- المحامي علي ابوحبله
"تطورات حرجة وذات أبعاد متعددة" هذا ما يشغل " إيشينغر" وفريقه ليس فقط الأزمة الحالية في أوكرانيا. فبعد 14 عاماً قضاها كرئيس لمؤتمر الأمن في ميونيخ، يقول إيشينغر: "لا أستطيع أن أتذكر أننا شهدنا مثل هذا التطور الحرج المتعدد الأبعاد". هناك أيضا قضية إيران، مسألة طريقة التعامل الصحيحة مع الصين، أسئلة تخص بنية النظام الأمني الأوروبي - الأطلسي المستقبلي، أسئلة حول كيفية التعامل مع الولايات المتحدة الشريك في ضوء الانتخابات الأمريكية، يذكر الدبلوماسي عددا قليلاً فقط من القضايا المهمة عالميا.
هذه الملفات وُضعت أياما ضمن تقرير مؤتمر ميونيخ للأمن. التقرير الذي ينشر عادة قبل أيام من عقد المؤتمر في فندق "بايرشير هوف" في ميونيخ، لغرض وضع الخطوط العريضة للموضوعات التي ستناقش خلال المؤتمر. هذا العام يحمل التقرير العنوان التالي: "تغيير مجرى الأمور، التغلب على العجز". ويشخص التقرير شعورا "بالعجز الجماعي". مثل الأفراد، تشعر مجتمعات بأكملها أحيانا بالعجز أمام تحديات تواجهها. "عام 2021 لم يكن عام التفاؤل على الصعيد الجيوسياسي.
هيمنت على الأخبار وعلى إمتداد الأشهر أزمة جديدة، مما زاد الشعور بأن طوفان الأزمات المتصاعد يهدد بإغراقنا". يبيّن التقرير أن الأنظمة الديمقراطية الليبرالية، بشكل خاص، مهددة. والخطير في هذا الشعور، بحسب التقرير: هو عدم تمكن العالم من مواجهة التحديات الكبيرة، رغم توفر كل المصادر والاستراتيجيات والوسائل للتغلب عليها.
فقد انطلقت يوم 19 فبراير 2022 أولى جلسات مؤتمر ميونخ الدولي للأمن في ألمانيا، في دورته الـ58 بعد نحو عامين من آخر انعقاد فعلي له بسبب جائحة كورونا، وطغت على المؤتمر تصاعد التوتر بين الغرب وروسيا بسبب الأزمة الأوكرانية، وذلك في ظل غياب أي ممثل رسمي للحكومة الروسية في المؤتمر.
وقال رئيس المؤتمر الدبلوماسي فولفغانغ إيشينغر إن المؤتمر هذا العام يريد التأكيد على دوره، لذا حمل عنوان: “تغيير مجرى الأمور، التغلب على العجز”. ويعتبر مؤتمر ميونخ للأمن المنصة الأولى في العالم للنخب الدولية في السياسات الأمنية، حيث، يجمع المؤتمر عدد كبير من ممثلي الحكومات وخبراء الأمن، وصنفت جامعة” بنسيلفانيا” بالولايات المتحدة الأمريكية المؤتمر في مرتبة أهم مؤتمر في العالم. انطلق مؤتمر “ميونيخ” للأمن للمرة الاولى في عام 1963، وكان يسمى آنذاك “اللقاء الدولي لعلوم الدفاع”. وغيَّر المؤتمر لاحقا اسمه إلى “المؤتمر الدولي لعلوم الدفاع”، ثم أصبح اسمه “مؤتمر ميونيخ للأمن”.
مؤتمر ميونخ 2018 يقدم مؤتمر ميونيخ للأمن نفسه كهيئة مستقلة، غير أن المؤسسة المنظمة للمؤتمر، والمسماة بـ”مؤسسة مؤتمر ميونيخ للأمن” تستفيد بشكل كبير من الإعانات الحكومية، و حصل المؤتمر عام 2015 على تمويل بنحو (500) ألف يورو، فضلاً عن مبلغ (700) ألف يورو مصاريف لموظفين من الجيش الألماني، إضافة للرعاية من شركات ألمانية ودولية كبرى، يتوفر المؤتمر على ميزانية قدرها 2 مليون رغم ان مؤتمر ميونخ : ”لا يعزز أمن ،ولا يمنع إرهاب”، فانه يبقى منتدى هام إلى عقد اللقاءات والاجتماعات بين كبار اللاعبين في مجال السياسة والأمن، بعيدا عن قيود الدبلوماسية، وهذا يعني أن مؤتمر ميونخ تكمن أهميته، بنوع الشخصيات المشاركة.
ويمكن اعتباره : فرصة ليس فقط لتقييم الوضع الأمني الدولي، بل أيضا وضع الغرب على وجه الخصوص الجميع يدرك ، مخاطر، تفكيك الأمن الدولي، ويتحمل المسؤولية بدون شك، أقطاب دولية فاعلة، وهي أمريكا وروسيا والصين، وتفكك الأمن الدولي هو تخلي أخلاقي وقانوني، عن قواعد السياسات والعلاقات الدولية، ومبادئ الامم المتحدة، التي تدعو الى إقرار السلم الدولي وتجنب الصراعات، وتجنب سباق التسلح..
ويقتصر دور مؤتمر ميونخ للأمن بالتحذير والتنبيه إلى المخاطر التي تهدد الأمن الدولي، وفي هذه الدوره ال 58 لمؤتمر ميونخ ، تحذر من تفكك الأمن الدولي، ويخشى من تفكك التحالف مابين دول أوروبا والولايات المتحدة، وتهديدات موسكو إلى شرق أوروبا، التي تصاعدت، بعد تخفيض حلف الناتو التزاماته في حماية أوروبا براي خبراء ينعقد مؤتمر ميونخ للأمن بنسخة عام 2022 بتوقيت صعب الا وهي “الأزمة الأوكرانية” التي باتت تهدد الأمن الدولي بأكمله. رغم أن مؤتمر ميونخ للأمن يمثل النخبة من كبار المسئولين في الأمن والدفاع حول العالم، الا أن هذا العام غابت عنه روسيا، والغياب الروسي ممكن فهمه أن روسيا لا تريد مزيد من الحوار مع الغرب، في أعقاب رد الناتو على مطالب موسكو المكتوبة مطلع شهر فبراير 2022.
مؤتمر ميونخ للآمن، هذا العام تحول إلى منصة”دعائية” إلى الغرب أكثر من الحوار، وسط الغياب الروسي، كانت كلمات المشاركين، أبرزهم نائبة الرئيس الأميركي ورئيس الحكومة البريطانية و المستشار الألماني شولتز وأخرون، تمثل هجوم مباشر على روسيا. تميز مؤتمر ميونخ 2022 بحضور أمريكي أكثر من السنوات السابقة، وهو محاولة من الولايات المتحدة ـ إدارة بايدن، لتوحيد صفوف الناتو ضد روسيا.
وياتي انعقاد مؤتمر ميونخ بنسخة 2022 في ألمانيا ربما ليرفع الحرج عن المستشار الألماني شولتس الذي كثيرا ما وجهت الانتقادات له، واتهمته بان الموقف الألماني ضد روسيا لا يرتقي الى حجم تهديدات موسكو ولا إلى مواقف الدول الأعضاء في الناتو. مؤتمر ميونخ اختتم أعماله بدون مخرجات او قرارات، لكنه يعتبر أفضل منتدى دولي للأمن، يقدم التحذيرات وينبه إلى المخاطر قبل وقوعها، رغم أن المؤتمر وصف العام الماضي2021، بإن مؤتمر ميونخ :”لايمنع إرهاب ولايعزز أمن”، فان انعقاد مؤتمر ميونخ لهذا العام مع توقيت أزمة أوكرانيا ربما يحظى باهتمام أكثر لأنه نبه في وقت سابق من تفكيك الأمن وعجزا لأطراف الدولية من تعزيز الأمن الدولي.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت