- د. طلال الشريف
نحن أم إنقسام كبير بين تكتلين يكرس إنقساما إداريا وجغرافيا أكبر من ذي قبل.
إن أسوأ الإفرازات المبكرة لهذه المرحلة والمحددة بمعركة اجتماع المجلس المركزي في 6/2/2022 أنه بعد هذه المعركة سيحدث إنقسام غير مرتجع على المدى القصير والمتوسط على الأقل، وستكون رحلة تيه فلسطينية جديدة لا أحد يعرف مآلاتها السياسية وأين ستأخذ الفلسطينيين.
نقطة ضعف حماس وتكتلها وهي التي تقود المعارضة وتتفرد بالحكم والإدارة في ومن غزة أنها ترفع شعار المقاومة وتعمل على امتلاك الحكم بحجة تأمين المقاومة في غزة والضفة وترفض أوسلو وتتحرق على الدخول في الانتخابات حين صدر مرسوم من الرئيس عباس في العام الماضي بعد مفاوضات تركيا وتنتقد بشدة وتكتلها إلغاء تلك الانتخابات والتي تقر بشكل واضح مواصلة العمل باتفاق أوسلو وتحت سقف قانون الانتخابات الذي أفرزه أيضا اتفاق أوسلو، أي أن موقف حماس والمعارضة له علاقة من قريب أو بعيد بالأمل في إمتلاك السلطة والقرار وهذا يؤكد سعيها للسلطة ومنظمة التحرير ولا عيب في ذلك فمن حق كل الأحزاب السعي لامتلاك السلطة، ولا عيب في ذلك فالحزب الذي لا يسعى لامتلاك السلطة في العمل السياسي يصبح حزبا هامشيا .. هذا بشكل عام.. وثبت بعد 15 عاما من الإنقسام أن المقاومة لا تتناسب مع السعي للسلطة تحت الإحتلال وأن أحدهما يفسد عمل الأخرى.
أما على أرض الواقع وبعد غياب الوحدة وعدم الوصول لمصالحة وطنية لاستعادة وحدة النظام السياسي وبعد تعمق الخلاف الذي سيضعف آخر مؤسسة تمثيلية للشعب الفلسطيني وهو المجلس الوطني الذي سيجري مجلسه الوسيط المنبثق عنه وهو المجلس المركزي وسيفاقم الإنقسام الأول ويضيف له انقسامات فرعية ولأن لا حلول أيضا لتأجيل انعقاد المجلس المركزي ولا حلول للمصالحة فسيبقى الإنقسام سيد الموقف وبشكل أوسع وأعمق.
نحن من الآن فصاعدا سنكون أمام كارثة فصائلية جديدة تزيد الطين بلة خاصة وأن هناك استحالة امكانية اشتقاق طريق ثالث مؤثر ليس مع المعارضة وليس مع الحاضرين لاجتماع المجلس المركزي نصبح فعليا أمام إنقسام أكبر وتصنيف جديد أكثر حدة في الخلاف بين مركز تحالف غزة ومركز تحالف رام الله، الأول يحمل شعار وممارسة المقاومة المسلحة كأداة للتحرير وعينه على السلطة والقرار والثاني متمسك ببرنامج المنظمة والرئيس للحلول السلمية والمفاوضات كأداة للتحرر وعينه أيضا على السلطة والقرار وكليهما يعمل على شطب الآخر.
بات الفلسطينيون في تكتلين كل له استراتيجية خاصة للتحرر وادارة على الأرض الواقف عليها ويحكمها ويدير شؤون السكان فيها، وسيجبر كل تحالف أن يدير مقاومته أو مفاوضات سلامه كما يرى ذلك وهذا الإنقسام الكبير سيكون طويل الأمد وسيتبعه حملات ومناوشات واعتقالات وقمع متبادل أكبر حجما من ذي قبل وستحدث عمليات تطفيش أو طرد من لا يتلائم مع كل حكم لأرض الآخر في المدى القريب والمتوسط القادم، وسيصبح لكل كيان استقلالية إدارية وجغرافية منفصلة، أي، مأسسة فعلية للإنقسام الكبير الجديد، وسيكون لذلك استحقاقات أو مضاعفات انقسامية إجبارية بالمعنى الدقيق على الوجه التالي:
1- سيصبح كيانان منفصلين ، كيان في الضفة وكيان في غزة.
2- ستؤول المسؤولية المالية والموازنات والمساعدات والخدمات لمسؤولية حاكم كل كيان.
3- ستفقد قوى المعارضة المنضوية سابقا تحت مظلة منظمة التحرير امتيازاتها المالية والوظيفية ودورها في التأثير في سياسات المنظمة.
4- قد يجبر تحالف المعارضة في غزة على تكوين جبهة أو مؤسسة تمثيلية خاصة بالمعارضين تشبه مؤسسة منظمة التحرير والمجلس الوطني في رام الله.
5- سيحرم تحالف المعارضة في غزة من المطالبة والمشاركة بمواقع الحكم ومؤسساته وخدماته في الضفة الغربية ونفس الوضع سينطبق على الضفة ستحرم من المشاركة في مؤسسات غزة سياسية أو خدماتية.
6- يصبح هناك حرية للكيانين أن يمارسا برامجهما وأدواتهما النضالية كما يريدان من داخل نفوذهما وادارة شأن السكان في الكيانين.
7 - الأخطر إذا توقف تكتل رام الله عن تحمل المسؤولية عن تقديم المال من الموازنة المتعلقة بالخدمات و ملحقاتها في الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية ورواتب موظفيها في قطاع غزة أي إخلاء مسؤولياتها كاملة عن القطاع.
8- بالنتيجة ستغيب الوحدة بين الكيانين في غزة والضفة لزمن قادم قد يطول أو يقصر لحين النضج السياسي ورغبتهما بالإتحاد والتنازل لبعضهما البعض ليعود حينها الفلسطينيون للوحدة من جديد وتكون القضية في خبر كان.
هذا الذي سيحدث يقترب كثيرا من حل قدمه في مركز دراسات اسرائيلية سابقة في نهاية ثمانينات القرن الماضي لمن يتذكر وقبل نشوء السلطة من قبل السفير الأميريكي في اسرائيل في حينه (كيانين متفصلين في غزة والصفة)، وها هم الفلسطينيون ينفذونه بأنفسهم لكن ومن سخرية الجهل يأتي الانقسام هذه المرة على شكل ملهاة بعد مأساة الانقسام الأول، وبحيثيات أسوأ مما كان مطروحا من أمريكا واسرائيل في تلك الدراسة .. بئساً لسياسيي الوطن السليب من الاحتلال والمختطف من أحزابه ومن جهلنا.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت