لا مكان للضعفاء في هذا العالم

بقلم: سنية الحسيني

سنية الحسيني.jpg
  • د. سنية الحسيني

رغم عدالة قضيتهم، وحقهم الثابت حد اليقين، لم ينجح الفلسطينيون في تحقيق الحرية التي تطلعوا اليها، وبات الاستقلال يبتعد أكثر يوماً بعد يوم، على الرغم من التنازلات التي قبلوا بها في إطار مسار السلام الذي انخرطوا به، بالاكتفاء ب ٢٢ ٪؜ فقط من أرضهم، وهي تلك التي احتلت عام ١٩٦٧. فجاءت الفكرة التي سوغت لهم، بعد أن تم قمع المقاومة الفلسطينية بقسوة سواء كانت المقاومة المسلحة من خارج فلسطين أم كانت  المقاومة الشعبية من داخلها خلال انتفاضة الحجارة، بأن التوقف عن المطالبة بتحرير كل الاراضي الفلسطينية، والمقصود تلك التي احتلت على يد الجماعات الصهيونية الارهابية عام ١٩٤٨، من شأنه أن يضمن لهم اقامة الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها مدينة القدس. وبعد أكثر من ثلاثة عقود على اتفاق أوسلو، الذي دعمته الولايات المتحدة وحلفاؤها  الأوروبيون، تبين للفلسطينيين أن إسرائيل استغلت تلك المدة، وماطلت في تحقيق استحقاقات السلام، الذي لم تنشده يوماً، من أجل  تغيير الجغرافيا والديمغرافيا في الاراضي الفلسطينية المحتلة، مقدمة لضمها فعلياً بالكامل، واتباعها لحال لتلك الأراضي التي احتلتها عام ١٩٤٨، وإلغاء أي أمل للفلسطينين بالاستقلال وإعلان دولتهم في أي يوم من الأيام. واليوم وبعد أن نجحت إسرائيل بترسيخ واقع جديد في الاراضي الفلسطينية المحتلة، لم يعد أمام الفلسطينيين الا الوقوف جبهة واحدة لمواجهة محتلهم، واسترجاع حقوقهم بالقوة، فالعدالة والحقوق والقرارات الدولية تبقى جامدة غير مفعلة، في عالم لا يعترف الا بلغة القوة.

 

ما نشهده اليوم من اقتحامات المستوطنيين للمسجد الأقصى الذي باركه الله وما حوله، والاعتداء على الفلسطينيين المسلمين العزل داخل بيت الله، وخلال أيام شهر رمضان الفضيل، يعكس واقع حال الفلسطينيين في أرضهم المحتلة. وطالما سوق الاحتلال، من خلال اقتحامات المستوطنين للمسجد الاقصى، بحماية قوات الاحتلال، للتقسيم الزماني لباحات المسجد الاقصى بين الفلسطينيين  والمستوطنين، بعد أن ضمن التقسيم المكاني بالقوة، وذلك باقتطاع حائط البراق عن سياقه الديني والتاريخي، وفرضه مكاناً مقدساً لليهود بالقوة، في ظل ادعاءات دينية متخيلة وتاريخ ملفق، وترويج لحق مزيف. وكانت اللجنة الدولية المعينة من قبل حكومة الانتداب البريطانية بموافقة مجلس عصبة الأمم، والتي جاءت للفصل في مطالبات اليهود بحائط البراق، في أعقاب ثورة البراق عام ١٩٢٩، قد أكدت في تقريرها الصادر مطلع كانون الاول لعام ١٩٣٠، "للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي (البراق)، ولهم وحدهم الحق العيني فيه لكونه يؤلف جزءاً لا يتجزأ من ساحة الحرم الشريف، التي هي من أملاك الوقف، وللمسلمين أيضاً تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط لكونه موقوفاً حسب أحكام الشرع الإسلامي لجهات البر والخير".

 

منازعة الفلسطينيين في أماكنهم المقدسة في القدس والخليل ونابلس ومواقع فلسطينية أخرى، الصورة المصغرة من واقعهم الذي فرضه الاحتلال الاسرائيلي عليهم بالقوة، سواء بعد احتلاله لاراضيهم عام ١٩٦٧، أو بعد توقعيه مع منظمة التحرير على اتفاق أوسلو عام ١٩٩٣.  منذ عام ١٩٦٧، عمل الاحتلال على تغير الواقع الجغرافي والديمغرافي في الأراضي الفلسطينية، ضاربا عرض الحائط بالواقع القانوني لهذه الأراضي، وبأنها أراضي تحت الاحتلال، وسكانها محميون بقواعد اتفاقية جنيف الرابعة لعام ١٩٤٩، التي تحظر هذا النوع من التغيير، مستغلاً دعم العالم الغربي، وخصوصاً الولايات المتحدة، لسياساته واجراءاته، أو تغاضيه عنها. نشر الاحتلال مستوطناته في كافة انحاء الضفة الغربية، والتي باتت عبر السنوات بلدات كبيرة تنافس في مساحتها وعدد سكانها أكبر المدن الفلسطينية. وربط الاحتلال مستوطناته التي تنشر في مجمل أنحاء الضفة الغربية بالمدن الكبري داخل إسرائيل، عبر شبكة طرق ومواصلات ضخمة، خالقاً تواصلا اجبارياً بينها، على حساب الواقع السياسي والقانوني لهذه الأراضي. وزاد الاحتلال عدد المستوطنيين وبشكل ملفت، خصوصاً خلال سنوات أوسلو، ويصر على سياسته بتكثيف عددهم في الضفة الغربية والقدس، في محاولة لجعل أعدادهم متناسبة مع أعداد سكان البلاد الأصليين. وفي تطور آخر، وفي ظل تصاعد اعتداءات المستوطنين المسلحين والمحميين من قبل قوات الاحتلال، باتت حكومة الاحتلال ومؤسساتها ومحاكمها تنعت هجمات المستوطنين واعتداءاتهم وتعديهم على السكان الفلسطينيين بأنه صراع قومي، أي بين جماعتين قوميين، تتنازعان على الارض، كمقدمة لترسيخ مرحلة جديدة من الصراع، تلبي أهدافها الصهيونية، وتعفيها من تحمل مسؤوليات جرائمها المتوقعة القادمة، والتي ستكون بيد هؤلاء المستوطنين بتوجيهاتها.

 

غيرت إسرائيل واقع الاراضي الفلسطينية بعد أن تجبرت على الفلسطينيين، فقتلت الأطفال وتركتهم ينزفون في الشوارع، في مشهد اجرامي لم تشهده البشرية أو الانسانية قط. واغتالت إسرائيل المناضلين وحرمتهم من الحق بالحياة والحق بالمحاكمة العادلة، التي تقرها قواعد القانون الدولي والعدالة. واعتقلت المدافعين عن أرضهم وحقهم من الفلسطينيين، وسلبتهم حريتهم وفق قوانينها واجراءاتها، في خرق واضح لقواعد القانون الدولي الإنساني، ضاربة عرض الحائط بحق الاسرى في الحماية، في ظل احتلال طويل ممتد، الأمر الذي جعل المناضلين الفلسطينيين يقضون جل حياتهم انتظاراً في أقبية السجون، في مشهد عجزت قواعد القانون الدولي الإنساني عن التعامل معه، والتي افترضت سنوات احتلال وبالتالي أسر محدود. وهدمت سلطات الاحتلال البيوت وسلبت الأراضي،  في المناطق التي تطلعت للسيطرة عليها، في مجمل أنحاء الضفة الغربية، مستخدمة الأوامر العسكرية والتشريعات التمييزية والاحكام الظالمة ضد الفلسطينيين. وأطلق الاحتلال مستوطنيه ليعيثوا في الأراض فسادا، لارهاب الفلسطينيين في محاولة للتضييق عليهم بتهديد مصدر رزقهم وأمنهم وتعقيد واقع حياتهم وتضيق حدود مستقبلهم، لاجبارهم في النهاية على الرحيل.

 

لا ظلم يدوم، ولا ظالم يبقى، وليس هناك طريق اليوم أمام الفلسطينيين الا التصدي للمحتل. لقد تجبر الاحتلال على الفلسطينيين واستغل ضعفهم، كما تجاهل العالم حقهم، وعجز القانون عن انصافهم، فالعالم لا ينصف للضعيف، والقانون لا يفعله الا القوي. وليس أمام الفلسطينيين اليوم الا المقاومة التي فرضتها الأديان السماوية وشرعتها قواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، ووضع استراتيجية متعددة الابعاد، تبدأ بانهاء الانقسام وتقاسم العمل الوطني والادوار بين أطياف الشعب الفلسطيني التي قسمها الاحتلال بسياساته، وبالتصدي للمستوطنين وقوات الاحتلال بقوة رادعة لوقف تمددهم واحباط مخططهم وصد تبجحهم بحق الفلسطينيين، وكذلك بتحدي اجراءات الاحتلال بالمقاومة الشعبية والتحشيد الشعبي، الذي يحبط مخططات العدو، كما حصل في المسجد الاقصى ونصب البوابات الالكترونية، بالإضافة إلى استخدام مقاومة الردع في غزة، وأي شكل من أشكال المقاومة التي تكبد الاحتلال الثمن الذي عليه أن يدفعه، وتكاملها جميعا مع المقاومة الإعلامية والسياسية والدبلوماسية والقانونية، التي تحتاج كي تنجح تكافل جميع شرائح الشعب الفلسطيني في جميع أمكان تواجده. وكما أن الاحتلال يفرز أجهزة متعددة وجيش ومؤسسة أمنية وسياسية لتحقيق أهدافه الصهيونية في فلسطين، وجب على الفلسطينيين الان مهمة ووظيفة محددة وهي الحفاظ على بقائهم في أرضهم بكل قواهم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت