الإسرائيليون متشائمون خائفون والفلسطينيون متفائلون مطمئنون

بقلم: مصطفى يوسف اللداوي

مصطفى يوسف اللداوي.jpg

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
لم يعد خافياً على أحد أن الشارع الإسرائيلي قلقٌ خائفٌ، مضطربٌ مرتبكٌ، مما قد تحمله الأيام القادمة خلال شهر رمضان المبارك، خاصةً بعد العمليات النوعية الثلاثة التي نفذها مقاومون فلسطينيون في عمق النقب والخضيرة وتل أبيب، وأدت إلى مقتل أحد عشر صهيونياً، وإصابة عشراتٍ آخرين بجراحٍ متفاوتةٍ بعضها خطرٌ وحرجٌ، فضلاً عن حالة الرعب والذعر التي خلفتها العمليات النوعية، التي تبدو واضحة على جموع المستوطنين من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، والرسائل المتبادلة بينهم، التي تصف ما جرى، وتعبر عن حالتهم النفسية جراء العمليات التي شهدوها.

لست مبالغاً فيما ذكرتُ ولا مهولاً، ولست حالماً أو متمنياً، وإنما هي الحقيقة التي لا يستطيع أن ينكرها إسرائيليٌ أو غيره، فالإسرائيليون ليسوا في أحسن حالاتهم، بل هم في أسوأها، ولعلهم يعيشون هذه الأيام الذكريات المؤلمة والقاسية التي عاشوها منتصف تسعينيات القرن الماضي، عندما كانت العمليات الاستشهادية تتنقل من مدينةٍ إلى أخرى، ومن محطةٍ إلى حافلةٍ، ومن مقهى إلى مطعم، ومن تجمعٍ إلى حشدٍ، وقد صرح بعضهم أنهم باتوا لا يستطيعون التحرك في الشارع، سيراً على الأقدام أو على الموتور سيكل، أو في سياراتهم الخاصة والعامة، أو الجلوس أمام محلاتهم أو التلاقي لمصافحة بعضهم، بعد أن كانوا قديماً يخافون الدخول إلى المقاهي والمطاعم، أو ارتياد دور السينما والملاهي، أو استخدام الحافلات ووسائل النقل العامة.

انعكست الحالة النفسية المتردية للإسرائيليين على جمهورهم الذي احتشد في أكثر من مدينةٍ، إثر وقوع العمليات العسكرية وانتشار صور القتلى وآثار الدماء، ومشاهد العمليات وحركة منفذيها، فعمدوا إلى التظاهر والهتاف ضد وزيري الحرب والداخلية، وضد رئيس الأركان ورئاسة الحكومة، وصبوا عليهم جام غضبهم، ونعتوهم بالخوف والجبن، والعجز والضعف، وطالبوهم بالاستقالة والتخلي عن الحقائب الوزارية التي يحملونها، بعد أن انكشف عجزهم وظهر تقصيرهم، ونجح الفلسطينيون في اختراق أمنهم وتجاوز إجراءاتهم، وتنفيذ عملياتٍ موجعة ضدهم.

بعض الناجين من العمليات أصابته حالةٌ من الهستريا والاضطراب النفسي، فلم يعد يستطيع التركيز أو يقوَ على الكلام، وبات طريحاً على أسرة المستشفيات يهذي ويهلوس وهو يتلقى الدعم والعلاج النفسي، فقد رأوا المهاجمين وشعروا بالعزم في وجوههم، والشجاعة عليهم، وسمعوهم وهم يخاطبون بعضهم، ويطلبون من النساء والأطفال التنحي بعيداً عنهم، ولم تستطع الرقابة العسكرية الإسرائيلية منع انتشار مثل هذه المشاهد، والحيلولة دون تناقلها بين المستوطنين لآثارها السيئة عليهم، إلا أنها عرفت وانتشرت وتركت أثراً نفسياً قاسياً عليهم، علماً أن جُلَّ المصابين هم من فئة الشباب، وليسوا من الأطفال أو المسنين أو النساء.

لعل أحد الخائفين القلقين من العمليات الأخيرة كان رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق بنيامين نتنياهو، الذي ظهر على وسائل الإعلام يصف ما يجري بأنها أجواء حرب، وأن كيانه يقع تحت تهديد "إرهابٍ" غير مسبوق، يستهدف المدنيين والعسكريين وعامة السكان، وأنه ينبغي العمل الجاد لتجنيب "الشعب" مخاطر هذه الموجة من العمليات "الإرهابية"، ورغم أن تصريحاته تصنف ضمن المماحكة السياسية مع الائتلاف الحاكم، إلا أنه طالب الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينت بحماية أولاده وضمان أمنهم، سواء الذين يقيمون معه أو المسافرين للدراسة.

لا يعتقد الإسرائيليون بعد العمليات النوعية الأخيرة، أن تعزيز الجيش بثلاثة كتائب جديدة، ودعوة ثلاثة آلاف من الجنود والضباط الاحتياط، والسماح لأفراد الجيش بالاحتفاظ بأسلحتهم خارج ثكناتهم العسكرية، والموافقة على منح تراخيص جديدة لعامة المستوطنين الإسرائيليين بحمل السلاح، وغيرها من الإجراءات الأمنية الاستثنائية التي سيقوم بها الجيش والشرطة، تستطيع حمايتهم من المقاومة الفلسطينية، التي أصبحت ظاهرة عامةً وسلوكاً طبيعياً يقوم به كل الفلسطينيين، سواء كانوا أفراداً أو منتسبين إلى قوى وتنظيماتٍ عسكريةٍ، فقد اتسمت العمليات الأخيرة بالفردية، ووصفها الخبراء الأمنِيِّون بعمليات "الذئب المنفرد"، وبدا من تنقلها أنه من الصعب التنبؤ بها أو معرفة مكانها.

أما الصورة الأخرى المقابلة، فهي صورة القوة والبأس، والعزة والرفعة، والثقة واليقين، والشجاعة والإقدام، التي ترتسم على وجوه الفلسطينيين، وتظهر على ألسنة عامتهم وتصريحات قادة مقاومتهم، ويعبرون عنها بتوزيع الحلوى والسكاكر، وبالتكبيراتِ في المساجد، والتهاني في البيوت والشوارع، فرحاً وسعادةً، واستبشاراً وتفاؤلاً.

فالخوف لا يعتريهم، والقلق لا يسكنهم، والتردد لا يبدو عليهم، والضعف لا يعرف طريقه إليهم، فقد تراءت لهم في هذه الأيام المباركات فلسطينُ حرةً، وبدا لهم أن النصر ممكناً والتحرير قريباً، فغدوا يتنافسون على المقاومة، ويتسابقون إلى الشهادة، ويسارعون في المواجهة، يحذوهم الأمل، ويعمر قلوبهم اليقين أن الغد لنا، والمستقبل لنا، وفلسطين أرضنا وهي وطننا.
 
بيروت في 1/4/2022
[email protected]
WhatsApp: +96171261359

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت