-
اشرف صالح
قدمت حركة حماس للمخابرات المصرية ورقة تشمل رؤية سياسية شاملة تستند على وثيقة 2017 والتي كانت بمثابة تغيير في إستراتيجيتها , ويهدف هذا التغيير لبناء الثقة بينها وبين النظام المصري الجديد بعدما أعلنت حماس إنشقاقها التنظيمي عن جماعة الإخوان المسلمين (...) وبالطبع هذه الورقة السياسية هي تجديد وتأكيد لوثيقة 2017 , ومن أهم بنود هذه الورقة قبول حماس بدولة على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية , ولأن هذه الموافقة تذكرنا بموافقة منظمة التحرير عام 1993 على إقامة دولة على حدود 67 وذلك بموجب إتفاق أوسلوا , فقد لجأت حماس الى إسلوب التلاعب بالألفاظ وفضفاضية المفردات والمصطلحات , فقد قالت حماس حرفياً للمصريين أننا متمسكون بتحرير كامل الأراضي الفلسطينية ولكن نقبل بدولة على حدود 67 مع عدم الإعتراف بإسرائيل ! وبالطبع هذا الإسلوب الفضفاضي والمطاطي في الخطاب السياسي موجه للرأي العام الفلسطيني وليس للمخابرات المصرية , لأن المخابرات المصرية تعي ما تقوله حماس جيداً , ولكن الرأي العام الفلسطيني ربما لا يعي ما تقوله حماس جيداً .
إن ورقة حماس جيدة من الناحية العملية الواقعية ولا أحد يمكن أن يعترض عليها , فهي نفس ما تطلبه حركة فتح وفصائل منظمة التحرير وقوى المجتمع المدني الفلسطيني والرأي العام الفلسطيني أيضاً , ومن باب الإنصاف بإستثناء "حركة الجهاد الإسلامي والتيار السلفي بجميع فروعه" ولكن حركة حماس لا زالت تتمسك بالخطاب الأشبه بالشعارات والخطب الرنانة , والذي من شأنه أن يقوي حاجز الخجل بين حماس التي إنتقلت نقلة نوعية من حماس الأمس الى حماس اليوم , وهذا الحاجز يضع حماس في مربع التناقض الدائم في خطاباتها , فمثلاً من الممكن أن يصعد إسماعيل هنية الى المنبر في خطبة الجمعة ويقول أن حماس تتمسك بتحرير فلسطين من البحر الى النهر , وبعد يومين يعلن الموافقة على دولة 67 بشكل رسمي أمام المخابرات المصرية , بالطبع هذه التناقض لا ينفي قبول حماس بدولة 67 , ولكنه يعبر عن خجل حماس أمام الرأي العام من هذا التغير السريع في إستراتيجيتها , وخاصة أن حماس كانت تتهم منظمة التحرير بالخيانة نتيجة قبولها بدولة 67 "أوسلوا" , وطالما أن إسرائيل أصلاً رافضة لحل الدولتين , فهذا يعني أننا سنصل الى مرحلة نطالب فيها وبشكل رسمي ما هو أقل من حدود 67 , لأننا منقسمين والإنقسام لا يلتقي مع التحرر .
تعالوا نفترض أن إسرائيل منحتنا دولة على حدود 67 , وبالطبع حماس ومنظمة التحرير سيكونان سوياً في هذا الإتفاق والموافقة , وسيوقعان سوياً على الإتفاق الرسمي , والذي ينص على إقامة دولة فلسطينية بجانب دولة إسرائيلية , وسيكون بين الدولتين بروتوكولات أمنية وإقتصادية وعسكرية وسياسية وأيضاً إجتماعية , وستعيشان الدولتان جنباً الى جنب وستحافظان على أمنهما وإستقرارهما , فكل دولة ستحافظ على أمن الدولة المجاورة بحسب الإتفاق , والسؤال هنا موجه لحماس فرضاَ وحصراً , فهل بعد هذه الإتفاقيات الموقعة بموجب دولة 67 بيننا وبين إسرائيل , ستأتي يا حماس وتقولي لإسرائيل نحن وقعنا معكي إتفاق سلام دائم وتسوية نهائية ولكن لن نعترف فيكي وسنحاربكي طوال الوقت ؟؟!! بالتأكيد هذا لم ولن يحدث بين كيانين متفقين إتفاق نهائي , وحماس تعي ذلك جيداً , ولكنها تحاول في خطابها السياسي أن تقلد الجهاد الإسلامي في تمسكها بكامل فلسطين التاريخية , وفي نفس الوقت لا تريد أن تضيع عليها فرصة التناغم مع المخابرات المصرية والتي ستمنحها صلاحيات واسعة , بدءاً من تقوية إقتصاد غزة مروراً بالسماح لها بإقامة علاقات دولية ووصولاً الى إستراتيجية مبنية على قبول ما قبلت به منظمة التحرير من قبل , وهو دولة على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية "أوسلوا" , وهذا ما تم بالفعل ولكن إسرائيل نفسها لا تريد ذلك .
كاتب ومحلل سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت