طالبت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، بحملة دولية واسعة لانصاف الضحايا الفلسطينيين ومعاقبة المسؤولين الاسرائيليين والمؤسسة الرسمية الاسرائيلية، التي "تواصل اخفاء الجرائم والمجازر التي ارتكبت بحق أبناء شعبنا الفلسطيني والتستر عليها."
وقالت الخارجية في بيان صحفي يوم السبت، إن "الحقائق والدلائل تتكشف يوما بعد يوم عن المذابح والجرائم التي ارتكبتها العصابات الصهيونية ضد المواطنين الفلسطينيين المدنيين العزل الآمنين داخل منازلهم في المدن والبلدات والقرى الفلسطينية قبل عام 1948 وحتى بعد الإعلان عن اقامة دولة اسرائيل، هذه المجازر والمذابح توثقها شهادات حية للمشاركين فيها الذين ما زالوا على قيد الحياة أو تم تسجيل شهاداتهم بوسائل مختلفة، سواء في مقابلات موثقة وكتب وروايات سردية توثيقية، إضافة الى مئات التحقيقات الصحفية التي نشرها الاعلام العبري وكان اخرها ما نشرته صحيفة هآرتس بشأن تحديد مكان القبر الجماعي لشهداء الطنطورة والتي أعدمتهم العصابات الصهيونية عام 1948."
وأشارت إلى أن "هذه الحقائق التي تتكشف باستمرار تأتي رغم محاولات التعتيم عليها من جانب الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة لدفن حقيقة جرائم تلك العصابات ومجازرها ومنع نشر المعلومات المتوفرة والموثقة عن تلك الجرائم، علما أن القيادات المسؤولة عن ارتكابها تسلمت مناصب عليا في جيش الاحتلال وفي المؤسسات الاسرائيلية الرسمية المختلفة، وهم لا يتفاخرون فقط بتاريخهم الأسود، وانما يعملون أيضا على تخليد ذكرى تلك الجرائم ومرتكبيها وبمشاركة أعلى مستوى سياسي وعسكري في دولة الاحتلال."
وأكدت الخارجية أن "دولة الاحتلال لا تخجل ولا تبدي أي شعور بالندم على هذه المجازر الجماعية، وانما تعيد سردها كـ(بطولات) تُسجل في التاريخ الشخصي لمرتكبيها وسيرتهم الذاتية ويتم تخليدهم من خلال اطلاق اسمائهم على ميادين عامة ومعالم اساسية في دولة الاحتلال، واخر حلقات (تمجيد) إرهاب العصابات الصهيونية، الاعلان عن مراسم لاحياء ذكرى (مقاتلي منظمة الليخي في 27 من الشهر الجاري الذين سقطوا في معارك تحرير اسرائيل)، والذين ارتكبوا عديد المجازر بحق المواطنين الفلسطينيين بمشاركة شخصيات اسرائيلية رسمية في أعلى هرم الدولة العبرية."
وشددت على أن" جرائم الاحتلال لم تتوقف عند عام 1948، بل لا تزال متواصلة ومستمرة وبشكل عنصري بغيض، ما يستدعي فتح تحقيقات في هذه الجرائم وتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة، تأخذ على عاتقها فتح كافة الملفات والقضايا والاستماع الى الشهود وإجبار الاحتلال على فتح أرشيفه لتبيان الحقيقة وحجم الجرائم والمجازر التي تم ارتكابها بحق الشعب الفلسطيني من جانب عصابات الارهاب اليهودي، أو ما يسمى بجيش اسرائيل حاليا، وأيضا الكشف عن الطرق التي اتبعتها إسرائيل لطمس وإخفاء تلك الجرائم والمقابر الجماعية للتغطية على فظاعة ما ارتكبته من جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية."
وأثارت أطروحة الماجستير التي قدمها الطالب في جامعة حيفا، ثيودور كاتس، في العام 1989، حول المجزرة التي ارتكبها لواء ألكسندروني بحق أسرى فلسطينيين من سكان قرية الطنطورة في النكبة، جنوبي حيفا، ضجة في إسرائيل، وسعى مؤرخون وسياسيون إلى نفي وقوع هذه المجزرة.
وفي حينه، قدم عناصر في لواء ألكسندروني دعوى قذف وتشهير ضد كاتس، وطالبوه بالتراجع عن نتائج بحثه، الذي شمل شهادات وأدلة على الفظائع التي ارتكبت بحق الأسرى الفلسطينيين.
وعُرض في مهرجان ساندرس، قبل يومين، فيلم وثائقي للمخرج الإسرائيلي ألون شفارتس، بعنوان "طنطورة"، شمل الشهادات التي جمعها كاتس في أطروحته وشهادات أخرى. ووصف المؤرخ والباحث في معهد "عكيفوت" – لدراسة الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، آدم راز، في مقال نشره في صحيفة "هآرتس" يوم الخميس، بأن الفيلم الوثائقي "يقلب الصورة التي رسخت لدى الجمهور الإسرائيلي في أعقاب دعوى القذف والتشهير واعتذار كاتس".
وأضاف راز أنه "بالرغم من أن شهادات المقاتلين (من لواء ألكسندروني) قُدمت بجمل مجتزأة، وشظايا إفادات، فإن الصورة الشاملة كانت واضحة: جنود اللواء ارتكبوا مجزرة بحق رجال عُزّل بعد المعركة".
وبيّنت الشهادات والوثائق التي جمعها شفارتس لفيلمه الوثائقي أنه بعد المجزرة تم دفن القتلى في قبر جماعي، يقع تحت موقف سيارات شاطئ الطنطورة. وجرى حفر القبر خصيصا لهذا الهدف، والدفن فيه استمر لفترة طويلة، في شهر أيار/مايو العام 1948.
واستعرض الفيلم الوثائقي عملا نفذه خبراء، قارنوا بين صور التقطت من الجو للقرية قبل وبعد احتلالها. وبالإمكان من خلال مقارنة الصور وتصوير ثلاثي الأبعاد، نُفذ بمساعدة أدوات متطورة، تحديد الموقع الدقيق للقبر الجماعي وكذلك حجمه. ويبلغ طوله 35 مترا وعرضه أربعة أمتار. وقال كاتس إنه "سعوا إلى إخفاء ذلك، بشكل يسمح بسير الأجيال القادمة هناك من دون أن يعلموا على ماذا يدوسون".
وقال أحد الشهود في الفيلم الوثائقي، ويدعى موشيه ديامانت، الذي كان جنديا في لواء ألكسندروني، "أسكتوا هذا الأمر. يحظر الحديث عن ذلك، فهذا قد تكون فضيحة كاملة. لا أريد الحديث عن ذلك، لكن هذا حدث".
والشهود من لواء ألكسندروني الذين يتحدثون في الفيلم الوثائقي أصبحوا اليوم في التسعين من عمرهم أو أكثر، ويعترفون بارتكاب مجزرة الطنطورة. وكان الجيش الإسرائيلي قد ذكر في حينه أن عدد الضحايا الفلسطينيين 20 قتيلا. لكن الشهادات التي تجمعت على مر السنين تتحدث عن أن عددهم يصل إلى أكثر من 200 قتيل.
ويعترف ديامانت بأنه جرى قتل سكان القرية بإطلاق النار عليهم في نهاية المعركة بواسطة مدفع رشاش، من جانب "وحوش بشرية". وأضاف أنه عندما قُدمت الدعوى ضد كاتس، زعم جنود ألكسندروني أنه لم يحدث شيئا غير عادي بعد احتلال القرية. "قالوا ’لم نعلم، ولم نسمع’. (لكن) بالتأكيد جميعهم علموا. جميعهم علموا".
وأفاد الجندي حاييم ليفين بأن أحد الجنود توجه إلى مجموعة من 15 – 20 أسيرا "وقتلهم جميعا". وعندما سأل عن سبب قتلهم، أجابه جنود بأنه "ليس لديك فكرة كم قتلوا".
وتحدث ميخا فيتكين، وهو جندي في اللواء، عن ضابط "أصبح مسؤولا كبيرا في وزارة الجيش، وقتل عربيا تلو الآخر". وأضاف أن الضابط "كان مختلا عقليا نوعا ما، وهذا كان عارضا لاختلاله". وادعى فيتكين أن هذا الضابط ارتكب جريمته لأن الأسرى رفضوا الاعتراف بالمكان الذي خبأوا فيه الاسلحة التي بقيت في القرية.
ووصف جندي آخر مواقعة أخرى في الطنطورة: "ليس لطيفا قول ذلك. لقد أدخلوهم إلى برميل وأطلقوا النار عليهم في البرميل. وأذكر الدماء داخل البرميل". وقال جندي آخر إن "الجنود لم يتصرف كبشر في القرية".
وتحدث الجندي عميتسور كوهين عن الأشهر الأولى للحرب. "كنت قاتلا. لم آخذ أسرى". وأضاف أنه لو أوقفوا جنودا عربا رافعين أيديهم، لأطلق النار عليهم جميعا. وحول عدد العرب الذي قتلهم بعد المعركة، قال إنه "لم أعدّهم. كان بحوزتي رشاش مع 250 رصاصة. لا يمكنني أن أعدّ".
وأشار راز إلى ما كتبه الجندي يوسف بن إليعزر: "كنت أحد الجنود الذين احتلوا الطنطورة. وكنت أعلم بالقتل في القرية. وبعض الجنود نفذوا القتل بمبادرتهم الذاتية".
وظهرت في الفيلم الوثائقي القاضية المتقاعدة درورا فلفل، التي نظرت في دعوى القذف والتشهير ضد كاتس، وهي تستمع إلى تسجيل لإحدى الشهادات. بعد ذلك قالت القاضية لمخرج الفيلم الوثائقي إنه "إذا كان هذا صحيحا، فخسارة. إذا كانت قد حدثت أمورا كهذه، فإنه تعين عليه (على كاتس) أن يمضي حتى النهاية".