- بقلم / رامي الغف*
تواجه الكينونة الفلسطينية مجموعة من التحديات والصعوبات، التي ستحدد إلى حد بعيد طبيعة المستقبل السياسي للدولة الفلسطينية في طورها المعاصر. فإذا تمكن الشعب الفلسطيني وفصائله وأحزابه وقواه الوطنية والإسلامية والسياسية وقيادته التي تدير دفة الأمور في الوطن الفلسطيني، من مواجهة هذه التحديات بفعالية مستديمة، فإنهم سيتمكون من إنهاء خطر هذه التحديات وبناء مستقبل سياسي مختلف عن الأوضاع الراهنة التي عاشوها سابقا. أما إذا لم يحسنوا من بلورة صيغ وأطر التعامل مع هذه التحديات، فإن الوطن الفلسطيني سينتقل من أزمة إلى أخرى أكثر خطورة وصعوبة على راهن الدولة الفلسطينية وقضيتها ومستقبلها.
يعرف الجميع بأن ثمة مفترق طرق يواجهه المشروع الوطني والقضية الفلسطينية في المرحلة الراهنة يدفع بها، إما إلى إحداث اختراق في تحقيق الثوابت والحقوق الفلسطينية، وإما أن يدخلها في دائرة التوتر والصراع والذي قد يفجر إلى انتفاضة فلسطينية ثالثة تكون أكثر حدة من الانتفاضتين السابقتين والتي بدت نذرها تلوح في الأفق، وهو ما قد يدفع بالقيادة الفلسطينية وعلى راسها الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى محاولة وضع حد للالتزام الفلسطيني بالاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي، وهو ما تجلى في خطابه الأخير أمام الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة، والذي أكد فيه أن الشعب الفلسطيني لا يمكنهم الاستمرار بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل ما دامت مصرة على عدم الالتزام بها وترفض وقف الاستيطان والإفراج عن الأسرى ومطالبها بالوقت نفسه بأن تتحمل مسؤولياتها كافة كسلطة احتلال لأنّ الوضع القائم لا يمكن استمراره. إن القضية الفلسطينية ومشروعها الوطني اليوم في خطر حقيقي وفعلي ووجودي. ومواجهة هذا الخطر تتطلب تحديد المسؤوليات، ليس من باب تقاذف التهم، ولا تبرئة الذات، بل من باب تحديد متطلبات المواجهة، وفي مقدمتها:
أولاً: إعلان موت إتفاق أوسلو ودفن كل مفاعيله على ارض الواقع، والذي سبق لقادة العدو الصهيوني ان اعلنوا موته، وهم يعملون على تأكيد سيادتهم على الضفة المحتلة وتهويد المدينة المقدسه.
ثانياً: وقف كافه أشكال الإتصال والتنسيق، وبخاصة الأمني منها مع الكيان الصهيوني.
ثالثاً: دعوة الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية لعقد جلسات مفتوحة تستهدف إعادة إصلاح وبناء م. ت. ف. ومؤسساتها، كمطلق اساسي لمواجهة التحديات والمخاطر التي تحيق بالقضية الفلسطينية، وتستهدف تحقيق التالي.
أ – وضع استراتيجية وطنية فلسطينية واضحة وموحدة بوصلتها ثابتة باتجاه فلسطين، تقوم على قاعدة استمرار المقاومة بكل اشكالها، لتحرير الأرض واستعادة الحقوق.
ب – العمل بشكل جاد لاعادة انتاج مؤسسات جديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية على اسس ديمقراطية تنهي حالة الانقسام والتشرذم القائمة في الساحة الفلسطينية.
ت – إنتخاب مجلس مركزي ووطني فلسطيني جديد، تشارك فيه كافة تجمعات وشرائح الشعب الفلسطيني في كل مكان داخل فلسطين وخارجها، بدون أي استثناء.
ث – انتخاب لجنة تنفيذية جديدة كقيادة يومية موحده للعمل الفلسطيني الموحد.
رابعا: وضع رؤية وإستراتيجية وطنية وسياسية كفاحية واضحة لإشراك اللاجئين الفلسطينيين في المعركة ضد الإحتلال، لتحرير أرضهم، وحماية مقدساتهم، وتحقيق عودتهم. إذ لم يعد مقبولاً تكديس ما يزيد على خمسة ملايين لاجىء في مخيمات الانتظار رهائن لمخططات مشبوهة تستهدف تدمير المخيمات، أو طعماً لاسماك البحار.
خامساً: إعادة الاعتبار لقضية فلسطين، كقضية مركزية، ودعوة كل الدول العربية والإسلامية والأشقاء والأصدقاء وخاصة روسيا والصين واليابان وفرنسا والمانيا وتركيا، وكل التجمعات والأحزاب والحركات والأحرار في العالم لتوحيد جهودها وجهادها نحو القدس.
إن إعادة ترتيب القوى الفلسطينية أوراقها وأوضاعها من شأنه أن يعيد الإعتبار للقضية الفلسطينية، ويعيد فرضها كأولوية مطلقة على كل ملفات المنطقة، بعدما ظن كثيرون أن قضية فلسطين قد أنهيت عقب الإنحياز الأمريكي الكامل للكيان الصهيوني.
اليوم ورغم كل الغموض الذي يكتنف مصير المنطقة في ظل المتغيرات الكبيرة الحاصلة، فإن الشعب الفلسطيني وقواه وفصائلة لا يزالون في موقع يمكنه من إعادة فرض قضيتهم على رأس الاهتمامات فيما لو أحسنت القوى الفلسطينية وضع استراتيجيتها، واستعاد الشعب الفلسطيني دوره في ميدان الصراع مع المشروع الاستعماري الصهيوني.
ولاشك أن هذا الموقف يعكس اتساع نطاق اليأس لدى القيادة الفلسطينية وبالذات للرئيس أبو مازن، الذي ظل على مدى سنوات توليه رئاسة السلطة الوطنية، مدافعا عن خيار التفاوض مع إسرائيل، ورافضا بشدة لعسكرة الأعمال الاحتجاجية ضد ممارساتها وانتهاكاتها، وكثيرا ما ندد علنا بعمليات مقاومة ضد جنودها ومستوطنيها ومؤسساتها، وما زال على الرغم مما تقوم به سلطات الاحتلال من أعمال قتل واعتقال عشوائي للشباب الفلسطيني، يدعو إلى ضبط النفس، ووتفويت الفرصة على المخططات الإسرائيلية الهادفة إلى التصعيد وإعادة الوضع في الأراضي المحتلة إلى مربع العنف.
وبغض النظر عن كل تلك العوامل والأسباب التي دفعت الرئيس عباس لتبني هذا التوجه، فإنه يعتبر من الناحية السياسية نهاية فعلية لمرحلة أوسلو، وبداية لمرحلة جديدة من عمر النضال الوطني الفلسطيني، الأمر الذي سوف يترك تداعيات وانعكاسات على النظام السياسي الفلسطيني بشكل عام، وعلى مستقبل السلطة الوطنية الفلسطينية بشكل خاص، إن تحول إلى خطوات فعلية على الأرض، مما يفتح الباب أمام مجموعة من البدائل أمام القيادة الفلسطينية.
أولها: قيام منظمة التحرير الفلسطينية باتخاذ إجراءات أكثر تصعيداً في العلاقة مع إسرائيل، خصوصاً في ظل تصاعد الإجراءات الإسرائيلية في القدس وذلك من خلال إعلانها حل السلطة الوطنية الفلسطينية، ودمج مؤسساتها الإدارية والأمنية في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وإلغاء مجلس الوزراء وتحويل كافة صلاحياتها للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.
ثانيا: العودة السريعة لمظاهر الانتفاضة او المقاومة والذي سيبرز لدور بارز للأجنحة العسكرية في القوى والفصائل الفلسطينية، مما يعني عودة المواجهة مع جيش الإحتلال الإسرائيلي وخاصة فيقطاع غزة والضفة الغربية.
ثالثا: انتظار القيادة الفلسطينية لبعض الوقت قبل اتخاذ أي إجراء جديد، بهدف إعطاء الجهود الدولية والعربية فرصة أخيرة للتحرك والخروج من أزمة تجميد عملية السلام وانسداد الأفق السياسي، خصوصاً في ظل التحرك الصيني والروسي والفرنسي الأخير في الأمم المتحدة، والحديث عن طرح الصين وفرنسا مبادرات سياسية ترتكز عوده الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي الى طاولة المفاوضات والإعلان عن حل الدولتين.
رابعا: التوجه الفلسطيني للتقدم بمشروع قرار لإرسال قوات دولية للقدس وللأراضي المحتلة، للمساعدة في وقف الاعتداءات الإسرائيلية – وفق ما كشف عنه مؤخرا السفير رياض منصور المندوب الفلسطيني الدائم لدى الأمم المتحدة – ولو نجح هذا التحرك دون أن يتم استخدام الفيتو الأمريكي، فإنه يمكن أن يمثل تطورا نوعيا قد يدفع الأمور باتجاه التهدئة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، تمهيدا لبلورة ملامح تحرك جاد نحو استئناف مفاوضات السلام.
خامسا: هناك دوائر قيادية فلسطينية ترى ضرورة الاستغناء عن آلية التفاوض المباشر واللجوء إلى صيغة المؤتمر الدولي للسلام بمشاركة الدول الخمس الكبرى الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن أو تبني صيغة قريبة من صيغة 5+1 التي نجحت في إنهاء أزمة الملف النووي الإيراني من خلال اتفاق فيينا في يوليو الماضي.
إن التحديات الكبرى التي تواجه القضية الفلسطينية ووحدة فلسطين واستقرارها الامني والإقتصادي والجغرافي والسياسي العميق، لا يمكن مواجهتها والتغلب عليها، بدون توحيد الجهود وتحقيق الوحده الوطنية وترتيب البيت الداخلي الفلسطيني اضافه لإصلاح العملية السياسية في الوطن الفلسطيني، وهذا الإصلاح الذي يتجلى في تطوير نظام الشراكة ومنظومة المراقبة والمحاسبة في الوطن الفلسطيني.
آخر الكلام: إن دولة فلسطين بأسرها تعيش لحظة حساسة، ولا يمكن إنهاء مفاعيل هذه اللحظة إلا بتطوير نظام الشراكة بين مكونات وتعبيرات الشعب الفلسطيني.
*إعلامي وباحث سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت