- بشرى حفيظ
يعاني الاقتصاد السوري منذ زمن تابعات الحرب التي اندلعت قبل 11 سنة ولا تزال تلقي بظلالها على البنى الاقتصادية السورية ، مع استمرار الصراع الداخلي متبوعة بتداعيات جائحة الكورونا والتي مست هي الاخرى جانبا من جراح الاقتصاد السوري، غير أن الحرب في أوكرانيا والتي اندلعت أواخر شهر فبراير كان لها نصيب كبير في تعميق ازمات الاقتصاد السوري، خاصة مع الاعتماد الكبير على الواردات من روسيا بالإضافة إلى التضخم الكبير جراء الحرب.
تضرر سوريا اليوم من الحرب الأوكرانية ليس من فراغ بل كونها من أفقر الدول في العالم والتي تعاني منذ فترة طويلة من هشاشة البنية حيث يقع 90 بالمئة من السوريين تحت خط الفقر المدقع، بحسب بيانات موقع “World By Map” العالمي، فيما يواجه معظم السوريين العجز عن تأمين مستلزماتهم الأساسية جرّاء ارتفاع الأسعار مقارنة بقلة مصادر الدخل. وانعدام الحلول من النظام.
مشاكل الاقتصاد السوري جراء حرب أوكرانيا
كان من المنطقي أن تصل أصداء الحرب الأوكرانية سريعا إلى سوريا نظرا للارتباطات الاقتصادية الكبيرة التي تجمع روسيا وسوريا بالنظر إلى عشرات الاتفاقيات الموقعة لعشرات السنين بين الطرفين، والتي سلمت سوريا من خلالها أغلب موانئها الحيوية ومنحتها أحقية استخراج النفط والغاز في المياه الاقليمية السورية، مقابل نسبة قليلة تمنحها روسيا لسوريا.
و في خضم الحرب الأوكرانية والتي عادت بعقوبات غربية تلاحق بها الاقتصاد الروسي وتقوض صلاحياته خارج روسيا، فإن استمرار استغلال روسيا للثروات الروسية لن يدم طويلا وهو ما يحتم عليها تقليل النسبة التي كانت تمنحها لسوريا جراء هذا الاستغلال.
وعلى المدى القريب فقد أدى النزاع الأوكراني-الروسي إلى تفاقم الأزمة الحالية في سوريا، لا سيما بسبب تعليق الصفقة بين روسيا وسوريا لاستيراد القمح. وهو ما وضع الحكومة السورية في أزمة توفير هذه المادة الغذائية الأساسية و من المرجح أن يواجه شمال غرب وشمال شرق سوريا مشاكل مماثلة، كعدم القدرة على استيراد كميات كافية من القمح وارتفاع الأسعار. حيث تزوّد السلطات في شمال غرب سوريا المنطقة عادة بالقمح والدقيق المُستورد من تركيا، إلّا أنّ تركيا تستورد 90% من قمحها من أوكرانيا والتي تعاني هي الأخرى من صعوبة في تصدير منتجاتها الزراعية جراء سيطرة قوات الجيش الروسي على أغلب الموانئ التي يتم التصدير من خلالها.
من جهة أخرى تأثر الاقتصاد السوري بعملية التحويلات المالية، بسبب وجود ارتباطات مع مصارف روسية، وسورية، وذلك بعد فرض العقوبات، الأورو أميركية على المصارف وإخراج أكبر المصارف الروسية من نظام سويفت مما خلق صعوبة في اتمام العمليات المالية المترتبة عن صفقات شراء القمح والذرة والاعلاف.
العقوبات الغربية على روسيا أضرت بالاقتصاد السوري أكثر حيث أصبحت روسيا غير قادرة على إقراض النظام، والحال ينطبق على إيران التي تعاني كذلك من تبعات العقوبات أيضا، خصوصا أن القروض التي ستمنح للنظام هي على شكل "هبات"؛ لأن مصادر الثروة السورية مرهونة أساسا للجانبين.
ارتفاع الاسعار وانهيار القدرة الشرائية
مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا قفزت أسعار المنتجات الغذائية والأدوية وباقي السلع الأخرى قفزات كبيرة. ، تراوحت بين 50 بالمئة إلى 100 بالمئة، فغلاء الأسعار انعكس سلبا على حركة الأسواق الداخلية في سوريا، وهو ما ودفع غالبية السوريين إلى شراء حاجياتهم الضرورية فقط والتخلي عن كثير من السلع الثانوية التي يعتبرونها من الكماليات بالنظر إلى عدم القدرة على توفير مستحقاتها.
الخبير علي كنعان، وهو أستاذ اقتصاد في جامعة دمشق يرى أنه هناك عوامل عديدة أدت إلى ارتفاع الأسعار منها الاحتكار وتقليص الحكومة للمواد المستوردة وما يحصل في لبنان أيضا.
وقال في تصريحات صحافية مؤخرا إن “احتكار البعض من التجار والمستوردين للبضائع التي يستوردونها، فضلا عن قيام الحكومة بإصدار قرارات بالحدّ من استيراد السلع، إضافة إلى الوضع في لبنان وتدهور قيمة عملته، أثرت سلبا على الاقتصاد السوري”.
فبحسب وكالة الأناضول وصل سعر لتر الزيت وصل إلى 14500 ليرة (3.75 دولارات)، وكيلوجرام الرز إلى 3500 ليرة (90 سنتا)، والبرغل 4400 ليرة (1.14 دولارا)، و العدس 5000 ليرة (1.3 دولارا)، و هي أسعار مرتفعة جداً مقارنة بدخل المواطن العادي. حيث لا يتجاوز متوسط الرواتب في سوريا 50 دولاراً، ما زاد من المخاوف من وقوع مجاعة في مناطق النظام مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية.
من جهته قال أمين سر جمعية حماية المستهلك، عبد الرزاق حبزة في تصريح صحفي،" إن السوريين أصبحوا يشاهدون المواد الغذائية المعروضة في الأسواق المحلية لا لشرائها". وأضاف “الحالة الشرائية والمتعة بالتسوق شبه منعدمة إلا من رحم ربي بسبب ارتفاع الأسعار".
وإلى جانب ارتفاع الاسعار شهدت العاصمة دمشق أزمة شح خانقة لمادة الغاز وانتشار طوابير الازدحام على منافذ بيع جرار الغاز التي قفز سعر الجرة منها من 20 ألفا إلى 130 ألف ليرة سورية.
حيث كشفت صحيفة الوطن المحلية في تقرير لها أن سعر الغاز المنزلي ارتفع بشكل جنوني، حيث سجل سعر أسطوانة الغاز المنزلي 130ألف ليرة وفي السوق السوداء تباع الاسطوانة بمبلغ 180 ألف ليرة.
قرارات غير صائبة من النظام لإحتواء الوضع
على خلفية الوضع الاقتصادي المتهاوي جراء الحرب الأوكرانية والتي أدت إلى فقدان الليرة السورية المتهالكة أجزاء كبيرة من القيمة الشرائية، مع وصولها إلى مستويات قياسية، علاوة على أسباب اقتصادية تتعلق بارتفاع معدل التضخم وجنون الاسعار والعجز في ميزان المدفوعات، وتدهور الاحتياطات الأجنبية،
حاول النظام السوري احتواء الوضع بإصدار مجموعة من القرارات حيث أعلنت حكومة النظام السوري عن خطة لتوجيه الإنفاق، تتضمن تعزيز المخازن من السلع والمشتقات النفطية والأدوية، وتشديد الرقابة على سعر الصرف، إلى جانب وقف تصدير عدد من المواد الغذائية الأساسية لمدة شهرين؛ بهدف تأمين حاجة السوق المحلية منها بأسعار وجودة مناسبة. بالضافة إلى إصدار فئة نقدية بقيمة 5 آلاف ليرة وطباعة المزيد من العملة المحلية. و إزالة الدعم عن شريحة من السوريين بالإضافة الى إجراءات اخرى متعلقة بالحوالات.
ويرى الخبراء الاقتصاديون أن تلك القرارات التي كان آخرها فرض تسديد 15 بالمئة من القيمة الرائجة للعـقــار بموجب حوالة مصرفية، وما يصل حتى 20 مليون ليرة سورية بالنسبة للمركبات حسب سنة وموديل التصنيع، عبارة عن قرارات تعسفية ستكون لها عواقب وخيمة على الليرة السورية في قادم الأيام.
وضمن هذا السياق، قال الخبير المالي والاقتصادي “عمار يوسف” في حديث لصحيفة “الوطن” المحلية إن القرارات آنفة الذكر غير صائبة وغير منطقية.
وأفاد أن القرارات الصادرة عن النظام تسعى إلى سحب أكبر قدر من السيولة التي يملكها المواطنون من أجل الحفاظ على سعر صرف الدولار ثابتاً.
ورأى الخبير الاقتصادي محمد حاج بكري، أن النظام السوري بحاجة إلى المزيد من النقد، إذ "باتت طباعة العملة الخيار الوحيد المتاح أمام النظام لدفع الرواتب وغيرها من المصاريف التشغيلية".
تبادل الاتهامات بين التجار والنظام
في خضم هذه الأزمة الاقتصادية الخانقة والتي يدفع ثمنها المواطن السوري البسيط، تتضارب تصريحات المسؤولين السوريين حول الأسباب الحقيقية لارتفاع الأسعار، إذ تتهم حكومة النظام التجار بالاحتكار المواد الغذائية ورفع أسعارها. نافية أن يكون الارتفاع بسبب الحرب الأوكرانية .
وفي هذا الصدد قال وزير التجارة في الحكومة عمرو سالم، والذي أحال سبب التأثر السريع بالأزمة إلى التجار السوريين الذين "رفعوا الأسعار وخزنوا المواد".
بينما يتهم التجار وأصحاب المحلات الحكومة بالوقوف وراء الغلاء، ويعتبرون أن الارتفاع الأخير من تداعيات “الغزو” الروسي لأوكرانيا، وقرار إزالة الدعم عن شريحة من السوريين، والقرارات الحكومية الغير صائبة والتي فاقمن من حدة الأزمة وأدت إلى التهاب الأسعار أكثر مما كان متوقعا.
ووفق آخر الأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء، فقد بلغ معدل التضخم في سوريا أكثر 163 في المئة في 2020. ومن المتوقع أن يزيد بواقع 12 في المئة هذا العام ونحو 10 في المئة خلال العام المقبل.
ويعزو محلل الاقتصاد السياسي غسان يوسف الارتفاع الجنوني للأسعار إلى العقوبات الاقتصادية الغربية إضافة إلى تدهور سعر صرف العملة المحلية الذي سيؤدي إلى نمو التضخم بعدما وصل سعر صرف الدولار في السوق السوداء الأحد إلى 3965 ليرة.
ولكن ذلك ليس كل شيء فالخبير علي كنعان، وهو أستاذ اقتصاد في جامعة دمشق يرى أن ثمة عدة عوامل متداخلة أثرت على الأسعار منها الاحتكار وتقليص الحكومة للاستيراد وما يحصل في لبنان أيضا.
وقال في تصريحات صحافية مؤخرا إن “احتكار البعض من التجار والمستوردين للبضائع التي يستوردونها، فضلا عن قيام الحكومة بإصدار قرارات بالحدّ من استيراد السلع، إضافة إلى الوضع في لبنان وتدهور قيمة عملته، أثرت سلبا على الاقتصاد السوري”.
وتزامناً مع ارتفاع الأسعار فقدت الليرة السورية نحو 10 بالمئة من قيمتها لتلامس حاجز الـ 4000 ليرة سورية لكل دولار.
ولا يتجاوز متوسط الرواتب في سوريا 50 دولاراً، ما زاد من المخاوف من وقوع مجاعة في مناطق النظام مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية.
ومنذ بدء التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، ارتفعت أسعار المواد الأساسية في مناطق النظام بشكل كبير، تراوحت بين 50 بالمئة إلى 100 بالمئة.
وأفاد يحيى السيد عمر رئيس مركز "ترندز" للدراسات الاقتصادية، بأن الحرب الروسية الأوكرانية تركت آثارها الاقتصادية على مختلف دول العالم، على مستوى الطاقة والمواد الغذائية الرئيسة وغيرها.
"بعض السلع ارتفعت أسعارها بنسبة 100 بالمئة كالزيت النباتي والقمح والبرغل وغيرها، وهذه المواد تعد رئيسة لا سيما في شهر رمضان".
من المرجح أن يؤدي النزاع الأوكراني-الروسي إلى تفاقم الأزمة الحالية في سوريا، لا سيما بسبب تعليق الصفقة بين روسيا وسوريا لاستيراد القمح. في 24 فبراير/شباط، أقرّت الحكومة السورية إجراءات لتخفيف التداعيات الاقتصادية للنزاع على سوريا، مثل ارتفاع أسعار الوقود ونقص المواد الغذائية الأساسية وغيرها من السلع. على سبيل المثال، اعتمدت السلطات تدابير لتوزيع حصص من السلع الغذائية، بما في ذلك القمح والوقود. كما التزمت بإعطاء الأولوية لتمويل واردات القمح.
من المرجح أن يواجه شمال غرب وشمال شرق سوريا مشاكل مماثلة، كعدم القدرة على استيراد كميات كافية من القمح وارتفاع الأسعار. تزوّد السلطات في شمال غرب سوريا المنطقة عادة بالقمح والدقيق المُستورد من تركيا، إلّا أنّ تركيا تستورد 90% من قمحها من أوكرانيا.
يشار إلى أن الليرة السورية المتهالكة فقدت أجزاء كبيرة من القيمة الشرائية، مع وصولها إلى مستويات قياسية تزايدت على خلفية إصدار فئة نقدية بقيمة 5 آلاف ليرة، علاوة على أسباب اقتصادية تتعلق بارتفاع معدل التضخم والعجز في ميزان المدفوعات، وتدهور الاحتياطات الأجنبية، فضلاً عن قرارات النظام التي فاقمت الوضع المعيشي، وأدت إلى تضاعفت أسعار المواد الأساسية.
وحذر خبراء في مجال الاقتصاد من استمرار حكـ.ـومة البلاد بإصدار قرارات تصب في صالح سياسة تجفيف السيولة من أجل ضبط سعر صرف الليرة السورية قدر الإمكان وعدم السماح بانخفاضها بشكل مفاجئ وسريع
ويرى الخبراء أن تلك القرارات التي كان آخرها فرض تسديد 15 بالمئة من القيمة الرائجة للعـ.ـقـ.ـار بموجب حوالة مصرفية، وما يصل حتى 20 مليون ليرة سورية بالنسبة للمركبات حسب سنة وموديل التصنيع، عبارة عن قرارات تعسفية ستكون لها عواقب وخيمة على الليرة السورية في قادم الأيام.
وضمن هذا السياق، قال الخبير المالي والاقتصادي “عمار يوسف” في حديث لصحيفة “الوطن” المحلية إن القرارات آنفة الذكر غير صائبة وغير منطقية.
وأوضح أن القرارات تهدف إلى سحب أكبر قدر من السيولة التي يملكها المواطنون من أجل الحفاظ على سعر صرف الدولار ثابتاً.
وتتضارب تصريحات المسؤولين السوريين حول مشكلة ارتفاع الأسعار، إذ تتهم حكومة النظام التجار بالاحتكار ورفع الأسعار، بينما يتهم مسؤولون الحكومة بالوقوف وراء الغلاء، ويعتبرون أن الارتفاع الأخير من تداعيات “الغزو” الروسي لأوكرانيا، وقرار إزالة الدعم عن شريحة من السوريين، فيما يعتبر آخرون أن الغلاء سببه اقتراب شهر رمضان.
وتتصدّر سوريا قائمة الدول الأكثر فقرًا بالعالم، وتصل نسبة من يعانون الفقر من السكان إلى 82.5%، بحسب بيانات موقع “World By Map” العالمي، فيما يواجه معظم السوريين العجز عن تأمين مستلزماتهم الأساسية جرّاء ارتفاع الأسعار مقارنة بقلة مصادر الدخل.
ورأى الخبير الاقتصادي محمد حاج بكري، أن النظام السوري بحاجة إلى المزيد من النقد، إذ "باتت طباعة العملة الخيار الوحيد المتاح أمام النظام لدفع الرواتب وغيرها من المصاريف التشغيلية".
وقال في حديث خاص لـ"عربي21"؛ إن النظام فشل ببيع سندات الخزينة نتيجة عدم الإقبال عليها، وهو لا يستطيع كذلك الاقتراض من الخارج، وخصوصا من روسيا وإيران.
أعلنت حكومة النظام السوري عن خطة لتوجيه الإنفاق، تتضمن تعزيز المخازين من السلع والمشتقات النفطية والأدوية، وتشديد الرقابة على سعر الصرف، إلى جانب وقف تصدير عدد من المواد الغذائية الأساسية لمدة شهرين؛ بهدف تأمين حاجة السوق المحلية منها بأسعار وجودة مناسبة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت