- محمـد علوش *
لم تكن والدة كريم يونس مجرد أم.
هي الأم والأيقونة، وهي الأسطورة
عناة
التي انتظرت كريمها أربعين عاماً
وهو الحر الأسير في أغلال القيد، وفي ظلمة الزنزانة.
هذه الأم الفلسطينية الثابتة والعملاقة التي عانت ويلات وغربة السجون، ببعد ابنها عنها، وهو رهن الاعتقال – الأسر – الاختطاف في سجون ومعتقلات الاحتلال الارهابي، والذي عرفته كل السجون وعرفه جميع الأسير على مدار أربعة عقود، ليكون بذلك أطول اعتقال عبر التاريخ لأسير عالمي عربي فلسطيني على مستوى العالم، أمام صمت وعهر المؤسسات الدولية العاجزة عن القيام بواجباتها الانسانية والقانونية اتجاه أسرى الحرية في سجون ومعتقلات الاحتلال.
أربعون عاماً والحاجة صبحية وهبي يونس ( أم عميد الأسرى) تنتظر، وتنتظر، ودولة الاحتلال تواصل عنصريتها وعدوانيتها وحرمان والدة الأسير من احتضان ابنها وفلذة كبدها .
هي الأم الفلسطينية الصامدة، من وادي عارة، ويا طلة خيولنا من وادي عارة، ويا تفتح المواسم في عرعرة الصمود والاباء والثبات .
كانت أمك يا كريمُ متحفزةً كالصبار
تخفي بوريدها أشواك الوجع
لم يكن بحراً،
ولكن النهر رغيفها المدلل
لم تكن يابسة،
ولكن أشجار الصنوبر تتعالى في كفيها
لم تكن سماء،
ولكن ألف نجمٍ يقبل سجادتها
لم يكن ليلٌ
ولكن القمر يلتقط زجاجات النور من حدائق أنفاسها
لم يكن شيء
ولكن مشيئة قلبها الوثير،
أخرجت السماء والأرض من غيبوبة النعاس
وأرسلت عربات الأيائل
إلى مجرات المسرة
أمي وأمك،
توقظان الحدائق كل صباح
تعلقان قنديل النهار على شجر الخبز
وفوق سقوف التجلي
في هامات شقائق النعمان
أدخلتني في طقوس الغيم
وفي مقام السنديان
أشق الحلم رغيفاً
يكسر جوعي وشوقي
شفافاً كزجاجٍ شتوي
أسافر في عيونها إلى فضاء المولد
أطفئ غضب العتمة
وانكسارات روحي المعذبة
على جدار النسيان
وتحملني جنيّة الريح بعيداً
ألوذ بصمتٍ بجراحي النّدية
وما تبقى من عمر الوردة المشتهاة
فأمي، وأمك
سمائي
ونجمة الميلاد
وانبعاث رمادي في عيون المستحيل
أحبك جداً
أحبك دوماً
أحبك قدراً
كحلاوة التوت
وهديل النجمة
أحبك يا أم كريم
أحبك يا أمي
لأصلب متاهة الصحراء
لأحطم العتمة
لأجر الخيمة ومن وخزها
لأدخل البحر في قائمة أصدقائي
ولأدعو النهر إلى شبابة فجري
ولأصير حضارة الماء
أنا الماء
فهل ينفصل النهر عن أمه الغيمة ؟
عضو المكتب السياسي لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت