- كتب/ رامي الغف
لا احد ينكر بان الوضع الحالي في الوطن الفلسطيني، هو وضع صعب جدا، يتطلب لتخطيه تظافر جميع الجهود وجهود الجميع من اجل اخراجه من آثار سنوات القهر الى الوقوف على أعتاب المستقبل الزاهر، ولا شك بان الجميع يبني الكثير من الآمال على الحكومة الحالية، التي يفترض أن تكون حكومة بناء واعمار وأمن وإستقرار وتنمية، لا سيما وان الحكومة الحالية قد انبثقت من إرادة الكل الوطني، وجاءت ضمن تفاهمات للخروج من الأزمات الموجوده، علاوه على إنها تمثل جميع الأطراف الوطنية لتخطي المرحلة الصعبة.
بعد تشكيل الحكومة الحالية برئاسة الدكتور محمد إشتية والتي جاءت بعد مخاض عسير للعمل على إختفاء جميع مظاهر المواقف السلبية في الوطن، حيث ابتهجت يومها الجماهير الفلسطينية لتشكيل هذه الحكومة، متمنيين أن لا تكون هذه التهاني مجرد لقلقة لسان وإنما يجب أن تتحول الى خطوات عملية للمساعدة في تعجيل الخطى نحو المستقبل، عن طريق التعاون في شتى المجالات اقلها المساعدة في إنهاء الإنقسام الموجود والإسراع ومد اليد نحو الجماهير وخاصة في قطاع غزة لمساعدته في الخروج من مرحلة الألم الى مرحلة الأمل والبذل والعمل.
على الحكومة إدراك أهمية المرحلة القادمة وضرورة الوفاء باستحقاقاتها وإدراك حقيقة استثنائية الظرف وحجم التحديات، وبالتالي وجوب العمل بوتيرة عالية وبجهود غير عادية وووفق آليات حديثة وإستراتيجية جديدة وبرامج عصرية وخطط علمية واضحة تتخطى الأنماط الإدارية القديمة وكافة أشكال السلوكيات السلبية والتجاوزات الخاطئة التي أضرت في السابق بمسارات البناء الوطني وضاعفت من خطورة الاختلالات وحجم التحديات وأعباء المؤسسات الحكومية المتراكمة، وزادت من معاناة المواطن الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة وجماهيرها المثقلة كاهلها بمشقات مصاعب توفير أسباب العيش الكريم، والمجهد إلى حد الألم والإحباط بآثار حمى الإنقسام وما تلاه من مصائب وهموم صابت كل بناء الوطن الفلسطيني، مرورا بالحصار والإغلاقات البحرية والبرية والمعابر والمنافذ الحدودية وإنقطاع التيار الكهربائي المستمر وتلوث البيئة والمياه الغير صالحة للشرب في مناطق كثيرة علاوه على الإرتفاع الكبير في نسبه البطاله والفقر المدقع وإرتفاع الأسعار المتسارع وتدني مستوى الخدمات الأساسية والضرورية.
وبعيدا عن كل ذلك، يمكن الإشارة إلى ما ينبغي على الحكومة أن تدركه من حقائق معاشة في مسارات تنفيذ برنامجها، والذي سيلتزم دون شك بمفردات البرنامج الحكومي الذي رفعته قبل التشكيل الحكومي، وهذه الحقائق يمكن قراءتها بسهولة في حياة البسطاء والمعدمين ومن واقع التعليم والخدمات والصحة والكهرباء والفقر والبطالة وقبل ذلك أن تستلهم في أدائها شروط وموجبات حمل ((الأمانة)) التي تبرأت منها الجبال وهي حقائق واضحة يمكن لرئيس الحكومة وأعضاء الحكومة أن يستمدوا منها عوامل القوة والإصرار على انجاز المهام المنوطة بهم وتحقيق الغايات والآمال المنشودة وان تجنبهم مزالق وعثرات الانحراف والتخبط ومسالك وعبث أرباب الانتهازيين وأصحاب الضمائر النائمة والميتة، وقبل هذا وذاك أن تدرك الحكومة إن حجر الزاوية والعامل الأساس في نجاحها وتحقيق أهداف برنامجها على الوجه المطلوب يكمن بصورة رئيسة في الأمور التالية. وهنا نقدم مجموعة افكار بشأن تلك الخطوات:
أولا: استعادة هيبة الدولة وترسيخ وتفعيل مبدأ سيادة النظام وفرض احترام القوانين واللوائح على الجميع دون تميز وتجسيد القدوة في هذا السلوك بين رئيس وأعضاء الحكومة والمقربين منهم أولا، وما لم تعقد الحكومة العزم على فرض هيبة الدولة وفرض القوانين على الكبير قبل الصغير يغدو من السذاجة الانتظار إلى أن يقتنع المستهزؤن بمشاعر المواطن الصابر بمحض إرادتهم.
ثانيا: إعلان حملة تنظيف الوطن من الفساد والفاسدين، وكما أظهرت هيئة مكافحة الفساد سابقا من عزم كبيرة ومشاركة قوية وفعالة في هذا السياق، مطلوب منهما الآن أن يقوما بحملة تنظيف شاملة من الفساد المالي والإداري وأنواع الفساد كافة. وبهذا بإمكان الحكومة اتخاذ الاجراءات القابلة للتطبيق كاعتقال الفاسدين الكبار واخضاعهم للمحاسبة لتوصل رسائل ايجابية الى الجمهور بأنها شرعت جديا بالإصلاح. كما ان المدة القليلة المتبقية للحكومة لا تمنعها من الشروع بالإصلاح والتغيير وهي بذلك ستضمن انسياق الحكومة القادمة في المسار ذاته كونها لا تستطيع التراجع امام زخم المطالب الشعبية.
ثالثا: تأكيد الاستمرار في بناء القوات الامنية الفلسطينية بشقيها قوات الامن الوطني وقوى الامن الداخلي والشرطة وتجهيزهما وتدريبها ليكونا قادرين على فرض سلطة الدولة على كامل ترابها وبذلك تشكل حامي للنظام السياسي والمشروع الوطني وقادرين على انفاذ القوانين في ظل تواجد أطراف من غير الحكومة تهدف الى تعزيز قوتها وتحقيق اهدافها التي تتعارض مع سياسية الدولة وامنها الوطني.
رابعا: تعزيز الانفتاح على دول الجوار والتأكيد على المصلحة الوطنية، وقد سارت بعض الحكومات السابقة بهذا الطريق وحصدت ثمار طيبة في التعامل مع البلدان الفاعلة اقليميا وتحتاج الحكومة الى ايصال رسائل مباشرة الى بعض البلدان بعدم سماحها لأن تكون فلسطين ساحة لتنفيذ اجندات تلك الاطراف وأنها تعمل على تعزيز الامن الوطني سياسيا وامنيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، وان اصلاح النظام ومساراته يكون هدف الحكومة الحالية والقادمة ولا تراجع عنه. وبدون استغلال هذه المرحلة وزوالها سيكون الوضع أزموي وأكثر تعقيدا وسيستمر وضع المحاصصة والفساد وحالة الفوضى وتردي الخدمات وستخيم حالة اليأس وانعدام الثقة لدى الجمهور.
أما الوصايا العشره التي نتمنى ان تحققها الحكومة الحالية أو أي حكومة قادمة فيمكن ادراجها بما يلي:
1- توزيع المواقع التنفيذية على اساس معيار الكفاءة والنزاهة والاختصاص وليس المعيار الفصائلي أو الحزبي.
2- مطالبة الحكومة بتقديم برنامج عمل على شكل خطة استراتيجية لاربع سنوات مع الاسقف الزمنية والاهداف والسياسات والقواعد والاجراءات وحجم العنصر البشري والتكاليف .
3- يجب ان تتضمن الخطة اولويات العمل حسب الحاجة الاجتماعية الحقيقية وتقديم الأمن والخدمات على غيرهما.
4- الزام الحكومة بدعم الدور الرقابي للمجلس التشريعي وعدم التنصل من مسؤولية المثول امامه او اعاقة آليات الرقابة .
5- تتعهد الحكومة بوضع مخطط مستقل لمعالجة الفساد مع وضع قواعد لتنفيذ المخطط مع الالتزام بجدول زمني .
6- تطبيق سياسة تنفيذية تعتمد زيادة صلاحيات المدن والمحافظات واعطاءها دورا تنفيذيا اوسع في الاعمار والتنمية وتوزيع حصتها من الموازنة بعدالة .
7- الاهتمام باستقلال المؤسسة الاعلامية وعدم السيطرة على شبكات الاعلام باعتبارها مؤسسات مستقلة تابعة للدولة وليس للحكومة.
8- الالتزام بالوضوح والشفافية في الاداء اليومي واطلاع الرأي العام على جميع التطورات الحاصلة في اروقة الحكومة وتمكين الاعلام من الوصول الى الحقيقة .
9- عدم احتكار الوظائف في دوائر الحكومة الاقرب لصالح الأحزاب والفصائل واشراك الجميع فيها بعدالة.
10- المضي في تحسين علاقات فلسطين الدولية وعدم التعامل مع الابتزاز الاقليمي من موقع الضعف خاصة مع عواصم اعتادت على احترام المدفعية والدبابات واحتقار الحوار والمحادثات.
إن المهمة الملقاة على عاتق الحكومة الحالية وعلى رأسها دولة رئيس الوزراء، مهمة صعبة للغاية ولكنها ليست بالمستحيلة على رجل قاد الوطن في أحلك الظروف واثبت قدرة كبيرة في الإدارة وشجاعة في المواجهة وعزما على التغيير، ولكنه بالإضافة الى استحقاقه للتهنئة يستحق من الجماهير المؤازرة الكاملة والمساعدة التامة لإعانته على إكمال المشوار الصعب وتحرير مؤسسات الوطن من آثار الماضي.
آخر الكلام: الكل يأمل من قادة الفصائل والأحزاب الوطنية والإسلامية والسياسة ان يعضوا على الجراح وهم كذلك، وإن يساهموا بشكل فاعل في انجاح مبادرة المصالحة الوطنية واخماد نار الإنقسام والفتنة التي يريد اعداء الوطن الفلسطيني ابقائها تحت الرماد.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت