- د. طلال الشريف
الحرب خدعة ليس فقط في توقيت بدأ الحرب بل بدء التفاوض المبكر جدا من قبل روسيا.
هذه حرب من نوع جديد من حيث الخطط العسكرية لجيش يعتبر أقوى جيش في العالم حيث يتحكم في إدارة غطرسة القوة المتفوقة عسكريا بأجيال على دولة مثل أوكرانيا بدخول عناصر ذات قوة معادلة للعسكرتاريا وهو الاقتصاد في زمن مركزة رأس المال والتطور التكنولوجي يهيمن عليها رأس المال(العولمة) وهذا يعني لا نتائج عسكرية سريعة كما تصور العالم بأن إندفاع الجيش الروسي سيحقق نصرا عسكريا سريعا جعل بعض المحللين أصبحوا يتحدثون عن أمكانية صد روسيا أو دخولها في نفق حرب عصابات أوكرانية مدعومة جدا من الغرب وعلى رأسه أميركا ..
لرغم الإهتمام العالمي بالحالة الأوكرانية و اشتداد الحرب والضربات العسكرية الروسية ومقاومة الأوكران إلا أنها تبدو حرباً ستصبح منسية وقد تستمر لعقد أو عقدين، وأن النتائج ستتحقق على المدى البعيد وليس القريب ولأن هذه الحرب ليست عسكرية بحتة وهذا ما يفعله بوتين الآن بفتح المعركة عسكريا وفتح في نفس الوقت التفاوض المبكر جدا حين قفزت سريعا أميركا والغرب لاستعمال العقوبات الشديدة مقابل الضربات الروسية المقننة والمتواصلة وغياب التدخل العسكري من الناتو، وولذلك فالنتائج التي كان الجمهور ينتظرها عسكريا هي قد تحققت بالفعل بتمركز قوات روسيا على الأرض ووضعت أوكرانيا والغرب كله في حالة رد فعل محسوبة عند الروس أي هي نظرية التأزم المحسوب المتطورة عن الماضي فبعد محاصرة الخصم وتنقيط الضربات العسكرية للإرباك لإجهاض خطط العقوبات المتوقعة وعندما يحدث التوازن أو الردع لتلك العقوبات فإن الجيش الروسي مسيطر على الأرض هو في حالة بمثابة انتصار.
نفذ بوتين خطته وحاصر المدن الاوكرانية ما عدا غربها وهو الجزء الذي سيتبقى من أوكرانيا كدولة لمن لا يريدهم بوتين الآن ولا يريدون روسيا من القوميين والنازيين الأوكران ولذلك ستتقلص الجغرافيا الأوكرانية وتصبح دولة صغير ضعيفة لن تشكل خطرا في المستقبل على روسيا وسيضطرون في الغرب للإلتحاق بروسيا لاحقا.
الخطة العسكرية تم تنفيذها وأصبحت دولتي شرق أوكرانيا تابعتين أو متحالفتين مع روسيا وبعيدتين كل البعد عن سياسات إحتواء الغرب للأبد ولا تشكلان خطرا أمنيا على روسيا إنهما جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوغانسك الشعبية وقبلهما كانت قد ضمت روسيا جزيرة القرم وقبلهما هم متحالفون مع جورجيا وبلاروسيا، وهذا يعزز قوة تحالف أو اندماج لاحق كبديل لحلف وارسو المتهالك يشكل خططه للمستقبل إذا أراد الروس استعادة دولهم أو أقاليمهم السابقة بما فيها التي انضمت لحلف الناتو، لأن الانتصار الروسي في حرب أوكرانيا سيفتت قوى تحالف الناتو ولا يحتاج الروس حتى للصين وغيرها فليس بين القوى الكبرى صداقات بل مصالح تنتهي عندما تتهيأ القوة العسكرية والإقتصادية لأي منهم سواء كانت أميركا أو الصين للصراع من جديد، هكذا التاريخ والعالم يسير، فقد تحالفت أوروبا مع الروس والولايات المتحدة في زمن ما لهزيمة هتلر وألمانيا في آخر الحروب العالمية والآن وبعد ما يقرب من القرن تلك القوى التي هزمت هتلر تتصارع فيما بينها وتهدد بعضها بحروب نووية أكثر شراسة من الحروب العالمية السابقة.
بعض عواطف الشعور الاتحادي للسوفييت أحيانا تومض مع نبضات هذه الحرب مثال:
* المحلل السياسي الروسي فيتشيسلاف موتازوف ينفي أن تكون هناك دوافع سياسية أو أية رسائل تدعو موسكو لإرسال مقاتلين من الشيشان.
ووالأهمةما قاله موتازوف لموقع "الحرة" أن "هؤلاء (الشيشانيون) هم جنود يتبعون القوات الروسية، باعتبار أن الشيشان ليست جمهورية مستقلة بل لديها حكم ذاتي وتخضع لروسيا الاتحادية.
* قبيل انطلاق الحرب قال بوتين "أعتقد أنه من الضروري اتخاذ قرار تأخّر كثيراً، بالاعتراف فوراً باستقلال وسيادة كلّ من جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوغانسك الشعبية"، قبل قليل من بث التلفزيون الرسمي لقطات لتوقيعه في الكرملين مع زعيمي المنطقتين الانفصاليتين على اتفاقيات للتعاون المشترك.
* مع الوقت سيتراجع الإهتمام العالمي بقضية أوكرانيا وتصبح الحرب منسية .. هذا قد يبدو الآن أثر غير منظور لكنه ينضم في النهاية لمشاعر إتحادية للسوفييت.
* في الأزمان ااسابقة وتاريخ الامبراطوريات كان الزمن يطول لقرون لإستعادة الأقاليم المنفصلة أو المتمردة لكن العجيب أن إمبراطورية روسيا العصرية تستعيد أقاليمها بعد زمن قصير بعد حوالي عقدين منذ انهيار الاتحاد السوفييتي ولن يطول على ما يبدو استرجاع كل الاقاليم التي استقلت وأصبح بعضها معادٍ للإمبراطورية المتصاعدة آنيا وهذا العداء سيسرع من عجلة استعادتها.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت