامية التي كانت تبث بترخيص رسمي من السلطات التركية : لقد استثمرت تركيا في الاخوان من خلال توظيفهم في حربها الباردة ضد دول الخليج ومصر، وحاول الاخوان الاصطياد في المياه العكرة مستغلين هذا الخلاف في محاولة لإعادة إيجاد موقع قدم لهم في مصر، من خلال الالة الإعلامية التي حاولت مرار وتكرارا اللعب على تحريك الشارع المصري وخلق الفوضى من اجل العودة الى المربع الأول من تورة يناير 2011، كما كان للمسألة السورية وزن كبير زاد من ثقل الخلاف بين دول المنطقة و تركيا، اذ ان دول الخليج كانت تبحث البديل عن نظام الأسد من دون أن تتفكك سوريا، في حين كان اردوغان يبحث عن موطأ قدم له في شمال سوريا ويهدد باجتياح شمال العراق للقضاء على الحركة القومية التركمانية التي تهدد وحدة تركيا لاستعادة مجد الإمبراطورية العثمانية والعودة لعصر الوصاية على الدول العربية.
تحتل الامارات المرتبة الأولى بين دول الخليج التي تستثمر داخل تركيا بحجم 4.3 مليارات دولار، كما تسعى الامارات الى المزيد من الاندفاع الاقتصادي نحو انقرة مستغلة بذلك حاجة تركيا الى استثمارات تعيد لليرة التركية قيمتها وتحفظها من الانهيار المتواصل، كما تساهم في تعافي الاقتصاد من مخلفات الجائحة، ولقد أعلنت الإمارات تأسيس صندوق بقيمة 10 مليارات دولار لدعم الاستثمارات في تركيا، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية بعد الزيارة التي قام بها ولي عهد أبو ظبي إلى أنقرة.
وبالرغم من فتور العلاقات على الصعيد السياسي الا ان الشق الاقتصادي لعلاقات البلدين، بقي نشطا ففي السنوات الأربع الماضية، حافظت أنقرة وأبو ظبي على استقرار العلاقات التجارية والاقتصادية بينهما، وتوسعت لتشمل جوانب واتجاهات جديدة خلال فترة كورونا، الأمر الذي انعكس على حجم الصادرات التركية إلى الإمارات التي ارتفعت إلى نحو 295 مليون دولار أمريكي في شهر يونيو/حزيران الماضي مقارنة بشهر مايو/أيار الذي بلغت قيمة صادراته نحو 243.5 مليون دولار.
من المؤكد ان التقارب الاماراتي التركي قد يؤسس لمصالحة سعودية تركية والذي وصل فيها التوتر الى أشده خلال
حادثة الخاشقجي، لا شك في أن الامارات ستحاول قيادة وساطة بين الطرفين لإنهاء سنوات الجفاء ولعودة العلاقات الى سابق عهدها، ستستغل تركيا تقاربها من الامارات لتوجيه رسائل إيجابية الى النظام السوري وربما للتحظير لمصالحة سورية تركية، لأن أنقرة أدركت انه لا بد من الاعتراف ببشار الأسد رئيسا ولابد من طي صفحة الربيع العربي التي انتهت .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت