- د. خالد معالي
حركة ونشاط، يتبعها تغيير، هكذا يعمر الكون، كونه لا يقبل السكون، ولا يقبل بالضعفاء المتحوصلين والمتقوقعين في كهفهم، رافضين الخروج منه، ورؤية فضاء المحيط، فكل نشاط وعمل سياسي يجري في الضفة الغربية؛ يجري تحليل مكوناته بشكل علمي من قبل أطراف عديدة – محلية وخارجية – متربصة أو مؤيدة، لانعكاساته وتأثيراته على المحيط، فالحديث هنا يدور عن شريحة مميزة، ولها خصوصيتها المختلفة عن الشرائح الأخرى، وقابلة للقياس، من مدن وقرى الضفة الغربية.
نحن بدورنا ندلي بدلونا هنا، علنا نستطيع تحليل ما حصل، أو جزء منه على الأقل، فما حصل في جامعة بيرزيت عام 2022، من تقدم غير متوقع بهذا الحجم لحماس على فتح وحصولها على 28 مقعدا من أصل 51؛ وحصول فتح على 18 مقعدا، وحصول الجبهة الشعبية على 5 مقاعد، فان النتائج تشير لدلالات ومتغيرات عديدة؛ لا يمكن القفز عنها لخصوصية المرحلة الحرجة والمعقدة.
بداية؛ تسجل جامعة بيرزيت نموذج راق في تكريس مبادئ الديمقراطية ومبدأ التداول السلمي للسلطة؛ بدل صناديق الرصاص كما يجري بدول عربية، وهو ما يسجل أيضا لكل القوى والتي قبلت النتيجة وتحترمها لاحقا، والكل يراقب ويتابع ويقيم.
الجيل الجديد بعمر 19- 20 عاما، توجه بغالبيته لحماس، وهو ما يعني أن هناك ما دفعه لذلك، فتوفر التقنية والانترنت، ومواقع التواصل، جعل من السهولة معرفة حقيقة أي حدث وخبر، بكبسة على زر البحث، ومقارنة الأحداث والمواقف والدعايات، ولذلك هذا الجيل يبدو مختلف جدا عن سابقيه في معرفة حقيقة الأمور كما هي.
علميا؛ فان الانجاز هو الحكم على الأشياء والحوادث؛ ومن هنا كان لسؤال أين الانجاز؟! هو ما تسبب بعدم فوز فتح، فلا يوجد تقدم سياسي على مستوى القضية الفلسطينية طوال عمر "اوسلو" ال 28 عاما والذي كان يفترض أن يقيم دولة فلسطينية بحسب مروجوه، واقيم مكانه دولة للمستوطنين يعربدون ويسرقون الأرض جهارا نهارا.
على المستوى الاقتصادي ما زلات الأسعار بارتفاع مضطرد، ولا يوجد ما يشير لتحسن اقتصادي، حتى أن رواتب الموظفين باتت تؤثر فيها الأوضاع المادية للسلطة، عدا عن إضراب المعلمين، وغيره الكثير.
قد يقول قائل عرفنا الجزء الكثير الفاضي من الكأس، والكل يعرفه، لكن أين الجزء المليان؟ وهنا يحتار المرء في معرفة هذا الجزء، فلو كان هناك جزء مليان يغري الجمهور لما اختاروا البديل عن رؤى وبرامج حركة فتح والسلطة في العينة، هنا.
مناظر الشبيبة في جامعة بيرزيت، قال انه يجب الفصل بين السلطة وحركة فتح، وكأنه يقر بشكل غير مباشر بوجود تقصير، وهذه صعبة جدا لان نفس كوادر فتح هم من يديرون السلطة، ولذلك جمهور الطلبة وجد صعوبة في الفصل.
ما جلب لحماس التعاطف الكبير من قبل جمهور الطلبة الذي يتمتع بمزاج حساس؛ ليس دعاية انتخابية، ولا أحداث طارئة، بل تراكم في وعي الطلبة أدى لهذه النتيجة الصادمة، والتي لم يسبق لها مثيل، فلا ينسى جمهور الطلبة قبل عام، كيف دقت صواريخ غزة قلب الكيان، ولا ينسى الاعتقالات المتواصلة، والوعي الجمعي الفلسطيني لا يقبل المس بحالة الأسرى، كونها حالة من الثوابت، ولذلك لم يوفق، من قال أن الاعتقال لكوادر الكتلة الإسلامية هو للتلميع.
المؤشر السياسي لما حدث في جامعة بيرزيت؛ يعتبر مقياسا ومؤشرا نوعيا لقبول خيار حماس وما يعني من نهج سياسي يعتمد على إستراتيجية المقاومة؛ كون استراتيجة التفاوض افضت لمزيد من التراجع في الحالة الفلسطينية، واصلا شعب واقع تحت احتلال، لا يعقل ان يقبل بالذل والعار والشنار مهما بلغت درجة كي الوعي ضده.
جامعة بيرزيت تتجاذبها مختلف أطياف الشعب الفلسطيني بحالة من التعددية النادرة في تفاعلها وليس فقط في وجودها، ورغم أن الجامعة كانت تعد من قبل معقلا تقليديا لمنظمة التحرير الفلسطينية و لحركة فتح واليسار تحديدا ، فقد كان الملاحظ منذ التسوية ومجرياتها تراجع حصة حركة فتح فيها بانتظام وفي كل انتخابات لصالح الكتلة الإسلامية.
في المحصلة؛ هكذا نتائج تحتم على حركة فتح مراجعة خياراتها، وإعادة التقييم العلمي البعيد عن التعصب؛ فالنتائج ليس نهاية المطاف؛ فالمقاومة التي كانت سبب خسارتها؛ يمكن أن تكون هي سبب فوزها في الانتخابات القادمة؛ إن تمت العودة لخيار المقاومة بدل "اوسلو" الذي أنهك شعبنا وجعل حركة فتح تتراجع وقد يعمل على تلاشيها نهائيا،؛ رغم أنها قادت النضال الفلسطيني والمقاومة لسنين طوال كانت وقتها ترعب الاحتلال بعملياتها البطولية وتحوز على ثقة الشعب، فهل تفعلها فتح؟!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت