- المحامي علي ابوحبله
يشكل هدم مئات البيوت الفلسطينية كل سنة إحدى أقدم السياسات التي تنتهجها سلطات الاحتلال الصهيوني منذ نشأتها. ولا يمكن للفلسطينيين أن يضمنوا في ظل هذه الظروف حقهم في السكن، إذ يبقى البيت بالنسبة لهم، منذ النكبة، رمز السلب المتجدد الذي يتعرضون إليه…
في فلسطين، يستخدم الاحتلال الإسرائيلي البيوت كعقاب لأصحابها ويقوم بهدمها من أجل ترحيلهم، أو يقوم بترحيلهم ثم هدمها، أو يهدمها ليعاقبهم على فعل مقاوم، أو يهدمها في حملات تهدف إلى التصفية الجماعية مثل الحروب على غزة، أو ضمن سياسات تهويد واسعة للمكان كما يحدث في القدس والأغوار شرقي الضفة الغربية، أو كوسيلة لتهديد الأسرى في السجون الإسرائيلية أثناء التحقيق: “إما هدم المنزل وتشريد العائلة أو تقديم اعتراف”…
وقد دمر الاحتلال الإسرائيلي منذ النكبة أكثر من 500 قرية وبلدة فلسطينية. وقدر عدد المنازل التي هدمها الكيان منذ ذلك الحين بنحو 170 ألف مسكن فلسطيني. وفي النكبة نفسها هُجر نحو مليون فلسطيني من المناطق التي احتلت في العام 1948، والذين أصبحوا الآن حول سبعة ملايين في أنحاء العالم.
حظي فيلم “المكان” للمخرج الفلسطيني الشاب عمر رمّال بملايين المشاهدات عندما نشره على منصات التواصل الاجتماعي خلال الهجمة الأخيرة على حي الشيخ جراح والقدس وما تلاها من عدوان على قطاع غزة في أيار (مايو) 2021. وتتلخص حياة الفلسطيني وتفاصيله وذكرياته جميعها، كما يظهر الفيلم الذي لا يزيد طوله على دقيقة ونصف، في بيته.
ولذلك يتحول البيت بمساحته الشخصية: المطبخ وغرفة النوم والمعيشة والحديقة، إلى ساحة صراع مع المحتل. فبينما يعيش الفلسطيني تفاصيله اليومية ويبني أحلامه، تخيم على خلفية حياته سياسات اقتلاع مرئية وغير مرئية يمارسها الاحتلال ومستوطنوه من أجل السيطرة على هذا البيت/الحياة، وطرده منه ومنها، بما يحمله هذا من تهديد على حياته، وأمنه، واقتلاع من تاريخه، وسرقة ذكرياته وطمسها، في إطار سعي دءوب إلى تغيير هوية المكان.
يروي الفيلم بشكل هادئ معنى البيت على لسان الأم، مطبخها الذي تعد فيه “أكلات بحُب لأبنائها”، والابن “غرفة المعيشة التي يلهو فيها مع أصحابه”، وللابنة غرفة نومها و”بيت الألعاب” الذي أهداه لها والداها، وللأب حديقته، وفيها “ظل الشجرة” التي ورثها عن أبيه.. لكن الفيلم ينتهي بتكريس المعنى الإحلالي للاستعمار في فلسطين، عندما يقوم مجموعة من المستوطنين بطرد الأب، بعد أن سرقوا محتويات البيت شيئا فشيئا، ثم قاموا بإلقاء صاحبه خارجه، واحتلوا مكانه. هكذا يصبح البيت هو الحيز المغلق على حياة عائلة صغيرة، وهو أيضا الوطن المستهدف مع ساكنيه جميعاً.
وفيه تمارس إسرائيل أنماطا مختلفة من العقاب الفردي والجماعي. فعبر سياساتها التي تستهدف بيوت الفلسطينيين، تتم عمليات الترحيل وتهويد الأمكنة والأحياء والمدن، وكذلك عمليات العقاب على أي فعل نضالي فلسطيني. كما كان متوقّعاً، تحوّلت عملية هدم منزل الأسير محمود جرادات، المتّهم بالمشاركة في عملية " حومش" ، إلى معركة بين الشبان الفلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي، امتدّت شراراتها إلى غيْر منطقة من الضفة الغربية المحتلة، التي لا تزال تغلي بالغضب عقب اغتيال ثلاثة من عناصر «كتائب شهداء الأقصى» في نابلس.
وفيما تواصلت عمليات إطلاق النار على حواجز الاحتلال وبؤره الاستيطانية في جنين ونابلس خصوصاً، يستعدّ الفلسطينيون لجولات مواجهة جديدة مع الاحتلال ، الذي يعتزم هدم ثلاثة بيوت أخرى عائدة إلى منفّذي هجوم "حومش" وتترافق عمليات الهدم مع مخطط اخلاء حي الشيخ جراح من سكانه وهدم المنازل إن عمليات الهدم الإسرائيلية تجري في سياق سياسة شاملة تستهدف الوجود الفلسطيني في مناطق الضفة الغربية والقدس خاصة، وتسعى لإبقاء مناطق واسعة من الضفة فارغة من السكان لضمها إلى إسرائيل لاحقا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت