- سليمان سعد أبو ستة
الدول بطبيعتها تبحث عن مصالحها، ولنفهم سلوكها لابد من فهم تلك المصالح قبل كل شيء، كان ذلك محدد التطبيع بين الاحتلال الإسرائيلي وعدد من الأنظمة العربية التي سارعت للانطراح في أحضانه.
فهو الباحث عن شرعية قبول معلن، وهي الباحثة عن رضا أمريكي، وهو الباحث عن معلومات أمنية واستخبارتية يواجه بها مخاطر المقاومة، وهي الباحثة أيضاً عن معلومات أمنية تواجه بها خطر المعارضة السياسية الذي تراه خطراً وجودياً.
وهو الباحث عن مصالح اقتصادية يعزز بها رفاهية مستوطنيه، حيث الرفاهية شرط أساسي لبقائهم على هذه الأرض، وهم -أي الأنظمة العربية- المالكون لمال كثير لا رقابة للجماهير عليه.
وهو الباحث عن سبيل يواجه به خطر إيران التي تنافسه على الهيمنة الإقليمية، وكانت استراتيجيتها في استخدام الأذرع الضاربة ناجحة في تحقيق غاياتها دون ثمن كبير، وهم الشاعرون بخطر يتهددهم وتلك الأذرع تحاوطهم من كل جانب، وليس في الإمكان أن يعودوا إلى شعوبهم ليستمدوا منها قوة، فتلك منزلة تجعل للشعوب حق في الشراكة السياسية، وربما شعور بالقوة الذاتية، وتجربة ربما تعطي معارف تصنع من الشعوب الضعيفة أخرى ذات قوة وبأس شديد، فالحل الأكثر يسراً أن نطرق باب (إسرائيل)، ربما لديها القدرة على الحماية.
كان ذلك جوهر الحال على وجه العموم، لكن العلاقة بين (إسرائيل) والبحرين فيها مزيد من التفاصيل اللافتة، ذلك أن (إسرائيل) عندما تتواجد في البحرين تعزز مواقعها لدى الغرب، والدول تزداد أهميتها بازدياد قدرتها على التأثير في مصالح الآخرين، حماية لها أو تهديداً، فأن تتواجد (إسرائيل) في قلب منطقة مازالت تمثل أهمية قصوى سواءً من جانب ثروتها النفطية والمالية، أو من جانب وقوعها في قلب خليج مهم لطرق المواصلات والتجارة.
ذلك سيجعل من كانت له حاجة هناك يوكل بها ذلك الكيان ذا الشأن الأمني الكبير، وتزداد الأهمية عندما نعلم أن الوجود الإسرائيلي في البحرين مرتبط بالعلاقة مع الأسطول الأمريكي الخامس، حارس المصالح الأمريكية في تلك البقعة من الأرض.
ويرى النظام البحريني في ذلك الوجود تعزيزاً لموقعه في الغرب، فـ(إسرائيل) المسموعة الصوت هناك، سترى في الإضرار به إضراراً بوجودها في بلاده، والمنظومة الغربية سترفع من أهمية تلك البقعة التي تحتضن من يحرس شيئا من مصالحها هناك.
البحرين ترى في إيران خطراً جوهرياً فربما تكون العاصمة الخامسة التي تحط فيها رحال الفعل الإيراني الزاحف بمثابرة لا تكل ولا تمل، خاصة أن جزءاً من سكانها شيعي المذهب، ووجود (إسرائيل) على أرضها يمنحها حماية كما ترى.
فمن يفكر بالعدوان عليها لابد أن يتوقع صداماً مع (إسرائيل)، وقد يكون ذلك سببا لتردده في سعيه ذاك، و(إسرائيل) التي ترى إيران تحيط بها بأذرع صاروخية من كل جانب تسعى للاقتراب أكثر من قلبها، فهي في البحرين على بعد أكثر بقليل من 200 كم من أراضيها، وذلك تعزيز لقوتها في أي صدام محتمل، كما ستكون (إسرائيل) قادرة على زراعة أجهزة إنذار مبكر قريبة جداً من الأرض الإيرانية.
وقد ذكر البيان الصادر عن نفتالي بينت والملك البحريني في الزيارة الأخيرة صراحة؛ أنهما ناقشا سبل مواجهة المخاطر الإقليمية بما فيها السلاح النووي والتطرف، وتلك من وجهة نظر كثيرين كلمة السر الرامزة للصراع الإسرائيلي الإيراني حول المشروع النووي لطهران.
كما أن (إسرائيل) تسعى لتعزيز موقعها فيما سبق من نقاط من خلال سعيها لتعزيز موجة التطبيع، من خلال سعيها لتأسيس تحالف عسكري إقليمي، تقوده، وتحقق من خلاله مكانة مرموقة لدى الغرب كقوة مؤثرة.
أمر آخر في غاية الأهمية هو سعيها لتعزيز موجة التطبيع، من خلال موقعها المهم في البحرين قريبا من المملكة العربية السعودية، ورغم أنه من الواضح أن البحرين ما وصلت إلى هذا المستوى من التطبيع إلا بموافقة النظام السعودي، وتشجيعه، إلا أن أحد مكامن الخطر أن السعودية لن تستطيع لاحقا لو أرادت لأي سبب تغيير موقفها من (إسرائيل) التي تجلس على حدودها القريبة، نعم كانت قادرة على إحضارها، لكنها لن تكون قادرة على إبعادها، ما يضمن لـ(إسرائيل) تطبيعاً دائماً لا فكاك منه.
(إسرائيل) تعد المعلومات الأمنية ثروة تبذل في سبيلها تمويلا وجهداً كبيرين، فأن تشارك البحرين ما لديها من معلومات، ذلك مكسب كبير بجهد قليل، وأن تجعل من وجودها هناك مقراً للتجسس وجمع المعلومات فذلك بديهي لا يحتاج كثيراً من التفكير، ولكل معلومة ثمنها الذي به تباع، فتربح (إسرائيل) على كل حال.
ويزداد ربحها من جانب آخر عندما تهل الأموال البحرينية للاستثمار في (إسرائيل)، التي ستبيعها كثيراً مما لديها من التقنية العسكرية والأمنية، وليس برنامج التجسس "بغاسوس" عنا ببعيد، تلك دولة تنتج الشر، وقد وجدت لشرها سوقاً رائجة، أنظمة تبحث عن شراء كل ما يؤذي شعوبها.
تلك مصالح عامة، لكنها لا تخلو من مصالح فردية، فرئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت في وضع سياسي صعب، لم ينجح في تحقيق شيء بعد، فشل أمام غزة، وعاجز أمام إيران ومنظوماتها في المنطقة، وشركاؤه في الحكم كل يغرد في وادٍ بعيد، ومدة ولايته ذات العامين على وشك النفاد، فسارع إلى المنامة، لعل الإسرائيليين يرون في مسعاه إنجازاً ذا بال.
كانت تلك رؤية أصحاب الشأن في البحرين وتل أبيب، لكن هل ذلك حقيقي، وهل المصالح المتوقعة تستحق المخاطرة بالخروج من عباءة قيم سياسية حكمت قادة الأنظمة العربية لعقود، الواضح أن لا (إسرائيل) قادرة على حماية نفسها، ولن تكون قادرة على حماية نظام المنامة، تلك صفقة خاسرة ستجعل من المنامة ضحية أية مواجهة قادمة بين إيران ومحورها وبين (إسرائيل)، فمن كان قادراً على قصف الإمارات قادر على قصف أية بقعة أخرى.
وخروج واشنطن من أفغانستان دليل على عجزها عن الصمود طويلاً في مواجهة استنزاف للدفاع عن مصالحها، فكيف بمصالح الآخرين، فعند احتدام المواجهة لن تجد تلك الأنظمة لها من بين أولئك نصيراً.
نقول ذلك ونحن نعتصر ألماً على حال أمة تستغيث من الرمضاء بجهنم، لأن حكامها يعيشون العجز الناتج عن كراهيتهم لشعوبهم ذات التاريخ العظيم والقدرة الفذة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت