- كتب : محمد بسام جودة
ربما يتسائل القاريء والمتابع عن مغزي هذا العنوان في هذا التوقيت الحساس والدقيق ، لمًا تمر به القضية الفلسطينية من مرحلة تصعيد خطير وممنهج علي يد آلة القتل والبطش والتدمير الاسرائيلية التي تستهدف شعبنا في الضفة الغربية ومدينة القدس والمسجد الأقصي وتسعي لإشعال الأوضاع برمتها وتأجيجها في الوقت الذي يعيش فيه الفلسطينيين أجواء وأيام شهر رمضان المبارك .
إن المتتبع للمشهد القائم و صورة التصعيد الهمجي والمتواصل علي شعبنا منذ شهر ويزيد خاصة بعد العمليات البطولية الأربع في كل من الخضيرة وبئر السبع وبني براك وتل أبيب ، يري أن هذا الاحتلال الجاثم علي صدور أبناء شعبنا منذ 74 عاما ، لا نوايا حقيقية لديه بإتجاه حل الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي ، ولا يوجد علي أجندته وطاولته أي أفق لحل سياسي مرضي ومقبول من الممكن أن يعيد للشعب الفلسطيني حقوقه العادلة والمشروعة بإقامة دولته الفلسطينية وعاصمتها القدس علي حدود الرابع من حزيران عام 1967م ، وبالتالي لم يعد مطروح خيار التسوية السلمية وهو بالطبع خيار مرفوض عند معظم القادة والنخب في اسرائيل ، فهم علي السواء متفقون أنه لا حل سياسي مع الفلسطينيين يمكنهم من استعادة حقوقهم ، وهذا ما صرح ويصرح به قادة حكومات الاحتلال المتعاقبة علي الدوام منذ الانتفاضة الثانية عام 2000 ، وحتي هذه اللحظة .
لكن المشكلة حقيقة ليست في اسرائيل وما يقوله ويخطط له قادتها ووجه احتلالهم القبيح ، وإنما في ما تسمي نفسها قيادة الشعب الفلسطيني ، هذه القيادة التي أثبت فعليا أنها قيادة عاجزة ومنبطحة ومخصية ، بعدما جعل منهم هذا الاحتلال أدوات للتنسيق الأمني وخدم لمشروعه التوسعي والاستيطاني ، مقابل تسهيلات اقتصادية وأمنية ومدنية مرتبطة ببضعة تصاريح للعمال الفلسطينيين و عدد من موافقات لم شمل العائلات الفلسطينية وبعض الامتيازات لقيادة السلطة ، الأمر الذي حول قيادة السلطة من قيادة لسلطة وطنية حقيقية تقود شعبها ومؤسساتها نحو الاستقلال والتحرير إلي قيادة إدارة مدنية تدير الشؤون الحياتية اليومية للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة ، يحركها ويتحكم بها موظفين في مكتب وزير جيش الاحتلال الاسرائيلي بيني غانتس ، وهو ما يدلل أن هذه القيادة باتت سليبة ومكسورة الفعل الوطني وغير قادرة علي المواجهة والانخراط مع شعبها في قيادة دفة المعركة بحكمة وإقتدار وشجاعة والتلحف بصموده وباسلته وقوته إيماناً بحقوقه الوطنية ، لتصبح قيادة منبوذة ومكروهة لدي الفلسطينيين وفاقدة لدورها الحقيقي ، وبالتالي لم تعد تتناسب مع إرادة وتوجهات وتطلعات الشارع الفلسطيني والفعل الوطني ، الذي بات يغرد في واد وتغرد هي في واد آخر .
للأسف الشديد لقد منية الشعب الفلسطيني بقيادات من الدراويش والعجزة و الباحثين عن مصالحهم وامتيازاتهم ، قيادة لا تخجل من مواقفها وسلوكها الانبطاحي والمخزي في ظل ما يقدمه شعبنا من تضحيات ودماء وبطولات وتسجيله لأروع ملاحم النضال المشرفة في الدفاع عن أرضه ومقدساته وعن الانسان الفلسطيني المتواجد في كل شارع وحارة ومخيم ومدينة فلسطينية في الضفة الغربية والقدس المحتلة التي يستباح أطفالها ونسائها وشيوخها وشبابها علي مرأى هذه القيادة العاجزة والانهزامية ، بعدما أسقطت الفعل الوطني المقاوم من قواميسها وخياراتها ولم تعد تمون حتي علي سراويلها .
ففي الوقت الذي بدلاً من أن ترفع فيه هذه القيادة سقفها السياسي، بعد فشل خيار و حل الدولتين ليشمل كل فلسطين ، نجد أن هناك من يلهث ويدافع عن لقاءاته مع الاسرائيليين ويصر أن يعمي بصيرته ويصم أذنيه بحجة التباحث في المسار السياسي وامكانية الحل السلمي الوهمي ، مستغلاً بذلك حالة العجز والضعف والترهل والانقسام التي تعيشها الحالة الوطنية الفلسطينية بمختلف أطيافها وتوجهاتها السياسية ، للسعي وراء محاولة تحقيق طموحاته الوضيعة في قيادة الشعب الفلسطيني ولو علي حساب قضيته الوطنية ، وهو يعلم علم اليقين أنه لا أفق مطلقا لحل سياسي مع حكومة القبضة العسكرية اليمينية المتطرفة في اسرائيل ، وأن كل الاحزاب الصهيونية من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار لم يعد لديها خيار حل الدولتين قائما ، وأن اسرائيل الكبري أصبحت الهدف الذي يصبون إليه ويشمل كل فلسطين والجولان ، وأن المطروح اسرائيليا الآن ليس أكثر من إبقاء الوضع الفلسطيني علي حاله الراهن في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة مع إدخال بعض التحسينات الاقتصادية وما يتكرمون به من فضلات علي شعبنا ويسمونه بالتنازلات المؤلمة .
والسؤال هنا إذن ، لماذا كل هذه اللقاءات وأضغاث الأحلام التي تحاول القيادة المسخ ترويجها في ظل غياب أي أفق أو بصيص أمل للحل السياسي ، و بعدما تم التنازل عن ثلاثة أرباع فلسطين ، مقابل سلطة بلا سلطة ، وضرب اسرائيل بعرض الحائط لكل الاتفاقات الموقعة معها والنتيجة صفر ، بل وأكثر من ذلك تماديها في هضم الحقوق وقضم الاراضي ومواصلة سياسة الاعتداءات والقمع والعدوان الهمجي علي شعبنا ..؟؟
علي كل حال بإعتقادي أننا الآن نشهد نهاية مرحلة وبداية ميلاد مرحلة نضالية جديدة ، صحيح أن هذه المرحلة الجديدة مازالت في بداياتها ، لكن مطلوب كي تستمر الانفصال عن حالة العجز والضعف التي تعيشها القيادة الحالية التي مازالت تراهن على حلول التسوية ، والمضي في انتظار المراهنة علي التغييرات الدولية كي تمنحها حلاً بالحد الأدنى ، لاسيما أن ما يميز المرحلة الجديدة عن سابقتها طبيعة الرموز و الأشخاص التي في أغلبها طلائع شبابية تتقدم الصفوف ولا تعرف معني الخوف والهزيمة، تملأها روح المغامرة والشجاعة والاستعداد للتضحية والايمان بالنصر، وهو ما يشكل نقمة على القيادات العاجزة والحالمة وقوة تحدي جديدة للمحتل ومن يسير في ركبه ، وهي رسالة لجموع الفلسطينيين أنه لم يعد أمامهم أي خيارات سوي تجاوز هذه القيادة الخانعة وتوحيد الهدف بالعودة للعمل علي تحرير كل فلسطين بإستخدام كافة الوسائل والسبل الممكنة والمتاحة .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت