- كتب وليد العوض:
في الثالث والعشرين من كانون ثاني عام ١٩٨٤ توقف قلب القائد الشيوعي الشاعر معين بسيسو عن الخفقان على إثر نوبة قلبية حادة فاجأته خلال زيارة عمل للملكة المتحدة، هناك بعيداً بعيد في العاصمة البريطانية لندن توقف صوت الشاعر الاممي الذي ملأ الدنيا بأشعاره الحماسية دفاعاً عن الشعب والثورة والاحرار في كل العالم،
غاب معين بسيسو وبقيت كلماته واشعاره حاضرة تشكل نبراساً وهادياً لكل الدين ما زالوا يصرون على حمل الجمرة والانحياز للعمال والمادحين والفقراء المناضلين من اجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
اليوم في الذكرى الثامنة والثلاثون لرحيله المؤلم يتذكره رفاقه الشيوعيين واصدقاءه كما وكل الوطنين والاحرار في العالم اجمع، يتذكره ويسير على خطاه من مثلت وما زالت لهم كلماته المفعمة بروح التحدي وحب الوطن والانحياز للفقراء والعمال طريقاً ومنهجاً يواصلون السير عليه على مدار سني حياتهم،
اليوم يفتقده شعبنا الفلسطيني الذي عرف معين بسيسو القائد الشجاع والملهم الذي لا يهاب مدافعاً عن حقوقهم في مواجهة كافة المؤامرات، يتذكره الفدائيون الفلسطينيين واللبنانيين خلال ايام الحصار ال ٨٨ لعاصمة المقاومة بيروت حين وقف معهم على المتراس بكلماته المطرزة بالرصاص على صفحات جريدة المعركة التي اصدرها مع زملاءه الكتاب ورفاقه والهبت بكلماتها حماسة الفدائيون على خطوط النار في اخطر اللحظات ، يتذكره شاطئ الرملة البيضاء وصخرة الروشة وهو يطل عليها من شرفة مكتبه في مجلة اللوتس كما تتذكره رمال شاطئ غزة وهو فتياً تتطاير خصلات كثيرة شعره على جبينه كثائر من ثوار القرن العشرين .
في ذكرى رحيله يتذكره الاحرار والتقدميين الذين ناضل الى جانبهم في سوريا والعراق ومصر كما يتذكره التقدميون والاحرار من الكتاب والشعراء والادباء في العالم اجمع وامضى سنوات طوال الى جانبهم في الزنازين دفاعاً عن حقوق شعبنا كما عن حقوق العمال والكادحين، يتذكره الجميع دون استثناء ، لكننا نحن ابناء الشعب الفلسطيني والشيوعيون على وجه الخصوص أكثر من يفتقده في ذكرى الرحيل ونحن نعيش في ظلام مدلهم نبحث بين احرف كلماته عن بريق امل يسعفنا في غياهب الظلم والظلام المتربع على صدورنا، نبحث ونبحث فلا نجد سوى وقع كلماته المؤثرة التي طرزها بكل جوارحه تعبيراً لحبه لشعبه ولفلسطين وانحيازه للفقراء ولغزة الجريحة المسكونة هذه الايام بألم الانقسام تئن تحت وطأة تداعياته وكأنها كما رأها معين في قصيدته “المدينة المحاصرة”، مردداً بصوته الراعد:
هذي الحسناء غزة في مأتمها تـدور
ما بين جوعى في الخيام وبين عطشى في القبور
ومـعذب يقتات مـن دمـه ويعتصر الجذور
صـور من الإذلال فأغضب أيها الشعب الأسير
سـياطهم كتب مصائرنا على تلك الظهور
بهذه الكلمات المفعمة بالحماسة والأمل، وصف قبل اكثر من خمسين عاماً الشاعر الشيوعي الراحل معين بسيسو الأمين العام للحزب الشيوعي الفلسطيني، غزة التي نراها اليوم في بحر آلامها وحلكة ظلامها وتكاد تغرق في ازمات لا تنتهي، لكنها لم تفقد يوماً الأمل بأبنائها وهي حتماً سترى النور الذي بشر به ابنها البار ابو توفيق وحتماً ستأتي تلك اللحظة التي ينهض فيها الشعب ويقول كما قال معين ( أنت ان نطقت مت وانت ان سكت مت فقلها ومت) ، غزة هذه المثخنة بالجراح والحصار ستنهض حتما ستنهض وتنفض الغبار عن وجهها الجميل ستشذب شعرها الممتد على طول شاطئها الجميل ورمالها الذهبية، ستكحل عيناها وتبتسم تعانق حريتها التي سلبت وتعيد رسم مستقبلها المشرق كجزء من الوطن،
غزة وهي تتذكر معين تتململ على وسادتها الملطخة بالوجع تردد بصوت كتوم ما قاله ابنها البار في قصيدته “التحدي" (لن تطفئوا مهما نفختم في الدّجى هذي المشاعل، الشعب أوقدها وسار بها قوافل في قوافل). غزة التي تحتضن البحر ولا تخشاه، حيث ولد معين في ازقتها وحواريها الضيقة وعلى مقاعد مدارسها تلقى علومه وعلم طلابه على السير في دروب الكفاح وخاض مع الشعب المقاوم أروع صفحات الكفاح في مواجهة مشروع التوطين واسقاطه في خمسينات القرن الماضي، وشق ازرار قميصه وهو يتقدم المظاهرات الشعبية التي نظمها الحزب لإسقاط مشروع توطين اللاجئين في صحراء سيناء حيث علا صوت معين هادراً وخلفه الجماهير (لا توطين ولا إسكان يا عملاء الأمريكان) حيث سقط رفيقه الذي افتداه حسني بلال شهيداً مخضباً بدمائه ثرى الوطن،
غزة هذه ستنهض وهي ما زلت تذكره وتحفظ روح التحدي الذي زرعها معين وهي قطعاً لن تخيب ظنه، ونحن اليوم نكتب في الذكرى الثامنة والثلاثين لرحيله نصرخ بمليء فينا متى يتم انصاف هذا الشاعر الثائر ومتى سيحل ذلك اليوم الذي تشهد فيه غزة بناء صرحاً ثقافياً كبيراً ولائقاً تقديراً وتكريماً لمعين كما تم لزملائه الذين أحبهم. 22-1-2022
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت