يصدر في الأيام القليلة القادمة، كتاب جديد، للأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، نايف حواتمة، يحمل عنوان «فلسطين في عيون مغاربية».
ولهذا الكتاب أكثر من ميزة، يستمد منها أهميته، منها:
1) أنه يضم بين دفتيه حوارات فكرية ونضالية وسياسية مع نايف حواتمة الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، أجريت معه في مدينتي الرباط والدار البيضاء المغربيتين، وفي الجزائر العاصمة، كان من الطبيعي أن تضيء على الهم الفلسطيني، وهو أحد أكبر الهموم لدى الشعبين الشقيقين، في المغرب والجزائر، وأن تضيء في الوقت نفسه، على الحالة العربية الإقليمية، منظوراً إليها، هذه المرة، من غرب المتوسط، وضفاف الأطلسي، بما هي جغرافية سياسية محورية، تطل على جنوب أوروبا، من جهة، وعلى الداخل الإفريقي من جهة أخرى، كما تهب عليها رياح الأطلسي بما تحمله من سياسات أميركية، لها أثرها البارز على أوضاع المنطقة.
2) كما يضم هذا الكتاب كلمة نايف حواتمة في افتتاح أعمال المؤتمر التاسع لحزب التقدم والاشتراكية، أحد الأحزاب الرئيسية والفاعلة في المغرب الشقيق. وهي الكلمة التي – كما شهدت بذلك صحافة المغرب ومنها مجلة «نوافذ» - حرص الوزير المغربي الأول بنكيران، على الاستماع لها بعد أن كان قد عزم على مغادرة حفل الافتتاح، ملغياً بذلك ارتباطاته لصالح الكلمة. وهي الكلمة التي أثارت العديد من القضايا، وفتحت العديد من الملفات الكبرى، الخاصة بعالمنا العربي، بجناحيه المشرقي والمغاربي، والتي أثارت اهتمام أعضاء المؤتمر، وضيوفه، بحيث تحول إلى تظاهرة سياسية أحاطت بحواتمة، وندوة مفتوحة، استكمل خلالها ما حال ضيق الوقت عن شرحه.
3) وإذا ما راجعنا الحوار المطول الذي أجراه عبد المجيد السخيري مع حواتمة، ونشرته مجلة «نوافذ» كاملاً، نلاحظ بسهولة الرؤية الثاقبة التي نظر عبرها حواتمة إلى الحالة الفلسطينية آنذاك (2015) بعد أن تشكلت حكومة الدكتور رامي الحمد لله، في السلطة الفلسطينية، بنظام المحاصصة والتقاسم الفصائلي السلطوي بين حركتي فتح وحماس.
ونرى كيف استشرف حواتمة أن حكومة الحمد لله، التي جاءت لتطبيق ما تم التوافق عليه في اتفاق الشاطئ (غزة نيسان/ إبريل/ 2014) لن تنجح في إنجاز المطلوب بتنظيم انتخابات تشريعية، تؤدي إلى توحيد المؤسسات في السلطة الفلسطينية، واستعادة الوحدة الداخلية، وإنهاء الانقسام بين طرفيه (فتح وحماس).
فهي حكومة، كما رآها حواتمة، نتاجاً لحالة انقسامية سقف ما يمكن أن تصل إليه هو تعايشها مع الانقسام وليس حله، وبالتالي فهي حكومة معرضة في كل لحظة للانفجار. ولعل «العبوة» التي زرعت في طريق موكب رئيس الحكومة في زيارته إلى قطاع غزة، كانت هي عامل التفجير لاتفاق الشاطئ، وعملية التعرية التي كشفت ملامح ضعف حكومة الحمد لله وعناصره.
4) تزامن الحوار مع حواتمة، مع الزميل عبد المجيد السخيري، مع ما شهده المغرب الشقيق من تطورات، تحت تأثير رياح التغيير التي هبت على المنطقة العربية. فكان الحوار معنياً بالإضاءة بكثافة على أوضاع المغرب الداخلية، ومسار الحالة السياسية والحزبية والجماهيرية فيه، وكذلك على مجموع الحالة العربية، التي كان «ربيعها»، كما قال حواتمة، «قصيراً» ولم يدم طويلاً، بفعل حالة التصحر التي حكمت المنطقة سياسياً وثقافياً وعلمياً لمدد طويلة وعقود عديدة، فغلبت السلطات ونخبها المختلفة، «النقل على العقل»، وأبقت الحالة العربية أسيرة التخلف عن الركب العلمي في العالم. وهو أمر ما زال راهناً.
ولا يتوقف حواتمة في حواراته، أحاديثه ومحاضراته، وكتاباته، عن التصدي له بشجاعة القائد السياسي، وشجاعة المثقف، الذي لا يفصل بين السياسة والثقافة، وبين السياسي والمثقف، والذي يرهن هوية المثقف بهويته السياسية ومدى قدرته على دفع السياسة نحو الحداثة والتطور، وسيادة الديمقراطية وحرية الرأي، وبناء دولة المواطنة، ونظام العدالة الاجتماعية.
5) مما لا شك فيه أن الحوار العميق والشيّق الذي أداره الدكتور أحمد الحارثي رئيس تحرير دورية «نوافذ» المغربية، مع حواتمة، يشكل، في هذا الكتاب، مادة عميقة الثراء، فهو حوار بين قائد سياسي فلسطيني، وبين ناشط سياسي مغربي، يجمعهما الانتماء إلى الفكر اليساري بطابعه الديمقراطي ونزعته الثورية، وحرصه الدائم على مغادرة القوالب الجامدة، والبحث دوماً عما هو جديد في الحياة. فالحياة حالة متجددة، لا تقف عند حدود معينة في هذا التجدد، وهو ما أكده حواتمة والصديق الحارثي، على صفحات هذا الكتاب.
6) لكي تكتمل الصورة، وللربط بين عامي 2015 – 2021، يضم الكتاب حواراً مطولاً مع حواتمة، أجرته معه صحيفة «الوسيط المغاربي» الجزائرية، التي كما هو معلوم، تبدي اهتماماً مميزاً بالقضية الفلسطينية، تعكس من خلاله عمق اهتمام الشعب الجزائري الشقيق بفلسطين وشعبها وحقوقه الوطنية.
حوار طرق العديد من الأبواب، بلغة جريئة، قدمت الجديد، إن في تحليلها العملي والعميق للحالة الفلسطينية، أو للنظام السياسي الفلسطيني الذي يرى فيه حواتمة نظاماً أخفق في توفير الغطاء السياسي لمسيرة النضال لشعب فلسطين، وقدم حواتمة في السياق رؤيته ورؤية الجبهة الديمقراطية لإصلاح هذا النظام، وإعادة بنائه على أسس ديمقراطية ائتلافية، تستعيد قيم ومعايير حركات التحرر الوطني في العالم، والتي تأسست على مدار النضال الوطني في العقود السابقة، وانهارت هذه القيم مع ولادة اتفاق أوسلو والالتحاق بنظام التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال.
7) أخيراً، وليس آخراً، يضم الكتاب مشهداً شاملاً عن لقاءات وحوارات بين حواتمة والصف العريض للقوى السياسية المغربية على اختلاف اتجاهاتها. يعكس طبيعة العلاقة التي تربط بين القوى السياسية والحزبية والمجتمعية المغربية، وبين حواتمة، منذ ما قبل انطلاقة الجبهة الديمقراطية، حين كان حواتمة أحد القادة البارزين للتيار الديمقراطي في حركة القوميين العرب، يقدم نفسه في مجلة «الحرية» إلى الحالة العربية، ويقدم رؤاه السياسية التي قدمت في ظل أزمة النظام العربي، خاصة بعد هزيمته في الحرب العدوانية في حزيران/ يونيو 1967، البديل الثوري، والذي شق طريقه في ولادة صف واسع من أحزاب اليسار الاشتراكي العلمي العربي الجديد، وفي المقدمة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
■ ■ ■
كتاب، لا تقف وظيفته عند حدود التوثيق (على أهمية ذلك)، بل تمتد إلى الإسهام العملي في تنشيط عملية التنوير، ونشر الفكر الحداثي، ومكافحة التخلف، وسياسة «النقل بدلاً من العقل» وإحداث انقلاب في المعادلة، بحيث يصبح «العقل» هو الدليل، بعيداً عن كل أشكال النقل المعلب فكرياً.
والكتاب سيصدر في ثماني طبعات، في كل من بيروت، ورام الله، وغزة، وعمان، والجزائر، وتونس، والمغرب، فضلاً عن دمشق.
وهو من إصدار «الدار الوطنية الجديدة»، و«الفرات» للنشر والتوزيع، وشركة «دار التقدم العربي» للصحافة والطباعة والنشر. وهو من 165 صفحة من القطع الوسط ■