- الشاعر الفلسطيني المتوكل طه
هجاءُ الدَّرَجِ العالي
***
الدَّرجُ العالي لا يُفضي للنّهرِ.
وهذا المجرى خلفي .
ينسابُ مع العُشبِ..
وأنا أتأمّلُ لُغزَ الماء.
وهذا النهرُ السادرُ في الغابةِ ، دون دليلٍ،
يجري،
ويوزِّعُ كلَّ ملابسِه لوحوشِ الليلِ،
ويُعطي للأشباحِ أغانيها.
وتخلّى عَمّن ينكرُه.. ومضى.
لا أدري أين ؟
ولكنَّ رحيلَ النهرِ بقاء!
والدرجُ المنصوبُ ، سيبدو، أعلى من رَقْرَقةِ الموجِ،
ويَسْحلُ مثل الأفعى ،
ويعوجُ إلى الوديانِ،
ويغرقُ في قلبِ النونِ،
ويمحو النقطةُ تحت الباء.
وتَنَكَّرَ مثل الجانِ،
وبدَّل قمصانَ الشمس بقمصانِ العتمةِ،
عاد إلى سيرتِه الأولى؛
شرّعَ أبوابَ القلعةِ ودعا الرّيحَ لتصعدَ
من فوقِ يديه..
فلم يحضرْ أحدٌ!
فبكى مِن وِحْدَته،
أو بقي الدرجُ العالي دون صديقٍ..
أعني ؛ التمثال وحيداً
بين الأشباهِ الغرباء.
فَيا درجَ الحاكمِ!
لن تصلَ النّجمَ،
ولن تجدَ دموعاً للشَّغَفِ،
وحرفاً تُلقيه إلى الشَّجَنِ
وذكرى تلهبُ صدرَكَ،
وستبقى دون مِدادٍ كاوٍ يكتبُ فيكَ النّايَ الساخنَ،
أو تتناسخُ مثل القطنِ الطائرِ.. فاهْدَأْ
والزَمْ كَنْزَ بقائكِ في البَهوِ
ممرّاً للماشينَ،
وخَطْواً للقدَمِ الهوجاء.
ويا دَرَجَ المقصلةِ المصقولَ رخاماً !
تأتيكَ كلابٌ تغفو تحتكَ،
ويتيمٌ لن يجدَ الدِّفءَ،
وأنثى باعتْ وردتَها الأشهى
واتّكأت فوقَ ذراعكَ كي تبكي، ما ضاعَ بكاءً،
دون بكاء.
يا سُلَّمَ هذا الدربِ التائهِ والغامضِ
والمشبوبِ بلفْحِ جهنّم!
ثمَّ دروبٌ أخرى نَسْلكُها لبلوغِ البيتِ،
فما ضلّ القلبُ، ولم
يتوقفْ معراجُ الأحلامِ لنبلغَ سَقفَ القُبّةِ
من فوق سماءٍ مُقْمرةٍ بِسماء..
يا درجَ المرآةِ الظمأى!
مَنْ أعطاكَ التاجَ لتسرقَ دُرّتَه العصماء؟
وكيف توزّع وجهَ الصُّبحِ لكلِّ خيامِ الريحِ ،
بلا أسماء؟
أو ترمينا للخيباتِ أواللّعناتِ أو الضوضاء!
مَن؟ يا دَرَجَ الهاءِ !
ومَن؟
يا دَرَجَ الهاء !
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت