"القبلة السوداء" رواية الأنثى إذ تنشر قوتها الناعمة

غلاف القبلة السوداء

تمزج تغريد حبيب في روايتها "القبلة السوداء" الخيال بالواقع العربي والفلسطيني المعاصر، لتقدم سردية مليئة بالتشويق، يبرز فيها الموقف الإنساني والجمالي الذي يوجه أنظار القارئ إلى قضية المرأة ودورها الاجتماعي الرائد في بناء شخصية الإنسان، وإصلاح انحرافات السلوك البشري، من خلال ما يمكن وصفه بأنه القوة الناعمة للمرأة في محيطها الذي يبرز أثرها فيه.

وجاءت الرواية الصادرة عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن في 178 صفحة من القطع المتوسط، وتدور في مجملها حول قصة حب غريبة شائكة مليئة بالتعقيد والالتباس؛ ولا ينجو هذا الحبّ وسواه من عنفٍ يفتك بالمجتمع، وتكون ضحاياه نساءٌ رائعات عظيمات، على يد شابّ متهوّر حدّ الجريمة، وامرأة أعمتها الغيرة، وزوج بلطجي يدمي وجه زوجته ويملؤه ندوبًا.

وقد أُنيط هذا الدور برسّامة مرهفة الحسّ، عطوف، تمثل امرأة الحلم لكلّ مَن عرفها؛ وقد أخذت في هذه الرواية دور "المايسترو" وسط حضور الشخصيات الأخرى، إذ يتعرّف القارئ من خلالها على شخصية أنثوية استثنائية، تتحرك في محيطٍ اجتماعيّ زاخر بالعوائق والتّحدّيات، لكنّ حلمها لم ينكسر، بل تابعت طريقها، وحقّقت ما تصبو إليه بسلاح الإرادة وروح المسامحة وريشة الفنّ، وكأنّ لسان حالها يقول: «أشهِرْ عليّ سكِّينَك ومسدّسَك أُشهِرْ عليك ريشتي وأوتار معزفي».

وتبرز ثيمة الصراع في مفاصل الرواية جميعها ما يجعلها على درجة عالية من التشويق، بدءا من الجائحة التي تركت آثارها على الناس جميعا، مرورا بدور الفن والمراسم واللوحات والألوان والريشة وعدسة التصوير وأصابع البيانو في مواجهةٍ العنف الذي يمثله المسدس والخنجر والسّكين، وصولا إلى صمود المرأة أمام العسف الذكوري الذي ينتهك روحها وجسدها.

وجاءت لغة الرواية سلسة وقادرة على إيصال أفكارها بمنتهى اليسر إلى القارئ، ونجحت في نقل حكايات الأجداد، وتصوير شخوصهم تصويرا واقعيا بملابسهم وكلماتهم وقسمات وجوههم. وكان للمكان حضوره الواضح وتفاصيله الدقيقة، وتنوعاته التي امتدت من البيت إلى الشارع والمرسم والسجن والمطار، وسائر الفضاءات التي تحركت في ما بينها الشخوص.

تسرد إحدى الشخصيات ذكرياتها جامعة بين روح المكان وتفاصيل الحياة الشعبية التي تعود إلى زمن الآباء والأجداد، فتقول: "كنت في الخامسة من عمري، حين طلب منّي والدي أن أجلس على لوح لدراسة القمح، كنّا نسمّيه النّورج، وكان القيظ في البيدر شديدًا، واللّوح يستعر ويُشعل جسدي الصّغير، بكيت وقلت: لن أجلس بعد الآن على النّورج، أخذني والدي، احتضنني وقال: إن بقيت على الّلوح سأشتري لك هريسة. احتملت حَرّ ساعات النّهار وأنا أحلم بالهريسة، يا ترى ما هو شكلها، وما هو طعمها؟ قال أبي: إنها حلوة لذيذة. أخذ معه كيسًا صغيرًا من القمح ملء كفّين. رأيت رجلًا يجلس على قارعة الطريق، اقترب منه والدي وأعطاه كيس القمح، فأدخل الرّجل يده في جيب معطفه الدّاخليّة العميقة، وأخرج شيئًا ملفوفًا بقصاصة صحيفة قد تحمل أخبارًا مُرّة رغم حلاوة الهريسة التي تلامسها، وناولها لأبي. لأوّل مرّة أتذوّق الهريسة، وحتّى اليوم لا أقاومها، أينما تحضر أحضر معها".

ومن الجدير ذكره أن تغريد حبيب كاتبة وشاعرة وفنانة تشكيلية فلسطينية، وُلدت في قرية دير حنا في عام 1972، درَست الفنَّ التشكيلي في كليتَيّ سخنين وأورنيم، صدر لها كتاب في القصص والخواطر بعنوان "كأساً شربتُ" (2010)، ورواية بعنوان "هل الحب خطيئة؟" (2012)، ومجموعة قصصية بعنوان "عذرية بخمس قطع نقدية" (2017)، بالإضافة إلى قصتين للأطفال. تعمل مدرّسة للفنون، وهي عضو الاتحاد العام للكتّاب الفلسطينين الكرمل 48، وعضو في الهيئة الإدارية لجمعية "إبداع" (رابطة الفنانين التشكيليين العرب)، وعضو في منتدى الكلمة.

غلاف القبلة السوداء


 

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - عمّان