القضية الفلسطينية تحت وطأة التحولات والمتغيرات السياسية

بقلم: ثائر محمد حنني الشولي

ثائر محمد حنني الشولي
  • بقلم : ثائر محمد حنني الشولي

 لقد أٌغتصبت فلسطين العربية في ظل تحولات سياسية إقليمية ودولية رهيبة شهدت حرباً عالمية وإنهياراً مدوياً للحكم العثماني الذي ترك بصمات سلبية على الواقع العربي الذي عانى من تفشي ظواهر الجهل والتخلف والجوع والفقر والضعف والنكوص الحضاري والثقافي والإقتصادي في تلك الحقبة التاريخية مما شكل أرضية مناسبة لتفعيل جشع وأطماع القوى الغربية الإستعمارية التي تحركت على عجل من أمرها نحو الهيمنة والإستيلاء على الوطن العربي الغني بالطاقات والموارد والثروات الطبيعية , التي بمجملها تشكل رافعة لنهوض عربي يضع أمتنا في الصدارة من الأمم مكانها التاريخي الذي يليق بها كأمة الرسالات ونشوء الحضارات الأولى .
 وهذا بالضبط ما كانت تخشاه قوى الإستعمار الغربي التي عملت جاهدة في سبيل تفتيت وتقسيم الوطن العربي بما يضمن توطين الضعف والتخلف والجهل والفرقة في الجسد العربي , وفي السياق إبتدعت بريطانيا سيدة القوى الإستعمارية في ذلك الحين فكرتها الجهنمية الخبيثة بزراعة الجسم الغريب المرتبط جدلياً بمصالحها الإستعمارية, وقامت بإنتزاع فلسطين قلب الوطن العربي وإهدائه للحركة الصهيونية الفاشية تأكيداً وإمعاناً في سياسة تمزيق الأمة العربية وتعطيل نهوضها ونموها وتطورها الحضاري الرسالي .
 وما بين الحربين العالمية الأولى والثانية شهدت المنطقة العربية تحولات سياسية متسارعة خضعت خلالها كل الأقطار العربية وفق معاهدة سايكس بيكو ووعد بلفور للإنتداب الإستعماري الغربي والذي شكل غطاءً لسياسة نهب الثروات العربية وإستلاب فلسطين من خلال السماح للهجرة اليهودية المكثفة من أوروبا وسائر أنحاء العالم , وتالياً السماح لهم إقامة الوطن القومي في فلسطين غير اّبهة بجملة الوعود العريضة التي قطعتها بريطانيا للقيادات العربية الناشئة في ذلك الزمان , ولا لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره والعيش بأمن وسلام على أرض وطنه بشكل يثيرمشاعر الشرفاء والأحرار , والتي على ضوئها إندلعت الثورات تباعاً في فلسطين وعديد الأقطار العربية تمخض عنها إستقلال الكثير من البلاد العربية وبقيت فلسطين ترزح تحت نير الإنتداب البريطاني الذي ما فتأ يمارس المراوغة والتدليس حتى تمكين اليهود من الإعلان عن قيام دولتهم المسخ على حساب الأراضي العربية الفلسطينية , والتسبب في أعظم نكبة في التاريخ لحقت بالشعب الفلسطيني المكلوم وأسفرت عن تهجير نصف السكان أصحاب الأرض الشرعيين خارج وطنهم في مخيمات اللجوء المنتشرة في أصقاع المعمورة .. إضافة لقتل عشرات الاّلاف من الذين راحوا ضحايا جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي إرتكبتها العصابات الصهيونية بحق الشيوخ والنساء والأطفال الأبرياء من أبناء شعبنا الصابر الصامد .
 ومع إشتداد حملة التطهير العرقي الصهيوني والمجازر البشعة بحق الأبرياء وتواصل الزحف الإستيطاني الإستعماري في الأراضي العربية الفلسطينية ونكسة حزيران وهزيمة الجيوش العربية..
إندلعت الثورة الفلسطينية الكبرى بالتزامن مع ثورات عربية أسقطت حكومات الهزيمة وأوصلت قوى قومية ثورية وطنية تقدمية سدة الحكم في بعض الأقطار العربية ومنها العراق الشقيق الذي شكل سنداً للثوار الفلسطينيين والأحرار العرب وحاضنة للثورة وفصائل المقاومة والتحرير, ومظلة لكل الأنقياء المنتمين لقضايا أمتهم المصيرية الذين أبدعوا في تصديهم لكل المؤامرات وكانوا بمثابة الصخرة الكأداء أمام تغول الإحتلال وقوى الإستعمار في بلادنا, وأمام مشاريعهم الناّمرية التي كانت تستهدف تصفية القضية الفلسطينية والكينونة العروبية الأصيلة ...
وكانت منظمة التحرير الفلسطينية بفصائلها المتنوعة في ذلك الوقت طليعة الأمة ومجاهديها في التصدي لكل ما يحاك ضد الأمة العربية وقضيتها المركزية – فلسطين – ونبراساً نضالياً لكل أحرار العالم الذين يقاتلون ضد الظلم والإستبداد في شتى أنحاء المعمورة , ولقنت العدو الصهيوني درساً لن ينساه بصبر وجلد وشكيمة المقاتل الفلسطيني والعربي الذي أوجع الإحتلال في كل تفاصيل كيانه المجرم وأعادت رسم خارطة المنطقة لتكون كلها فلسطين ولتؤكد حضورها في كل المحافل والدوائر والمناسبات الدولية, وتحشر الكيان الصهيوني وتعزل دولته اللقيطة في حظيرة العنصرية المقيتة بإنتظار مصيرها المحتوم كما النازية والفاشية ونظام الأبرتايد الجنوب أفريقي.
إن الإنتصارات الباهرة للثورة الفلسطينية والعمليات الفدائية النوعية يرافقها الإنجاز الحضاري الثوري التقدمي في العراق الشقيق المساند والداعم والحاضن لتلك الثورة , وكذلك تفكك الإتحاد السوفيتي القطب المناهض للقوى الإمبريالية وإنهيار التوازن الدولي لصالح القطب الواحد المعادي أساساً للإنسانية والذي أخذ يحشد قواه ويجيش الجيوش الكبرى للعدوان على العراق وتدميره وإحتلاله, وكذلك الإجهاز على البندقية الفلسطينية ومحاصرتها من خلال القوى الرجعية في كل الأرجاء العربية وتحديداً القطر اللبناني الذي إحتوت أراضيه أكبر القواعد العسكرية والفدائية بمحاذاة الحدود مع الأراضي العربية المحتلة والتي كانت تقلق الكيان الصهيوني وتؤلمه وتقض مضاجعه كل يوم وبشكل لا يطاق. وإزاء هذا المشهد الوطني والقومي الحرج وأمام التحولات والمتغيرات السياسية والعسكرية الكبرى في أعقاب العدوان الكوني بقيادة أمريكا والصهيونية العالمية على العراق بهدف سحق منجزاته وتدميره وتالياً تحييده عن منصة الصراع العربي الصهيوني ..
 دخلت منظمة التحرير الفلسطينية حلبة ما يسمى مسيرة التسوية السلمية وألقاء سلاح المقاومة جانباً كشرط أساسي لركوب عربة السلام العبثية التي أضرت أيما ضرر بالقضية الفلسطينية وبمسيرة الأمة العربية التحررية النهضوية , وألقت بظلالها القاتمة على المشهد الفلسطيني الذي غابت قضيته عن الألق الذي تمتعت به سابقاً,وتراجع حضورها عن المحافل الدولية وحتى العربية..
كما إنعكست سلباً على مسيرة شعبنا النضالية وعززت الإنقسام والشقاق في الساحة الفلسطينية بشكل أسال لعاب المحتل الخبيث الذي راح يستغل مظلة السلام تلك وحالة الضعف والترهل عربياً وفلسطينياً بمزيد من الإستيطان والتهويد وتصعيد القمع والحصار والقتل اليومي وهدم البيوت والقرى والتطهير العرقي الممنهج, والعدوان المتواصل على قطاع غزة والعديد من الأقطار العربية القريبة والبعيدة بشكل إستفزازي يٌفترض أن يٌشكل مدعاة لكل الأحرار في فلسطين والأمة العربية لإجراء مراجعة شاملة وعميقة في محاولة لإيجاد السبل الممكنة بهدف إعادة التوازن المفقود في عالمنا العربي وطليعته فلسطين التي لم ولن تتحرر بغير البندقية النظيفة والشريفة .
بقلم : ثائر محمد حنني الشولي
بيت فوريك – فلسطين المحتلة
كانون أول – 2021م

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت