- جهاد حرب
أثارت نتائج انتخابات مجلس طلبة جامعة بيرزيت الكثير من النقاش المجتمعي والتحليل النخبوي في أوساط العاصمة المؤقتة، وبدت ارتداداتها المباشرة على المحيط الجغرافي للجامعة أي على أركان تنظيم حركة فتح في محافظة رام الله والبيرة. أحسن فعلاً أمين سر لجنة الإقليم وبعض أعضائها بتقديم استقالتهم بحكم مسؤولية الموقع التنظيمي لهم، ودعوة أمين سرها لتشكيل لجنة تحقيق للمراجعة وتحمل المسؤولية؛ وهي سابقة تستحق التقدير.
في ظني الأهم في هذه المسألة استخلاص العبر والدروس من خلال تحليل السلوك الانتخابي للطلبة في جامعة بيرزيت وتفسيره بالوقوف على العوامل الدافعة لهذا السلوك سواء تلك المحيطة بالعمل الطلابي، أي الظرف الموضوعي، أو العوامل الداخلية، أي الظرف الذاتي، لحركة الشبيبة في الجامعة ذاتها من جهة، وتحمل المسؤولية عن الإخفاق الواضح في هذه الانتخابات للأشخاص والهيئات على قاعدة المسؤولية وقدرها؛ بهدف التصويب والتصحيح والتقويم وليس الانتقام وتعميق الفشل وخلق الشرذمة. لذلك هذا التحقيق أو تقصي الحقائق يتطلب توسيع قاعدة البحث من جوانب مختلفة كمجال علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي وعلم السياسة والإدارة، وعدم اقتصارها على الجوانب الشكلية المعتادة على قرارات إدارية أو سلوك فردي هنا أو هناك. وذلك لتوسيع الفهم في التحولات التي جرت في طبيعة السلوك المجتمع الفلسطيني بخاصة الشباب منه وطلبة جامعة بيرزيت على وجه الخصوص، أي الانتقال من التحليل إلى التفسير.
إن المساءلة هنا لا تقتصر على سلوك أفرادٍ بل تشمل الجماعات والكيانات الداخلية في الكتلة الطلابية التابعة لحركة فتح، وتلك الخارجية المؤثرة في سلوك الطلاب كالحكومة والأجهزة الأمنية والأطر التنظيمية القيادية لحركة فتح المؤثرة في البلاد. في ظني أن السلوك الانتخابي "التصويت" لدى طلبة جامعة بيرزيت لا يمكن عزله عن الظرف الموضوعي سواء ضعف الحكومة ورئيسها في معالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية أو وعود بالجملة لا تنفذ، وضيق الحريات العامة وقمعها وبخاصة بعد مقتل الناشط السياسي نزار بنات، التي لها ارتدادات واسعة على بنية التفكير السياسي للمواطنين الفلسطينيين وفي خلق ندوب واسعة لها تأثير عميق على مكانة الحزب الحاكم لديهم، أو أولئك الذي وضعوا حركة فتح في مواجهة الشعب للدفاع عن أخطاء اقترفها البعض في أجهزة الحكم، أو غياب المسؤولية الحزبية عن التنشئة السياسية القائمة على الفكر ومبادئ الحركة الأم، أو سياسة الولاء للأفراد أو أجهزة أو تقسيمات جغرافية نافية للمصلحة العامة للحركة. ناهيك عن أفعال القيادة السياسية (في الضفة والقطاع) وقدرتها على التأثير في واقع ومستقبل البلاد أو انخراطها في الهمّ العام أو انعزالها.
أما العوامل الذاتية فهي تحتاج إلى فحص وتدقيق وتحقيق واستبصار العلل القائمة سواء في بنية الكتلة الطلابية ودمقرطتتها أو سلوكها الداخلي أو مع مجموع الطلبة، وأولوياتها في معالجة احتياجات الطلبة الجامعيين وتعبر عنه وانخراطها في العمل النقابي، والتحصيل الأكاديمي لقيادتها باعتبارهم نماذج لقادة المستقبل والتغيير وعناوينها.
ناهيك عن العوامل القائمة على طبيعة الشباب كفئة عمرية تمتاز بالتحدي والتمرد كنمط سلوك؛ لتمييزهم عن الفئات العمرية الأخرى من ناحية، والاعتراض على سوء الأوضاع العامة بما فيها التمييز وضعف السياسات العادلة أو العدالة الاجتماعية من ناحية ثانية، والمعارضة السياسية للحزب الحاكم من ناحية ثالثة، وطوقهم للتغيير وسعيهم لبناء حيزهم الخاص بفتح آفاق مستقبلهم ورسمه.
لا أزعم أنني أطرح جميع الأسباب أو العوامل التي أدت إلى الخسارة المدوية لقائمة حركة فتح الطلابية في جامعة بيرزيت أو أدعي أن ما تم ذكره من عوامل ذاتية وموضوعية مكتمل أو أنه حقيقة مسلم بها، إنما هذه الظاهرة تحتاج إلى تمحيصٍ وتدقيقٍ وتحقيقٍ بكيفيّات الوقائع وأدقّ الحقائق، وإلى نظرٍعميق بأسبابها وعللها، وفقا لمنهج ابن خلدون لفهم الظواهر الاجتماعية وتحليل الأحداث التاريخية لطبيعتها المعقدة والعوامل المتداخلة في تكوينها والتأثير فيها، لفهم نتائج الانتخابات الطلابية في جامعة بيرزيت واستخلاص العبر وتجنب تكرار مثل هكذا نتائج في انتخابات أخرى، وإعادة التوازن لحزب جماهيري يقود الحركة الوطنية ويوازن أعمدتها وصانع ثورتها المعاصرة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت