نشر موقع "بوابة الهدف" الاخبارية التابع للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في زاوية "رأي الهدف" مقالة بعنوان :"الغلاء صنيعة النهب والاحتكار".
وجاء في نص المقالة:
قبل أن يبدأ التأثير الفعلي للأزمة الأوكرانية على سلاسل التوريد والإمداد العالمي، سارعت شبكة أصحاب المصالح المهيمنة على شؤون حياة الفلسطينيين في الضفة والقطاع، للاستفادة غير الشرعية من أنباء الغلاء المحتمل للأسعار، واستبقت ارتفاع الأسعار من الموردين برفع السعر على المستهلك الفلسطيني، وكأنها تقوم بضربة استباقية لنهب ما يمكن نهبه من جيوب المواطنين وأرزاقهم.
تجادل هذه المادة ليس ضد الاحتكار و موجة الغلاء كحدث فحسب، بل ضد السلطات المهيمنة في الأرض الفلسطينية المحتلة، ومفهومها عن الحكم، وممارستها له، وذلك انطلاقا من قاعدة مهمة يتجنى عليها النظام السياسي/ الاقتصادي الفلسطيني منذ ١٩٩٤ بشكل واضح، القاعدة هي أن طعام الناس ووقايتهم من الجوع، ليس مسؤولية أي فرد، ولكنها مسؤولية جماعية أوكلت لجهات حكومية انتدبها المجتمع لتقوم بواجبات مثل هذه بالمقام الأساس، ومنذ تنازل المجتمع عن ممارسته الجماعية والمباشرة لهذه المسؤوليات تجاه أفراده، باتت هذه مسؤولية الطرف الذي حظي بهذا التنازل، أو انتزعه، ولكن مفهوم السلطة المتشكل في الأرض المحتلة يقف على النقيض من ذلك، منتهجا مسارًا طويلًا من خصخصة الخدمات الحيوية والرئيسية، ومنح الاحتكارات لكبار الرأسماليين في كافة المجالات.
إن الخطر الكبير يكمن في مقابلة هذه الأزمة وعوز المواطنين للاحتياجات الأكثر حيوية بتقديم الذرائع والمبررات لحالة الاستغلال القائمة، وإهمال المسؤولية السياسية والمجتمعية للسلطات في بناء نظام اقتصادي وسياسات اقتصادية فعالة، تنطلق من قاعدة الالتزام الكامل بحقوق الأفراد والمجموع في حياة حرة وكريمة، وإغفال المسؤولية العامة للمنظومة القائمة عن طعامهم وشرابهم ومسكنهم وأمنهم المعيشي، فهذه حقوق اساسية، وليس مكتسبات يتحصلها من يملك ويترك من لا يملك يعاني دونها.
إن المهمة التي تقع على عاتق المنظومة الفلسطينية الرسمية والمجتمعية، تجاه التحديات المقبلة، والانعكاسات الحقيقية للأزمة العالمية في أسعار الغذاء والطاقة ومواد اخرى، تتطلب أولًا مغادرة مربع التنصل والتبرير وسوق الذرائع، والانطلاق من موقع المسؤولية الوطنية العامة عن حماية المواطن، وهو ما يتصل أيضًا بضرورة الانحياز جوهريًا لمصلحة عموم المواطنين على حساب المحتكرين.
ليس بوسع المنظومة السياسية والاقتصادية الفلسطينية الإقرار بأن كل ما تلفظته وخطته وقررته في العقود الماضية من سياسات خصخصة لا يصلح لمواجهة هذه الأزمة، وأن مقاربتها بالمنطق الترقيعي الخاص بالرقابة على الأسعار أو إيقاف بعض صغار المحتكرين، ليس إلا ذر للرماد في العيون ودس للرأس في الرمال أمام أزمة وتغيرات كبيرة تجتاح النظام الاقتصادي العالمي.
فإذا كان النظام الرأسمالي في مركزه قد تنكر للملكية الفردية "بقرته المقدسة"، وسارع لسلسلة من إجراءات المنع والتقييد والمصادرة ووضع اليد على أملاك من صنفهم في قائمة العقوبات، وقيد حرية التجارة والحركة والاستيراد والتصدير والخدمات والشحن البحري والجوي، نجد في فلسطين لدينا من هم أكثر عبادة للرأسمالية ولتعاليم البنك الدولي التي تلقنوها وفرضوها علينا جميعا وتقاسموا منافعها مع كبار الرأسماليين، مشكلين شبكة للمصالح، عمقت الارتهان للاحتلال ودمرت قطاعتنا الإنتاجية واستنزفت مواردنا، ويريد سدنتها الاستمرار في تجويع شعبنا ونهبه.