- جهاد حرب
يشبه ابن خلدون حياة الدولة بالإنسان لفهم طبيعة الدولة/العمران في المنطقة؛ فتمر في مرحلة التكوين والحداثة التي ترتكز على قوة العصبية (القبيلة أو القومية "الوطنية"...الخ) والشراكة في البناء أي على القاسم المشترك القائم على الولاء يكون محفوظا فيهم، فيما مرحلة الشباب "أي الجيل الثاني" عصر القوة والملك ينتقل من الاشتراك في المجد إلى انفراد الواحد به، أما في الجيل الثالث وهي مرحلة الشيخوخة وهي مرحلة الاستغناء عن العقيدة المؤسسة للدولة "العصبية" فإن الحاكم يستظهر بالموالي على أهل النجدة "المواطنين دافعي الضرائب بالمفهوم الحديث" ما يفضي إلى الظلم المؤذن بخراب العمران الاجتماعي أي انفراط عقد أركان الدولة ومؤسساتها أو ما ينطلق عليه التحلل الذاتي.
فيما الدولة الحديثة "المدنية المنشودة"؛ دولة القانون والمؤسسات والعدالة الاجتماعية التي تقوم على ثلاث ركائز أساسية تتمثل بسيادة القانون وإجراء الانتخابات وإعمال مبدأ فصل السلطات. أي أن الحالة الطبيعية للدولة ذات النظام الديمقراطي يسود فيها القانون وينفذ على الجميع، وتصان فيها الحقوق المدنية والحريات، وتتيح تكافؤ الفرص أمام الجميع للوصول للحكم، وتجرى فيها الانتخابات بحرية ونزاهة وبشكل دوري وتتيح الفرصة أمام المواطنين لاختيار ممثليهم في مؤسسات الحكم. وتفعل مبدأ فصل السلطات المتوازن القائم على توزيع السلطة وعلى الرقابة المتبادلة بوجود مؤسسات قوية "فعالة" ومساءلة تمنع حصول أيا منها على سلطة مطلقة في عملها لوحدها؛ وتُبقي على حاجتها إلى مصادقة أو مراجعة من سلطة أخرى لمنع الاستبداد والتعسف في استخدام السلطة الممنوحة لها أو التعدي على اختصاصات أي من السلطات الأخرى.
أما دولة الاستبداد والنظام الشمولي المنافي للدولة المدنية المنشودة فهي تتمثل بانتفاء واحد أو أكثر من ركائزها أو اختلال العلاقة بينها، كضعف سيادة القانون ووجود التمييز بين المواطنين وغياب تكافؤ الفرص للمواطنين في الوصول للحكم، أو توقف العملية الانتخابية أو عدم احترام القواعد الناظمة لنزاهتها، واحتكار السلطة التنفيذية للحكم والهيمنة على السلطتين التشريعية والقضائية واقصائهما، وضعف شفافية عمل مؤسسات الحكم الرئيسية سواء في آليات اتخاذ القرار لإدارة الموارد العامة أو اتاحة المعلومات للمواطنين، وغلق الفضاءات التشاركية أمام المواطنين، وعدم احترام قيم وثيقة الاستقلال وأحكام الدستور ما يتيح المجال استشراء الفساد المفضي إلى انخفاض ثقة المواطنين بالدولة ومؤسساتها والمؤذن بالانفجار.
وكلاهما التحلل الذاتي أو الانفجار يهدمان أركان الدولة بمفهومها الحديث أو بالمفهوم الخلدوني للعمران الاجتماعي؛ فلا شرعية الغلبة ولا الاستئثار واحتكار الحكم مقبولتين بل تضيفان إلى الجمر لهيبا تحت الرماد أو وحرارة تحت المِرْجَلُ، وفقط الانتخابات العامة الحرة والنزيهة والدورية هي الشرعية المقبولة لدى المواطنين دافعي الضرائب والتي بإمكانها إجراء التعديل الذاتي المفضي إلى وقف السقوط المتسارع نحو الانهيار وإلى إعادة بناء الشرعية للنظام السياسي، وإلى استعادة ثقة المواطنين، وإلى تحسين أداء أركان الدولة ومؤسساتها.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت