- •د. سلامه أبو زعيتر
مع زيادة عدد تصاريح التجار الممنوحة عبر الغرفة التجارية من خلال وزارة الشئون المدنية، وإمكانية أن يتقدم لها عمال بعد فتح سجل تجاري شكلي، واتساع الظاهرة بعد الإعلان عن فتح باب التسجيل أمام العمال، وارتفاع حجم التفاعل والاستجابة والضغط الذي شكّله عشرات الآلاف من العمال على الغرف التجارية للتسجيل ووضع ملف بيانات، ظهر كاستفتاء عمالي يعبر عن حلم العمال وتطلعاتهم للحصول على فرصة عمل في داخل الخط الأخضر، بعد سنوات طويلة من الانقطاع والحرمان من فرص العمل وارتفاع معدلات البطالة في قطاع غزة لأكثر من 50% في صفوف القادرين على العمل، وخاصةً الشباب حيث تزيد نسبتها عن 65%، وتبدد الحلم أمام التحديات التي ظهرت ارتباطاً بمحدودية أعداد التصاريح قياساً مع حجم المتقدمين من العمال بالإضافة لغياب الحماية الاجتماعية والقانونية للعمال الذين حصلوا على تصريح تجاري (للعمل)، وبغض النظر هل هو حلم وأمل ام أنه قشة يتعلق بها غريق في ظلمة البطالة والفقر!، ومع تفاعل القضية والتحذيرات التي أطلقتها قيادات الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين حول خطورة العمل عبر تصاريح التجارة باعتبارها تصاريح تخص التجار، واستخدامها للعمل يحول طبيعة علاقة العمل لعلاقة سوق سوداء لا يترتب عليها أي حقوق غير الأجر، وهو ما يشكل مخاطرة على العمال في حال تعرضهم لإصابة عمل أو عمليات نصب من المشغلين لغياب الرقابة، وقد سُجِلت العديد من الحالات وخاصة لعمال قد أصيبوا في العمل ومنهم من قضى شهيداً للقمة العيش، ولم يحصل على أي تعويضات وتكاليف إسعافهم ما زالت ديون على عائلاتهم.
إثارة القضية نقابياً ووضعها في سياق المسئوليات والتنويه بأن العمال ليسوا تجاراً، وأن التصاريح تكلفتها عالية ما بين فتح سجل تجاري، ومخاطر في العمل بسبب طبيعة التصريح، تم تحويل نوع التصريح لحاجات اقتصادية وهو ما يأتي في إطار تبرير الإجراءات بأنها للتخفيف الاقتصادي من منظور حكومة الاحتلال وبتقديرنا ما هي إلا محاولة للالتفاف على حقوق العمال، واستمرار في التشغيل بطريقة تحايليه وسوداء، فالجميع يدرك أن حصول العمال على التصاريح بأيّ مسمى كان (تجارية أو حاجات اقتصادية) تعني منح فرصة العمل في داخل أراضي 1948، ويجب أن يكون عنوانها الحقيقي تصاريح عمل منظمة تمنح الأمن الوظيفي والاستقرار وليس الخوف والقلق، فالكثير من العمال قلقون على التصريح وفرصة العمل، فمنهم من يتوجه للعمل والمبيت في الداخل لتحصيل أكبر عدد من أيام العمل خوفاً من فقدان التصريح، أو حدوث مستجدات ومتغيرات ومفاجآت قد تهدد فرصته بالاستمرار بالعمل، وهذا ما دفع قيادات الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين ووزارة الشئون المدنية لتبني رؤية للضغط على الجانب الإسرائيلي لتنظيم العمال بشكل نظامي وقانوني يحفظ حقوقهم، وخاصة بعد ما تم رصده وحصره من مخاطر وإصابات عمل تعرض لها العمال في العمل ومنهم من فقد حياته، الأمر الذي يدعو للتدخل ومعالجة تلك التداعيات والمساعدة في تخطي هذه الآثار مع زيادة الشكاوى.
العمل حق لكل إنسان قادر عليه خصوصاً في ظل ما يمر به العمال في محافظات غزة من فقر وبطالة وحصار وحرمان من فرص العمل في داخل الخط الأخضر منذ عام 2007، مما ترتب عليه ظروف اقتصادية صعبة، وعجز في المقدرة على توفير متطلبات الحياة الأسرية والاحتياجات المعيشية، الأمر الذي يجعل أي فرصة عمل حلم يسعى إليه كل عامل وعاملة لما يحقق لهم من كرامة إنسانية بالأكل من عرق الجبين.
يُشَكِل حلم العمال بالحصول على فرصة عمل، وتطلعاتهم لفتح أسواق عمل جديدة لهم في ظلّ عجز سوق العمل المحلي في محافظات غزة على استيعاب الأعداد الكبيرة من العاملات والعمال والخريجين الجدد هو الأمل الذي يعيش من أجله الشباب والخريجين وهذا ما يستدعي لوقفة جادة من قبل الجميع وخاصة الشركاء الاجتماعيين (حكومة وممثلين العمال، وأصحاب العمل)، لإيجاد السبل والتعاون في تنظيم الفرصة واستحداث فرص عمل جديدة في أسواق العمل المتاحة، وخاصة داخل الخط الأخضر أو في محافظات الضفة الغربية والتي يتوفر فيها فائض في فرص عمل، حيث تشير الإحصائيات لوجود عجز في العمالة لبعض القطاعات التشغيلية كالإنشاءات والصناعات والسياحة والزراعية والخدماتية ...الخ
وهي بحاجة لعشرات الآلاف من العمال، لذا يجب أن يكون هناك خارطة طريق لتشغيل العمال من محافظات غزة في الإمكانيات المتاحة، وضمن معايير تحافظ لهم على حقوقهم وتشكل آليات للاستمرار بالعمل ومنها التالي:
- على صعيد التشغيل داخل الخط الأخضر يجب العمل بكل الطرق القانونية والنقابية، والاستعانة بمنظمة العمل الدولية للضغط على حكومة الاحتلال لتنظيم آليات تشغيل العمال وفق المعايير الدولية وبتصاريح عمل عبر الجهات المختصة وتحويل نوع التصاريح الخاصة بالعمال لتصاريح عمل منظمة.
- بحث إمكانية تشغيل عمال من محافظات غزة في داخل محافظات الضفة لتغطية العجز في قطاعات العمل التي بحاجة للعمالة، ضمن آليات وشروط للتشغيل يتم الاتفاق عليها، وفق القانون والسياسات الوطنية للتشغيل.
- تطوير برامج التدريب المهني وفق احتياجات أسواق العمل المتاحة والمستجدات على المهن والقطاعات التشغيلية، أي تطوير وتمهير العمال وتعزيز القيمة التنافسية لهم.
- إنشاء قاعدة بيانات العمال وتحديثها بشكل دوري لتصنيف العمال، ومهاراتهم وقدراتهم المهنية، لتحليل البيانات والوقوف على التخصصات المتوفرة ومدى مواءمتها لحاجة سوق العمل لتطوير الخطة التشغيلية. وربطها باحتياجات الأسواق الوطنية والإسلامية وحتى الدولية.
أخيراً تعتبر قضية التشغيل للعمال واستحداث فرص عمل جديدة أصبحت أولوية اجتماعية واقتصادية لا تقل عن أيّ أولوية نضالية ووطنية؛ لما تشكل من مطلب يحفظ كرامة الإنسان بالحصول على حقّ من أهم حقوقه الاقتصادية والاجتماعية، وهو الحقّ بالعمل لما ينمي من قيم الانتماء ويعزز الصمود، لذا يجب أن تصبح التوجهات والتدخلات الوطنية والرسمية والنقابية هو تبني قضايا العمل والعمال بتنوعها لما تشكل من حاجة وأولوية اقتصادية واجتماعية، ومصدر للتنمية والنمو الاقتصادي، فاليوم العمال يشكلون عصب الدخل القومي وهو ما تؤكده الدراسات والإحصائيات الأخيرة، والواجب تقديم التسهيلات والحماية لهم في العمل وتشكيل موقف وطني والاستعانة بالمنظمات الدولية لتحصينهم بالعمل.
• عضو الأمانة العامة في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت