د.سامي الكيلاني:
منزل الطلبة الجامعيين التابع لجامعة إيست أنجليا في مدينة نوريتش البريطانية سيكون مكان إقامتهم كما تقول رسالة المؤسسة، سيصل المنزل ليستريح بعد هذه الرحلة الطويلة. منذ قليل حط الرحال مع بقية الأفراد المتطوعين بعد أن وصلوا قادمين إلى محطة القطار اللندنية. كان مندوب مؤسسة الشباب الدولية في انتظارهم، جنسيات مختلفة، تعارف عابر سريع ثم "أهلاً وسهلاً". قادهم المندوب إلى حيث الحافلة الصغيرة التي ستقلّهم إلى حيث سيقيمون.
انطلقت الحافلة الصغيرة التي يقودها المندوب ذاته خارج المدينة، بقي نظره معلقاً بالمساحات المفتوحة واللون الأخضر المسيطر على المشهد، المنظر يشد انتباهه وتتنازعه رغبتان، الإغفاء في المقعد أم التمتع بمنظر المحيط الأخضر والطرق الواسعة، وبينهما يتدخل دماغه بحمله إلى القرية والأسرة والبيت الذي فضل هذه الرحلة على زيارته في العطلة الصيفية للجامعة، فهل يتفهمونه أم يلومونه على ذلك.
في قاعة الاستقبال بدأ الموظف الذي استقبلهم بشرح التعليمات حول الإقامة في المنزل الجامعي، ومواعيد الوجبات وتسليمهم مفاتيح الغرف. تسلم مفتاح غرفته واتجه إليها ليضع حقيبته. قرر ألاّ يستسلم للنوم في الحال، فالوقت ما زال مبكراً، الشمس لم تغرب بعد. قرر الخروج للتعرف على المكان.
ساحات المنزل الجامعي والمساحات الشاسعة الخضراء حوله ومرافقه العديدة هي الأخرى تتنازع مع رغبة جسده في الاستراحة، والتلفزيون الملون الموجود في القاعة الكبيرة يشده ليتابع الصور. التلفزيون الملون الأول الذي يراه في حياته. كان قد سمع أن بعض الأثرياء في العاصمة قد حصلوا على أجهزة من هذا النوع، ولكنهم لم يحصلوا على الصورة الملونة لأن محطات التلفزة التي تصلهم ما زالت تبث بالأبيض والأسود.
غلبت حاجة الجسم للراحة على كل منازعاتها فاستجاب لها، توجه إلى الغرفة حسب الرقم المسجل على المفتاح الصغير الذي استلمه من إدارة المنزل. في الطريق إلى جناح غرف النوم رأى صفاً طويلاً من الحمامات، حمامات بعضها بحوض استحمام "بانيو" وبعضها الآخر بمرش "شور"، أغراه الأمر، ذهب مسرعاً وتناول منشفة وعاد إلى واحد من حمامات الأحواض، عاد مسرعاً وكأنه يخشى أن يسبقه أحد إليها. كاد يغفو في الحوض من شدة الاسترخاء، مدّد وقت الاستحمام قدر الإمكان.
خرج ليتفاجأ أنه قد قضى ساعة كاملة. قرر أن ينام حالاً، حتى وإن استمر في النوم حتى صباح الغد. في الممر الطويل نحو الغرفة رأى الصديق الجزائري الذي تعرّف عليه في قاعة التلفزيون، فطلب منه أن يوقظه غداً خشية أن يفوته الإفطار والباص الذي قالوا لهم إنه سيغادر إلى المؤسسة على الوقت بالضبط ولن ينتظر أي شخص متأخر. أجابه الجزائري "ما عندي خدمة"، فهم الأمر بالمعنى الحرفي للكلمة، فعاتبه "الله يسامحك هذه خدمة أخوية عادية"، وضّح له الجزائري الأمر بالإنجليزية، يقصد أن ليس لديه عمل غداً، فهو من الفريق الذي أنهى فترته ولن يذهب إلى العمل وسيغادر ظهراً. اعتذر عن سوء الفهم. توجه إلى الغرفة وألقى جسده على السرير.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت