- علي هويدي*
بعد 13 سنة من العمل المتواصل أعلنت "الأونروا" عن انتهائها من مشروع "رقمنة" أرشيف الوكالة حيث أن المشروع يهدف للحفاظ على الهُوية وعلى الذاكرة الجمعية للاجئين الفلسطينيين.
وللمزيد من الحفاظ على الذاكرة الجمعية الفلسطينية وإعطاء حياة جديدة للأرشيف، وكالة "الأونروا" مطالبة باستكمال إنجازها التاريخي من خلال طباعة الأرشيف على شكل كتب تأخذ بعين الإعتبار الفئات العمرية المستهدفة، والقيام بتدريس هذه المادة إلى طلابها اللاجئين في مدارس الوكالة في مناطق عملياتها الخمسة من خلال منهاج دراسي ليس إثرائياً وإنما أساسياً، وإيجاد مساحة من الحوار والنقاش بين الطلاب والكادر التعليمي، واستخدام الوسائل التعليمية والتعلمية بمختلف أنواعها، والعمل على توسيع دائرة الفائدة لتصل إلى التنسيق المشترك مع اللجان الشعبية والأهلية ومنظمات المجتمع المدني لعرض المحتوى لمن لا تستطيع وكالة "الأونروا" استهدافهم بشكل مباشر ويعتبرون خارج ولاية العمل معهم مثل غير المسجلين من اللاجئين أو فاقدي الأوراق الثبوتية، وبالتالي العمل على إبراز دور الهوية والتراث في تحقيق العدالة.
يعتبر تاريخ الشعوب بمثابة المحطات والاحداث الملهمة والمحفزة للأجيال، فكل دولة تحتفظ بتاريخها وأرشيفها وتسعى وبكل الوسائل الممكنة للحفاظ عليه ولحمايته وابتكار مختلف الطرق والوسائل سواء لتعريفه لمواطنيها بهدف الحفاظ على الهوية والذاكرة الجمعية، أو لتعريفه للشعوب الأخرى بهدف أخذ الدروس والعبر..
تمتلك وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى "أونروا" أرشيفاً ضخماً سمعياً وبصرياً، يضم أكثر من نصف مليون مادة من صور النيجاتيف والصور المطبوعة والشرائح المصورة والأفلام وأشرطة الفيديو التي تغطي جوانب حياة اللاجئين الفلسطينيين من الرجال والنساء والأطفال في حياتهم داخل المخيمات والتجمعات التي انتشرت في المنطقة العربية، وذلك منذ بدايات النكبة الفلسطينية سنة 1948 حتى يومنا هذا.
لا شك هو كنز دفين، يحتوي في شكله الحالي على 430 ألف صورة فوتوغرافية وحوالي عشرة آلاف صورة مطبوعة إلى جانب 85 ألف شريحة عرض وخمسة وسبعين فيلما وثائقيا، فضلاً عن 1190 شريط فيديو، حيث قامت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" بإدراجه ضمن ذاكرة العالم في اعتراف أممي بقيمته التاريخية.
وللحفاظ على هذا الأرشيف من التحلل بفعل الزمن قامت وكالة "الأونروا" بانجاز مشروع الرقمنة (الديجيتال) والإعلان عنه مطلع آذار/مارس 2022، ليس فقط لإنقاذ المواد والمحافظة عليها فحسب ولكن لإعطاء حياة جديدة لهذا المصدر التاريخي المهم والذي لا نظير له.
ماضي الشعوب وتاريخها ينبع من أرشيفها للأجيال القادمة، تفتخر الولايات المتحدة الأمريكية بماضيها وبأرشيفها، وتفتخر فرنسا بقادتها وتاريخهم، ويفتخر الأتراك بارشيف العثمانيين... الارشيف لاي دولة عبارة عن متحف اخباري عن ماضيها وأرشيف "الأونروا" لا شك هو إنجاز لا مثيل له باعتراف "اليونسكو".
يوثق الأرشيف مراحل اللجوء الفلسطيني على مدى أكثر من 7 عقود، إذ أن محتوياته وكما قال المستشار الإعلامي للأونروا عدنان أبو حسنة "كانت موزعة في أماكن مختلفة في غزة ولبنان والأردن، وكانت معرضة لكثير من المخاطر الأمر الذي دفع الوكالة الأممية للقيام برقمنته وإنقاذه حفاظا على الذاكرة الجماعية، وترسيخا للهوية الفلسطينية، وتأسيسا لروابط وصل بين الأجيال الحاضرة والأجيال اللاحقة"، وحتماً سيشكل الأرشيف رداً قاسماً على الإشاعات ولمن يحاول أن يروج أن فلسطين كانت أرضاً بلا شعب استحقها "شعب" بلا أرض.
حتماً هو إنجاز تاريخي لأجيال اللاجئين والباحثين والمهتمين، فضلا عما يشكله من عملية توثيق ومرجعية هامة للمؤسسات والجامعات الفلسطينية وكافة الهيئات المهتمة بقضايا اللاجئين الفلسطينيين، فوكالة "الأونروا" أصبحت جزءً من التاريخ الحديث للشعب الفلسطيني ولا سيما جزء من رحلة اللجوء والآلام المستمرة منذ ما يزيد عن 7عقود، وعملية الرقمنة ستبقى شاهد على معاناة اللاجئين والظلم الذي وقع عليها خلال كل تلك السنين وعلى من ارتكب الجريمة النكراء بحقهم باقتلاعهم من بلدهم فلسطين ومارس ولا يزال التطهير العرقي بحقهم، وحوّلهم إلى أكبر قضية لاجئين في العالم.
فالارشيف يوثق المراحل التي جاءت بعد أن طردت دولة الاحتلال أكثر من 800 ألف فلسطيني من بلادهم ودمرت حوالي 530 قرية ومدينة وخربة أو أخلتها من السكان وتسببت بنزوح 86% من الفلسطينيين واحتلت 78% من الأراضي الفلسطينية سنة 1948 وأقامت عليها دولة الإحتلال، وبعد سنة 1967 احتل الكيان ما تبقى من أرض فلسطين (الضفة الغربية وشرق القدس وغزة)، وبالتالي يوثق الحياة اليومية للاجئ الفلسطيني بكافة جوانبها السلبية والإيجابية، وكيف استطاع اللاجئون الفلسطينيون تحويل محنتهم إلى منحة حققوا من خلالها العديد من الإنجازات النوعية والاستراتيجية وفي مختلف المجالات والعلوم.
استثمار الارشيف لإبراز وللتعريف بحقائق الأمور مسؤولية ليست فقط فلسطينية وإنما هي مسؤولية مشتركة شعبية فلسطينية وعربية وإسلامية مع أحرار العالم، ورسمية مع الدول أصحاب القرار، وكذلك مسؤولية أممية لا سيما "الأونيسكو" وكلّ من مكانه لتوصيل المحتوى إلى أوسع شريحة ممكنة من المهتمين..
*كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني
بيروت في 23/3/2022
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت