- جهاد حرب
إن الحديث عن حوار فلسطيني للمصالحة ليس له أي أهمية هذه الأيام، وفي أغلب الظن أن ذهاب حركتي فتح وحماس للعاصمة الجزائرية هذا الأسبوع تلبية لدعوة من الحكومة الجزائرية إنما هو "ضحك على الذقون" كما يقول الفلسطينيون، حيث لا تتوفر الإرادة السياسة ولا حتى الرغبة لدى الطرفين لدفع أثمان إنهاء الانقسام "توحيد مؤسسات السلطة أو الدولة" واستعادة الوحدة "الاتفاق على برنامج سياسي ونضالي موحد"؛ فحماس لا ترغب في التخلي عن السيطرة على قطاع غزة، وفتح كذلك لا ترغب بإشراك حماس في منظمة التحرير.
أما الحديث المعسول عن المصالحة وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة أمام وسائل الاعلام، أو في ردهات القصور أو قاعات الفنادق وبهوها أو غرف أجهزة الأمن من عاصمة عربية إلى أخرى أجنبية، لم يعد كافياً أو ذي مصداقية بعد أن تم تكسير أفئدة الفلسطينيين وقلبوهم، وتأزيم عقولهم وألبابهم، وتعطيل حياتهم ومعاشهم، وتحطيم آمالهم وطموحاتهم.
عادة نطرح الأمل في هذا المقال سعياً لتحقيق أحلامنا، نحن الفلسطينيون، الذي دفع الشعب الفلسطيني على مدار أكثر من مائة عام تضحيات جسام مبعدة بدماء الشهداء وعذابات الأسرى وأنات الجرحى لإقامة الدولة الفلسطينية العتيدة المستقلة والديمقراطية؛ دولة لجميع مواطنيها وفقاً لوثيقة إعلان الاستقلال "إن دولة فلسطين هي للفلسطينيين أينما كانوا فيها يطورون هويتهم الوطنية والثقافية ويتمتعون بالمساواة الكاملة في الحقوق، وتصان فيها معتقداتهم الدينية والسياسية وكرامتهم الإنسانية، في ظل نظام ديمقراطي برلماني يقوم على أساس حرية الرأي وحرية تكوين الأحزاب ورعاية الأغلبية حقوق الأقلية واحترام الأقلية قرارات الأغلبية، وعلى العدل الاجتماعي والمساواة وعدم التمييز في الحقوق العامة على أساس العرق أو الدين أو اللون أو بين المرأة والرجل، في ظل دستور يؤمن سيادة القانون والقضاء المستقل وعلى أساس الوفاء الكامل لتراث فلسطين الروحي والحضاري في التسامح والتعايش السمح بين الأديان عبر القرون".
لكن هذا الحلم بات أبعد مما تخيله الفلسطينيون قبل ثلاثة عقود، بل أن هذا الحلم بات وهماً بعد أن تكرس أمر واقع متمثل بوجود كيانين سياسيين في التجمعيين الرئيسيين للبقعة الجغرافية الممكنة لإقامة الدولة الفلسطينية العتيدة المتخيلة؛ الكيان الأول في قطاع غزة، حيث يتشكل فيها نظام سياسي، حكومة "لجنة متابعة العمل الحكومي، ومجلس تشريعي "كتلة حماس" ومؤسسات حكومية وقضائية متكاملة الأركان، يتمتع بسيطرة على الأرض والسكان لكن ينقصه الاعتراف الدولي، وفشل في فرض هيمنته على الفضاء الاجتماعي ببسط قيمه التي يؤمن بها هذا الكيان؛ فلا هو قادر على أن يكون على غرار طالبان الأفغانية أو أردوغان التركي كنماذج متعارضة للحكم الإسلامي.
أما في الضفة الغربية فإن هذا الكيان لديه أركان النظام السياسي؛ رئيس دولة وحكومة ومؤسسات حكومية وقضائية متكاملة الأركان، ويحظى باعتراف دولي دون سيطرة "سيادة" على الأرض، وينقصه المجلس التشريعي. ويحاول أن يهمين على الفضاء الاجتماعي كأنظمة القمع العربية بتعارض قيم الدولة المستند إليها في حكمه سواء تلك القيم المجسدة في وثيقة إعلان الاستقلال أو المجسمة في القانون الأساسي.
كلاهما كيانان فاشلان لم يقدما نموذجا يعبر عن أحلام الفلسطينيين؛ فلا دولة أو ديمقراطية يسود فيها القانون وينفذ على الجميع، وتصان فيها الحقوق والحريات والكرامة الإنسانية، وتمنح تكافؤ الفرص أمام الجميع للوصول للحكم، وتجرى فيها الانتخابات بحرية ونزاهة وبشكل دوري لإتاحة الفرصة أمام المواطنين لاختيار ممثليهم في مؤسسات الحكم ولمحاسبتهم. وتتيح إعمال مبدأ فصل السلطات المتوازن القائم على توزيع السلطة وعلى الرقابة المتبادلة بينها، وبناء مؤسسات فعالة ومسالة ومنفتحة، وإقامة قضاء مستقل ومؤسسات رقابة فعّالة تحمي مُقدرات وثروات وموارد الدولة ومواطنيها. زد على ذلك أنهما لا يرغبان في إنهاء استعصاء الحالة الفلسطينية بدفع أثمان استعادة الوحدة وإنهاء الانقسام بل هما يلهثان وراء غنائم مادية على حساب الشعب الفلسطيني وأحلامه ومستقبله ومستقبل أجياله القادمة.
لا أحد منا يرغب في الوصول إلى الانفجار أو الابقاء على نظرية التدمير الذاتي القائمة بل نرغب في الشراكة في إحداث التغيير عبر وسائل سلمية، لزرع سنابل القمح بدلاً من زهرة البنفسج، لإحياء أحلامنا واستعادة قوتنا وتمتين جبهتنا؛ وهي بالضرورة لا تكون إلا عبر احترام حق المواطنين في اختيار ممثليهم من خلال الانتخابات الحرة والنزيهة، واحترام الشراكة بين مكونات المجتمع المتعددة والمختلفة، وإتاحة الفضاءات لإطلاق قدرات وطاقات الشباب الكامنة، والحرص على مستقبل الأجيال القادمة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت