- بقلم د . لبيب قمحاوي
11/04/2022
العودة الى المقاومة هي هدف فلسطيني دائم بالرغم عن أي خطط لمنع ذلك . المقاومة التقليدية المنظمة من الممكن اختراقها ، أما المقاومة الفردية فمن شبه المستحيل اختراقها أو اقتناصها إلا بالصدفة ، وهنا تكمن أهميتها و قوتَّها . المقاومة الفردية الفلسطينية هي التوجه الفلسطيني الاستراتيجي الجديد ، والاستجابة العنيدة لضغوط مستمرة ومتفاقمة لمنع المقاومة ، كما أنها الكابوس الأمني الجديد للإحتلال الاسرائيلي كونها تتطلب استنفار قوى الأمن الاسرائيلي معظم الوقت وفي كل المناطق . المقاومة الفردية الفلسطينية تتجاوز أيضاً عملاء السلطة الفلسطينية وقواها الأمنية المسخرة للتجسس على المقاومة الفلسطينية المُنظَّمة و منعها نيابة عن قوى الاحتلال . ومع أن هذا التطور في أعمال المقاومة الفردية لن يؤدي الى تحرير فلسطين ، إلاَ أنه بالتأكيد سوف يُحوّل حياة الاحتلال الاسرائيلي الى جحيم ، ويخلق شعوراً عامًا بالخوف وعدم الاستقرار بين أوساط الاسرائيليين عمومًا مما قد يرغمهم على البحث عن حل ما لتهدئة الأوضاع ، بالاضافة الى أنه سوف يحشر السلطة الفلسطينية في قمقم التبعية للإحتلال الاسرائيلي ، ويكشف مجدداً دورها في التآمر على المقاومة الفلسطينية بكافة أشكالها و أساليبها وبالتالي على القضية الفلسطينية بشكل عام .
اسرائيل تريد الخلاص من الفلسطينيين ، والفلسطينيون بدورهم يريدون أيضاً الخلاص من اسرائيل . لقد نسي الاسرائيليون أو تناسوا أن الظلم لا يترافق مع الاستقرار . فوجود أحدهما سوف يؤدي بالضرورة الى غياب الآخر . الاعتقاد الاسرائيلي الواهم بأن تنصيب قيادة فلسطينية تابعة له و متعاونة مع الاحتلال ومانعة لأي شكل من أشكال المقاومة المنظمة أو الشاملة سوف يشكل الحل لمشاكل اسرائيل الأمنية قد ثبت خطأه . فالفلسطينيون كأي شعب حي قادرون على الابداع في كافة الحقول بما في ذلك كيفية مقاومة الاحتلال ، وهذا ما نشهده هذه الأيام .
المقاومة الفلسطينية الفردية في كافة مراحلها من مرحلة اتخاذ القرار الى التخطيط ثم التنفيذ هي الرد الفلسطيني الآني على عنصرية الدولة الاسرائيلية و تبعية السلطة الفلسطينية وقراريهما المتسلط بوقف أعمال المقاومة و تجريمها . فالظلم والقهر وفقدان الأمل و الشعور بكل ذلك ليلاً نهاراً هو القوة المحركة لغضب العديد من الشباب الفلسطيني ، ذكوراً و اناثاً . وهذا ما يشكل القوة الدافعة لتحويل ذلك الغضب و القنوط الى أعمال مقاومة وبطولة فردية تهدف الى اذاقة العدو بعضًا من الألم الذي تسببه سياساته العنصرية و الأمنية للأجيال الفلسطينية تحت الاحتلال .
الفلسطينيون يعلمون أن المقاومة الفردية لن تؤدي الى ازالة الاحتلال ، ولكنها بالتأكيد سوف تدفع الأمور باتجاه خلق احساس اسرائيلي عام بأن الاحتلال هو حالة مؤقتة يجب أن تزول مهما طال الزمن ، مما قد يدفع الاسرائيليين إلى العمل على التقدم بحلول ترضي الفلسطينيين تحت الاحتلال بشكل حقيقي ، و تساهم بالتالي في اعادة بعض الاستقرار الى المجتمع الاسرائيلي . وهذا الأمر لا يمكن أن يتم في ظل الظروف الضاغطة و الظالمة للسياسة الاسرائيلية العنصرية بكافة أشكالها .
هنالك العديد من الرموز و الممارسات و السياسات و القوانين الاسرائيلية العنصرية التي تؤكد على تأصل العنصرية في الروح الاسرائيلية و على صعوبة التخلص منها باجراآت إستجدائية إستعطافية ، بل من خلال أعمال مقاومة تهز استقرار المجتمع الاسرائيلي و تفرض عليه واقعًا جديداً يُلغي ابتداءً كل ممارسات و أشكال و قوانين الفصل العنصري . فالجدار الفاصل مثلاً هو تعبير مادي ملموس عن عقلية الفصل العنصري الاسرائيلي . وهو بكل بساطة تعبير مادي ملموس عن الفلسفة الاسرائيلية العنصرية بأن ما لليهود هو لليهود فقط ، وأن ما للفلسطينيين هو لليهود أيضاً .
القضية الفلسطينية أصبحت الآن قضية داخلية في اسرائيل ، ليس بالمفهوم الأمني فقط ولكن أيضاً بالمفهوم اليومي الواقعي لإدارة شؤون أرض محتلة أصبحت بحكم الاستيطان و الأمر الواقع وتبعية السلطة الفلسطينية جزأً من دولة الاحتلال ، رضي من رضي أو رفض من رفض . أما بالنسبة للعرب ، خصوصًا عرب التطبيع، فقد أصبحت القضية الفلسطينية قضية اسرائيلية يتم تناولها ليس بإعتبارها جزأً من الضمير العربي و الأمن القومي العربي ، بل باعتبارها جزأ من العلاقة العربية مع اسرائيل ، و بإعتبارها بالتالي مسؤولية اسرائيلية مما يعني أن القرار المتعلق بفلسطين هو بالنسبة لأولئك العرب قراراً اسرائيلياً وليس بالضرورة فلسطينياَ . أمر عجيب فعلاً ولكنه بالنتيجة يصب في الطاقة السلبية الغاضبة التي تغذي روح المقاومة لدى العديد من الشباب الفلسطيني .
الشعب الفلسطيني هو في نهاية المطاف الضمان الحقيقي للقضية و للحقوق الفلسطينية . و الأجيال الشابة من الفلسطينيين تحت الاحتلال سوف تكون دائماً الضمان الحقيقي لاستمرار روح المقاومة الفلسطينية . طالما بقي الشعب الفلسطيني فمن المستحيل على أي جهة أو قوة مهما بلغت أن تقضي على روح المقاومة الفلسطينية للإحتلال . هذه هي الحقائق التي يتوجب على الاحتلال استيعابها و بالنتيجة الاستجابة لمؤثراتها . أما فيما يتعلق بالخيانة والعمالة فإنها موجودة للأسف في كل شعوب الأرض ومنها الشعب الفلسطيني ، و لكنها لم و لن تنجح أبداً في أن تكون هي البديل لشعوبها الحية لأن الرفض و المقاومة هي روح كل الشعوب المضطهدة ، أما الخيانة و العمالة فتولد في العادة ميتة، لأنها بلا روح .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت