هدد رئيس كتلة القائمة العربية الموحدة في الكنيست النائب وليد طه بإسقاط الحكومة الإسرائيلية بحال تراجعت وزيرة الداخلية فيها عن دعم متفق عليه مسبقا على مشروع قانون لربط البيوت العربية بالكهرباء، وفي محاولة لمنع انفجار الأزمة يفترض أن يلتقي خلال الساعات القريبة وفد عنها برئيس الوزراء نفتالي بينيت ورئيس الوزراء بالوكالة يائير لابيد.
وكان النائب وليد طه قد قدم مشروع قانون لربط عشرات آلاف البيوت العربية غير المرخصة بالتيار الكهربائي من خلال قيام سلطات الاحتلال بصياغة خرائط هيكلية وتفصيلية تشمل هذه البيوت. وقد تم التوافق على نص القانون المقترح مع جهات حكومية لكن وزيرة الداخلية أيليت شاكيد تحاول وضع العصى في دواليب مشروع القانون قبيل التصويت عليه بأيام نتيجة مزاودات وتجاذبات داخل الحلبة السياسية الإسرائيلية.
وبدأ ذلك بعدما قام النائب عن الليكود ياريف لفين باستجواب الوزيرة شاكيد في الكنيست متهما إياها بالموافقة على منح آلاف البيوت العربية فرصة للارتباط بالتيار الكهربائي رغم بنائها بشكل غير قانوني ودون تراخيص بناء. في ردها قالت إن الحديث يدور عن عملية معقدة ومكلفة جدا وتحتاج للكثير من الإجراءات وتتطلب دفع رسوم باهظة تتجاوز قيمتها الخمسين ألف دولار.حسب موقع صحيفة "القدس العربي"
يشار إلى أن مشكلة عدم ربط عشرات آلاف البيوت العربية في إسرائيل بالكهرباء تأتي نتيجة عدم توسيع مسطحات البناء داخل البلدات العربية من قبل كافة الحكومات منذ احتلال 1948 على خلفية سياسية عنصرية ضمن سياسة تضييق الخناق والضغط على فلسطينيي الداخل لمنع تكاثرهم. وتتفاقم المشكلة في النقب حيث هناك عشرات القرى التي ما زالت السلطات الإسرائيلية لا تعترف بها وتحرم بالتالي من الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء وعيادة تقدم حبة دواء للأهالي.
وأثارت تصريحات وزيرة الداخلية ردود فعل غاضبة لدى بعض قادة القائمة العربية الموحدة المشاركة في الائتلاف الحاكم واعتبرتها إضعافا وإحراجها لها أمام جمهورها ولدى فلسطينيي الداخل الذين قالت إنها تؤيد ائتلافا إسرائيليا حاكما من أجل تأمين حقوق مدنية لهم.
في صفحته على الفيسبوك أطلق رئيس كتلة الموحدة في الكنيست النائب وليد طه تهديدا مباشرا بإسقاط الحكومة بعد نحو نصف عام على تأسيسها بحال تراجعت وزيرة الداخلية عن دعم مشروع قانون ربط البيوت العربية بالكهرباء الذي سيطرحه كما يراه بعد أيام في الكنيست.
وجاء في التهديد المباشر وشبه الصريح الذي لم يكن ليصدره لولا موافقة قيادة القائمة العربية الموحدة عليه: “هدفنا من خلال القانون هو إيجاد حل واضح وبسيط لهذه البيوت العربية المحرومة من التيار الكهربائي، وبدون تعقيدات. لذلك نقولها وبوضوح: قانون الكهرباء، إمّا أن يضيء بيوت أبناء مجتمعنا العربي بصورة قانونيّة ومنظّمة، وإمّا أن يطفئ الضوء على هذه المرحلة وينقلنا لمرحلة جديدة، وقد أثبتنا أنّ مصلحة أبناء مجتمعنا هي محرّكنا، فقط لا غير، ولا نخشى التحدّيات”.
وعلى خلفية تراكم المماطلات وعدم تطبيق اتفاق الائتلاف الحاكم مع القائمة الموحدة سيلتقي وفد عنها مع رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت ووزير الخارجية ورئيس الوزراء بالوكالة يائير لابيد من أجل تسوية الخلاف وإطفاء الأزمة قبل أن تطيح بالائتلاف الحاكم الهش القائم على فارق صوت واحد مقابل المعارضة برئاسة بنيامين نتنياهو علما أن الموحدة ترى نفسها فيه “بيضة القبان”.
وجاء القرار بالبت في الموضوع وإبداء موقف صارم من قبل الموحدة مع الائتلاف الحاكم بعد اجتماع عاجل للموحدة قررت فيه قيادتها بضرورة التصعيد وتسجيل موقف صارم واعتبار الوعود المتفق عليها خطا أحمر. كما عبرت قيادة الموحدة في الاجتماع المذكور عن رفضها وشجبها لتصريحات رئيسها النائب منصور عباس حول المستوطنين. وكان منصور عباس قد عقب على تصريحات لوزير الأمن الداخلي عومر بارليف بأن المستوطنين يعتدون على الفلسطينيين، بالقول إنه لا يجوز التعميم وإن “بعض المستوطنين” معتدون وليس كافتهم.
وأغضبت تصريحات منصور عباس الشارع العربي في إسرائيل وأحرجت القائمة العربية الموحدة التي سارعت للتنصل منها. وعلى لسان مدير المكتب السياسي للقائمة العربية الموحدة إبراهيم حجازي قالت الموحدة إن مؤسساتنا هي التي تحسم في القضايا الوطنيّة والدينيّة، وكل موقف مخالف يعبّر عن الشخص ولا يمثّل مؤسساتنا. مؤكدة أن تصريحات الوزيرة شاكيد بائسة، وهي تبحث عن إنقاذ مستقبلها السياسي وهذا أمر لا يعنينا وما يعنيني هو تحويل الاتفاق الحكومي إلى قرارات لصالح مجتمعنا. قانون الكهرباء، وقضايا أخرى كالقرى غير المعترف بها والأرض والمسكن، العنف والجريمة، الفقر والبطالة، كلّ هذه خطوط حمراء لن نسمح لأيّ كان بتجاوزها.
وتابعت الموحدة “ميثاقنا ملزم لجميع نوّابنا، وهو يتحدّث بوضوح بأنّ المستوطنات غير شرعيّة وفق كل المواثيق والقوانين الدولية. بعض المستوطنين يعيثون في الأرض فسادًا ويمارسون عنفًا وإرهابًا، وهذا مرفوض جملةً وتفصيلًا. وهذه المستوطنات إلى زوال عاجلًا أم آجلًا”.
وردا على سؤال “القدس العربي” قال حجازي “لسنا بحاجة لوصاية أحد ولا إلى ملاحظات أحد، الحركة الإسلاميّة والقائمة الموحّدة واضحان كوضوح الشمس في البرنامج والمنهاج، وثوابتنا الوطنية والدينية واضحة”.
وعلى خلفية ذلك أصدر الحزب الشيوعي الإسرائيلي والجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة بيانا ينتقد فيه تصريحات منصور عباس التي اعتبرها ليست “خللاً” بل تعبيرا عن التطبيع المفضوح مع سياسة الاحتلال لتصفية القضية الفلسطينية، مضيفا أن “لعبة الأدوار” و”البيانات التوضيحية” لم تعد تنطلي على أحد. يدين الحزب الشيوعي والجبهة تصريحات رئيس القائمة “الموحدة” النائب منصور عباس التي تشرعن الإرهاب الاستيطاني الذي تمارسه عصابات المستوطنين في الأراضي المحتلة عام 1967، بالعدوان اليومي على البشر والحجر والشجر وعلى الأرض والإنسان والمقدّسات.
وقال الحزب والجبهة في بيان مشترك إنه حسب معطيات الأجهزة “الأمنية” نفسها، سجّل النصف الأول من العام 2021 ما لا يقل عن 416 جريمة نفّذها المستوطنون ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، مقابل 507 جرائم في العام 2020 ومقابل 363 جريمة في العام 2019. أي أنّ العدد يتضاعف من عام إلى آخر. هذا ناهيك عن عشرات الحالات التي لا تعترف بها المعطيات الرسمية الإسرائيلية.
وأكدا أن “هذه التصريحات البائسة هي سقطة جديدة وخطيرة في نهج “الموحدة” لشرعنة منظومة الاحتلال والاستيطان والتطبيع معها، من خلال التصويت على ميزانيات “الأمن” وميزانيات ضخمة لتكثيف الاستيطان والتهويد في القدس والضفة، ومواصلة الاعتداء على المقدسات وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك الذي يشهد تصعيدًا في اقتحامات عصابات المستوطنين وأيضًا من خلال التصويت قبل أيام على قوانين عسكرية تستهدف الأسرى السياسيين وتمكّن الشرطة من استباحة حرمات البيوت دون أمر قضائي”.
ونوها إلى أنه بالتوازي مع هذه السقطات السياسية الخطيرة وغير المسبوقة، تتكشّف يومًا بعد يوم هزالة “الإنجازات المدنية” التي يتغنّى بها أصحاب هذا النهج، حيث أكدت الوزيرة شاكيد ما حذّرنا منه مسبقًا، من أنّ قانون الكهرباء بصيغته المعدّلة لا يقدّم حلولاً جذرية وحقيقية لعشرات آلاف البيوت العربية المحرومة من الكهرباء، وخصوصًا في النقب، بسبب العراقيل الكثيرة التي وضعتها الحكومة ورضخت لها “الموحدة”.
وتابع بيانهما “كذلك تبيّن أنّ القرار الحكومي 550 هو استمرار للقرار السابق 922 ولا يشتمل على أية إنجازات نوعية حقيقية للجماهير العربية”. وقالا إنّ هذه التصريحات المدانة للنائب منصور عباس ليست “خللاً” ولا مجرّد زلّة لسان، بل تعبيرٌ عن تخلّي “الموحدة” عن أدنى التزام وطني وسياسي وأخلاقي تجاه الشعب الفلسطيني، وتطبيعها المفضوح مع سياسة الاحتلال والاستيطان لتصفية القضية الفلسطينية وتمرير مخططات الضمّ ومنع قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 حسب قرارات الأمم المتحدة. وتابعا “ونقول للمتنفذين في الحركة الإسلامية الجنوبية والقائمة “الموحدة” بأنّ “لعبة الأدوار” و”البيانات التوضيحية” لم تعد تنطلي على جماهيرنا، فالمطلوب من الحركة الإسلامية ومن حليفها النائب مازن غنايم هو الانسحاب من هذه الحكومة التي تواصل نفس السياسات العنصرية المعادية لشعبنا وجماهيرنا”.
وحتى الآن ورغم أنها “بيضة القبان” وبدونها تسقط حكومة نفتالي بينيت تتصرف القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس داخل الائتلاف الحاكم كغزالة داخل غابة السياسة الإسرائيلية المسكونة بالوحوش المفترسة ولذا تأخرت الإنجازات الموعودة للمجتمع العربي من قبلها.
ويبدو أن تلكؤ الائتلاف الحاكم في تطبيق بنود الاتفاق مع الموحدة ينم عن تفاقم المزاودات الداخلية بين الأحزاب الصهيونية وعن قلة تجربة نواب الموحدة في الكنيست ومهادنة رئيسها منصور عباس وتصريحاته الإشكالية والاستفزازية التي تنتهك الثوابت السياسية العربية الفلسطينية في إسرائيل ويستغلها قادة الائتلاف من أجل مواصلة عدم احترام الاتفاقات مع الموحدة والتصرف بما يخدم الأجندة الصهيونية لهذه الأحزاب رغم أنها تملك فرصة إسقاط الحكومة. لكن قيادة الموحدة (الحركة الإسلامية الشق الجنوبي) وأمام موجة الغضب والاحتجاج في أراضي 48 على تصريحات عباس المتتالية وعلى عدم تطبيق الوعود تبدو أنه تتجه للتصعيد وتغير موقفها ليصبح أكثر صرامة لدرجة أن بعض قادتها باتوا يدعون للبت: إما تطبيق الوعود (حقوق مدنية متنوعة للمواطنين العرب) وإما إسقاط الحكومة فورا أو على مراحل كما قال أحد قادة الموحدة لـ”القدس العربي”، مؤكدا أن الموحدة وصلت مفترق طرق حقيقيا ومعها كل الحكومة الإسرائيلية.
ربما يبدو خروج الموحدة الآن من الائتلاف الحاكم قبل أن تنجز منجزات حقيقية على الأرض للفلسطينيين في إسرائيل مغامرة سياسية تهدد وجودها في انتخابات مبكرة بحال قررت مواصلة المشاركة في اللعبة الانتخابية الإسرائيلية لكن بقاءها “بيضة قبان” فارغة سيحولها لرسم كاريكاتيري ويضرب مكانتها وهيبتها واحتمالات بقائها بل يهدد مكانة الحركة الإسلامية (الشق الجنوبي) الأم الراعية للموحدة.