أكد ممثلو عشرات المنظمات الأهلية وحقوقيون وأكاديميون على إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية كونها مشروعاً تحررياً من الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة الدولة الفلسطينية.
كما أوصوا خلال المؤتمر السنوي العاشر "حالة المجتمع المدني الفلسطيني عام 2021" الذي نظمته شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية تحت عنوان "منظمات المجتمع المدني في مواجهة التحديات" ضمن مشروع "تعزيز الديمقراطية وبناء قدرات المنظمات الأهلية الفلسطينية"، بالشراكة مع المساعدات الشعبية النرويجية NPA، بضرورة إصلاح النظام السياسي الفلسطيني، من خلال تحقيق المصالحة الفلسطينية، وتنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية.
وشددوا على أهمية مواجهة انتهاكات الحريات العامة وحقوق الإنسان، والحق في تشكيل الجمعيات، وإزالة أي قيود تحول دون استقلالية العمل الأهلي الفلسطيني.
وفي كلمته أكد مدير شبكة المنظمات الأهلية أمجد الشوا أن هذا المؤتمر تنظمه الشبكة في نهاية كل عام ليكون بمثابة حصاد عام كامل، ووصفه بأنه الأصعب في ظل تحديات واجهها الشعب الفلسطيني بإرادة وصمود كبيرين، فيما تعاضدت مؤسسات المجتمع المدني، في وجه أبشع حملات التحريض من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وآخرها وسم ست منظمات أهلية بـ"الارهاب".
وأشار إلى أن الشعب الفلسطيني ومؤسساته واجه بصمود وإرادة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أيار (مايو) الماضي، على الرغم من قتل وتدمير وتشريد عائلات بأكملها، في ظل واقع اقتصادي و اجتماعي ومعيشي صعب جداً، لافتاً إلى أن المعاناة ما تزال مستمرة بسبب تعطل عملية إعادة الإعمار، مطالباً بتنسيق جهود إعادة الإعمار وتعجيلها.
ومن ناحيته قال عضو الهيئة التنسيقية للشبكة محسن أبو رمضان في كلمة الشبكة إن "المؤتمر يهدف إلى دراسة حال المجتمع المدني، واستخلاص العبر، وبلورة توصيات لاستنهاض مؤسسات المجتمع المدني، بوصفها مكوناً رئيساً من مكونات العمل الوطني من أجل الصمود، واستمرار المسيرة والانعتاق الوطني، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية".
واستعرض أبو رمضان أبرز التحديات التي واجهتها منظمات المجتمع المدني خلال العام الجاري، المتمثلة في الاحتلال وممارساته، وتداعيات الانقسام الداخلي، و جائحة كورونا، ونقص التمويل، ولعبت دوراً في التأثير على العمل الأهلي. معتبراً أن وسم المنظمات الأهلية الست بـ"الارهابية" حرب مفتوحة على الشعب الفلسطيني، تستهدف الأرض والإنسان، وتقويض القدرة على الصمود والمواجهة.
من جهتها، قالت ضيف المؤتمر المحامية سحر فرنسيس مدير مؤسسة الضمير لرعاية الأسرى والمعتقلين وحقوق الإنسان، إن "الهجمة الإسرائيلية على المنظمات الست لم تبدأ في الشهر الماضي، بل هي جزء من سياسات رسمية إسرائيلية مستمرة منذ سنوات طويلة، مؤكدة على وحدة الأرض والشعب في مواجهة الاستعمار الإسرائيلي". مشيرةً إلى استهداف وإغلاق عشرات المؤسسات الأهلية في مدينة القدس المحتلة، ومنع أي نشاط أو عمل فلسطيني في فيها.
واستعرضت فرنسيس آليات وأنشطة منظمات المجتمع المدني الفلسطيني في مواجهة الاستعمار وسياساته، والمنظمات اليمينية التابعة له، والتي تعمل في مختلف أنحاء العالم لوقف التمويل، ووسم نضالها بـ"الإرهاب".
واعتبرت أن كل السياسات الإسرائيلية، بما فيها سن قانون مكافحة الإرهاب عام 2016، وغيرها من القوانين العنصرية، تهدف إلى ضم الأراضي الفلسطينية وفق خطة وضعها رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو بدعم أميركي.
وقالت إن الهدف من وسم سلطات الاحتلال المنظمات بـ"الارهاب" تجفيف تمويلها، بذريعة أنها تمول "إرهابيين"، وأحزاب وفصائل مصنفة بأنها "إرهابية"، مستغلة الحملة الدولية لمكافحة "الإرهاب" في العالم. وانتقدت "صمت" المجتمع الدولي، على رغم حال التضامن، الذي لا يتجاوز الشجب والاستنكار، مطالبة باتخاذ خطوات جماعية في حال لم يعمل المجتمع الدولي على وقف الإجراءات الإسرائيلية.
وقدم الدكتور عدنان الحجار خلال الجلسة الأولى للمؤتمر، التي أدارتها وفاء الغصين مدير مركز إبداع المعلم، ورقة بعنوان "التحول الديمقراطي مدخل إلى إعادة ترتيب البيت الفلسطيني (تحقيق المصالحة) ودورها في تعزيز الصمود".
ودعا الحجار في ورقته إلى توفير بنى مؤسسية وآليات لضمان المشاركة المجتمعية في المصالحة الفلسطينية، وتشجيع الشباب على أن يصبح نشطاً سياسياً، وأن يتم استيعابهم في مرحلة التحول إلى الديمقراطية كونهم شريان الحياة في المستقبل.
وشدد على أهمية دور المرأة الفلسطينية ومشاركتها الفاعلة وقدرتها الكبيرة على الإسهام في تعزيز المجتمع وثقافته الوطنية، مطالباً بتحقيق العدالة الانتقالية وفق ما يتم الاتفاق عليه بعد إعلان طرفي الانقسام المسؤولية عما حدث خلال تلك المرحلة، والعمل الجاد على استعادة الثقة في الاقتصاد الوطني، مما يعزز صمود المجتمع الفلسطيني، ويخلق الأمل في توفير فرص عمل تحفظ كرامة المواطن الفلسطيني.
من جهته، قدم المهندس تيسير محيسن مدير جمعية الإغاثة الزراعية في قطاع غزة ورقة بعنوان "إعادة إعمار قطاع غزة: نحو نهج شمولي"، دعا فيها الى أن يتم الأخذ في الحسبان الأبعاد المختلفة، التي تستند إلى تنوع الأدوات وتعددها، وتنوع وتعدد الأطراف الواجب انخراطها ومشاركتها.
وشدد محيسن على أن طرفاً واحداً ليس بمقدوره إنجاز المهمة، وأن تلبية حاجات المجتمعات أو الدول الهشة، تستلزم تنوع الأدوات والمصادر والموارد، وأن الفشل في جانب يعني الفشل في جوانب أخرى، نظراً للترابط والتداخل بين المجالات.
واعتبر أن شمولية إعادة الإعمار تتطلب تأمين الشرط السياسي والحقوقي للعملية في حده الأدنى، ووضع رؤية شاملة للعملية، والضغط على كل الجهات للإيفاء بالتزاماتها المعلنة، وتشكيل هيئة وطنية تضم الأطراف ذات الصلة (مجلس أعلى للإعمار).
وطالب محيسن بتجنيب إعادة الإعمار الخلافات والمناكفة السياسية أو المعيقات البيروقراطية، وضمان أن تكون العملية تشاركية وشفافة وموثقة، وتوفير ضمانات دولية وعربية للحماية وعدم تكرار العدوان، وإنشاء صندوق خاص بأموال إعادة الإعمار مستقل عن الموازنة العامة، والتركيز على مجالات مهملة؛ الزراعة والصيد ومياه الشرب والأمن الغذائي.
بدوره، قال د. غسان أبو حطب في ورقته بعنوان "التداعيات التمويلية لجائحة كورونا على الخدمات والبرامج والمشاريع المقدمة من قبل المنظمات الأهلية الفلسطينية في قطاع غزة"، إن الجائحة فاقـمت أوضـاع قطـاع غـزة المعيشية والاقتصادية والاجتماعية.
وأضاف أبو حطب أن ما بين 15 إلى 20 ألـف عامـل فلسـطيني خسروا عملهم بسـبب سياسـة الإغلاق للحـد مـن انتشـار الوبـاء، في وقت يعـاني قطـاع غـزة مـن بطالـة عاليـة (لا تقـل عـن 43%) وأكثـر مـن نصـف السـكان (53%) يعيـش تحـت خـط الفقـر، ويعاني القطـاع مـن نقـص شـديد في الخدمات والتجهيزات الطبيـة نتيجـة الحصـار الحـاد.
وأشار الى أن منظمات المجتمع المدني اتخذت عدداً من الإجراءات للتغلب على تداعيات الجائحة، من بينها إنهاء عقود أعداد من العاملين، وتقليص ساعات العمل، والعمل عن بعد، وغيرها.
وقدم أبو حطب جملة من البدائل تتعلق بالتكنولوجيا والتقنيات، وأخرى بالعمل المالي والإداري، وغيرها تتعلق بجوانب الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك الشراكات والتعاون بين الأطراف المتعددة.
وفي الجلسة الثانية، قدم الاستشاري محمد خالد عبر تقنية الدائرة التلفزيونية المغلقة ورقة بعنوان "الرابط الثلاثي في السياق الفلسطيني" مشيرا إلى أن "الرابطة الثلاثية الإنسانية- الإنمائية- السلام (الجهد السياسي)" تشير إلى هدف تعزيز التعاون و الاتساق والتكامل.
وقال إن "هذا النهج يسعى إلى الاستفادة من المزايا النسبية لكل ركيزة، بقدر أهميتها في السياق المحدد، من أجل الحد من الضعف العام وعدد الحاجات غير الملباة، وتعزيز قدرات إدارة المخاطر ومعالجة الأسباب الجذرية للصراع".
وأضاف خالد أن توصية لجنة المساعدة الإنمائية (DAC) بشأن الرابطة الثلاثية الإنسانية- الإنمائية- السلام التي اعتمدت في 22 شباط (فبراير) 2019، أكدت أن الهدف من تعزيز الاتساق بين الجهود الإنسانية- الإنمائية- السلمية هو الحد بشكل فعّال من حاجات الناس ومخاطرهم وما يتهددهم، ودعم جهود الوقاية، وبالتالي التحول من تقديم المساعدة الإنسانية إلى إنهاء الحاجة.
واقترح خالد خطوات لتفعيل الرابطة الثلاثية في فلسطين وفقا لدراسة أعدها لصالح شبكة المنظمات الأهلية مطلع العام الجاري، أهمها تحديد الاتجاه الاستراتيجي، وآليات التنسيق، وتكييف ترتيبات التمويل وأدواته، والتحليل المشترك، والنتائج الجماعية، وخطة التنفيذ المشتركة، والتنفيذ، والمتابعة والتقييم، وبناء القدرات.
وفي ورقتها بعنوان "توطين المساعدات الإنسانية"، دعت منسقة السياسات في الشبكة فداء السنوار إلى إعطاء دور أكبر للجهات الفاعلة المحلية في إطار توطين المساعدات الإنسانية بالشراكة مع منظمات دولية.
واعتبرت السنوار أن التوطين قد يأخذ أشكالاً عدة، من بينها زيادة عدد الشراكات الحقيقية والمنصفة بين الممثلين المحليين والدوليين، وتعزيز زيادة التمويل والتمويل المباشر من قبل الجهات المانحة، وتعزيز دور الجهات المحلية في تقديم المساعدات وتنسيقها.
واستعرضت السنوار توصياتها لجعل توطين العمل الإنساني أكثر فاعلية، ومن بينها الشفافية، التي تضمن إبلاغ المانحين الشركاء المحليين بفرص التمويل، وتزويدهم بفرصة عادلة للتقدم، وإزالة أي عوائق، بما في ذلك اللغة، وإشراكهم في إعداد الخطط السنوية، ووضع أولويات التدخل، وعدم الاقتصار فقط على تنفيذ المشاريع.
وأوصت أيضا بتقديم تمويل عالي الجودة أسوة بالمنظمات الدولية، وكذلك الانخراط في شراكة عادلة تقوم على الأساس نفسه، الذي ستكون عليه مع الأطراف الأخرى، وتمكين البيئة السياسية والتشريعية من خلال استخدام المانحين صوتهم الدبلوماسي للمساعدة في إنشاء مساحة تشريعية مناسبة للمنظمات الأهلية.
واستعرض وليد النباهين في ورقة بعنوان "تعزيز مفهوم الصمود في العمل الإنساني"، معتبراً أن الصمود هو القدرة على الاستمرار والتكيف والتحول في مواجهة التغيير، وقدرة النظام على امتصاص الصدمات والتعافي منها.
وقال النباهين إن تعزيز الصمود يتطلب تنفيذ تدخلات طويلة الأجل ومتكاملة لبرمجة القدرة على الصمود، وإن هناك حاجة إلى نهج شامل للقطاعات المختلفة مع التزام طويل الأجل من أجل تحسين الصمود للسكان المعرضين للصدمات.
وأضاف أن المطلوب أيضا التعاون الاستراتيجي لتعزيز القدرة التحويلية، إذ أن غالباً ما تكون المنظمات غير الحكومية محدودة في قدرتها على تحسين القدرة التحويلية على المستوى الوطني، بخلاف أن تكون فعالة على المستوى المحلي.
واعتبر أن الجهود التعاونية أو التحالفات أو فرق العمل رفيعة المستوى التي تضم الجهات المانحة ووكالات الأمم المتحدة والحكومات والمنظمات الأهلية يمكنها تحسين القدرة التحويلية بشكل أكثر فعالية على المستويين الوطني أو الإقليمي، مما يعظم من نتائج العمل على مستويات قدرة الصمود للأفراد والأسر والمجتمعات.
وشدد على أهمية تطوير استراتيجيات الصمود المحلية والوطنية من خلال تعزيز فعالية وكفاءة برامج المرونة للمنظمات الأهلية من خلال استخدام استراتيجية وطنية، التي من شأنها أن تسمح للمنظمات بمواءمة الموارد، وبناء قدرات الموظفين، ومعالجة الموضوعات المشتركة التي تتطلب التفكير والنهج النظمي.
وفي ختام الجلستين تم فتح باب النقاش والمداخلات حول ما تضمنته الأوراق المقدمة. إذ قدم عدد من الحاضرين توصيات ومقترحات وأفكاراً متنوعة.
وفي نهاية المؤتمر تلا أمجد الشوا توصيات المؤتمر التي كان من بينها التأكيد على ضرورة مواجهة حملة التحريض الإسرائيلية في حق منظمات المجتمع المدني، بخاصة قرار الاحتلال تصنيف المؤسسات الست منظمات "إرهابية".
وطالبت بالعمل من أجل إشراك المنظمات الأهلية في وضع الخطط الوطنية والقطاعية كافة، وتعزيز التمويل التضامني في مواجهة التمويل السياسي ورفض التمويل السياسي المشروط، وضرورة إشراك منظمات المجتمع المدني في خطط إعادة الإعمار وتوجهاته، وفق نهج شمولي، ومراعاة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.