إسرائيل ولعبة إدارة الصراع مع الفلسطينيين

بقلم: علي ابوحبله

علي ابوحبله.webp
  • المحامي علي ابوحبله

مفهوم الصراع مع إسرائيل أبعد من الانتخابات ومن تحقيق الفوز لهذا التنظيم أو ذاك او تحقيق مكسب أو مغنم هنا أو هناك في ظل استمرار الاحتلال وتوغل الاحتلال في الاستمرار في مشاريع الاستيطان والتهويد ، دون أدنى شك  «إسرائيل» هي المستفيد الأول والأكبر من حالة الانقسام الفلسطيني ومن التمزق والصراع بين التنظيم الواحد  والخلافات الحادة التي تعيشها الساحة الفلسطينية منذ أن تفجر الصراع الدموي بين حركتي «فتح» و«حماس» إثر قيام الأخيرة بتنفيذ انقلابها العسكري على السلطة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة عام 2008 وتحويل القطاع إلى مقاطعة تحت حكم وقيادة حركة حماس ومع استفادة «إسرائيل» من هذا الوضع يمكن القول أن الكيان الصهيوني نجح في مخطط فلسلطنة الصراع ،  إن الكيان الصهيوني نجح في تأجيج الخلافات الفلسطينية وتكريس الانقسام الفلسطيني من خلال سياسة الاحتواء المزدوج التي يطبقها والتي لعبت دورا فعالا في تأزيم الوضع الداخلي الفلسطيني وأسهمت في سد العديد من الطرق والمحاولات التي سعت دول عربيه وإقليميه في جهود الوساطة لإنهاء الانقسام

السلام الإسرائيلي ينطلق من مصالح إسرائيلية فقط ويبنى على أساس إضعاف الشعب الفلسطيني من خلال تفكك المنظومة السياسية  والحصول على اعتراف فلسطيني بسلام يضمن لإسرائيل كل مطالبها كاملة ، ورؤية إسرائيل للسلام ينطلق من مفهوم يضمن             لإسرائيل كل مطالبها كاملة: أكبر مساحة من الأرض يسكن عليها كل اليهود في فلسطين التاريخية واعتراف فلسطيني بيهودية الدولة، ودولة الشعب اليهودي، والتفوق الإثني مقابل دونية الفلسطينيين في وطنهم، مع إبقاء نصفهم وللأبد خارج هذا الوطن.

وعلى الرغم أن هنالك الكثير من المحللين الذين لا زالوا يتطرقون لاتفاقيات أوسلو وما تبعها من تفاهمات باعتبارها الركن الأساس في أية عملية سلام أو اتفاق تاريخي بين الطرفين، لكن من الواضح أن الحالة السياسية الإسرائيلية التي رافقت المعاهدات والاتفاقيات قد تغيرت جذرياً خلال العقد الأخير.

لقد أصبحت اوسلوا بالنسبة لإسرائيل من الماضي  وأعلنت حكومة بينت لابيد  جهاراً بداية مرحلة جديدة،  وسبق لرئيس حكومة إسرائيل السابق نتنياهو  الذي اعتلى سدة الحكم في المرة الأولى عام 1996 وتلاه إفشال خليفته، إيهود باراك متعمداً اتفاقا مرحليا مع الرئيس الفلسطيني في قمة كامب ديفيد عام 2000، وانتخاب الإسرائيليين لشارون عام 2001 الذي تباهى بماضيه الدموي ضد الفلسطينيين وبكونه لم يقدم على "مصافحة عرفات" رغم أنه كان من أقطاب حكومة نتانياهو ومن طاقم المفاوضات الإسرائيلي خلال الأعوام 1996-1999.

لقد قاد شارون مشروع جديد و تحديد ملامح المشروع الجديد لإسرائيل، والذي تم تبنيه بفوارق صغيرة، من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة والتي أقدمت على التصعيد ضد الشعب الفلسطيني من خلال عدة خطوات أهمها الحرب على غزة، وصعود المستوطنين واليمين الفاشي سدة الحكم عام 2009، وحتى التصعيد الأخير لحكومة نتنياهو فيما يخص الاستيطان والمطالبة بقبول الفلسطينيين بيهودية الدولة وحكومة بينت تسير على نفس النهج وتسعى لتدمير رؤيا الدولتين وتتنكر للحقوق المشروعه للشعب الفلسطيني وحق تقرير المصير

كل هذا شكل انتقالا إسرائيلياً جذرياً من البحث عن حل سياسي "قليل الثمن" تحت رابين وبيريز في أوائل تسعينيات القرن المنصرم وحتى التحول لإدارة الصراع بدل حله، وذلك نتيجة لفهم واسع النطاق بأن السقف الأعلى من الاستعداد الإسرائيلي لن يلامس الحد الأدنى للمطالب الفلسطينية، أو حتى ملامح حل الصراع وفق القرارات الدولية ذات الصلة.

 ووفق مفهوم حكومة بينت لابيد لمفهوم الصراع  لايتعدى عن مقايضة الحقوق بالاقتصاد نسبيا وفي حال لم تنجح تلك الجهود لتمرير ذلك  فمن الممكن العمل على إدارة الصراع من خلال تفاهمات جزئية ومحدودة مع حكومة فلسطينية، لا تملك أي بديل آخر، سوى الانصياع للإملاءات الإسرائيلية، إن كان بشكل مباشر أو من خلال ضغوط أميركية عربية أوروبية متعاونة مع إسرائيل.

واجهت إسرائيل معضلة أساسية فشلت في إيجاد حلٍ لها منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية في العام 1967 وحتى الآن، وهي تنبع من التناقض القائم بين المطلب الصهيوني في الضم من ناحية، والحفاظ على إسرائيل كدولة يهودية، من ناحية أخرى.

فضم المناطق الفلسطينية المحتلة قد ينفي على أرض الواقع عن إسرائيل صفتها اليهودية ويحولها، موضوعياً، لدولة ثنائية القومية، يزداد عدد العرب الفلسطينيين فيها بنسبة عالية ليصبحوا أغلبية. أما الانسحاب من المناطق المحتلة فإنه يتناقض مع عقيدته الأساسية حول "أرض إسرائيل الكبرى".

سعى شارون إلى التأسيس لمشروع يتعامل مع هذا الواقع، وذلك من خلال إقامة نظام فصل من طرف واحد، رافضاً الانسحاب إلى حدود الرابع من يونيو/ حزيران لعام 1967، ومدركاً في الوقت نفسه خطورة ما يطلق عليه صهيونيا "الخطر الديمغرافي". ووفقاً لرؤيته تنسحب إسرائيل من داخل قطاع غزة ومن 42% من مساحة الضفة الفلسطينية المحتلة، وفي المقابل تضم إسرائيل المناطق الفلسطينية التي أقيمت عليها المستوطنات اليهودية، وكذلك تضم ما أمكنها من مناطق أخرى في الضفة الغربية.

بلور شارون رؤية إسرائيلية للتعامل مع مشكلة الاحتلال ومستقبل القضية الفلسطينية، بحيث تسيطر إسرائيل على ما يسمى "أرض إسرائيل" من دون حكم مباشر للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة

لقد بلور شارون رؤية إسرائيلية للتعامل مع مشكلة الاحتلال ومستقبل القضية الفلسطينية، بحيث تسيطر إسرائيل على ما يسمى "أرض إسرائيل" من دون حكم مباشر للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة. هذه الرؤية تتلخص في انتقال إسرائيلي من التطلع إلى حل الصراع مع الفلسطينيين حسبما قدر في اتفاقيات أوسلو وما تبعها لرؤية جديدة تتبنى منطق إدارة الصراع والتحكم بمركباته مع المحافظة على مبدأ "التفوق الديمغرافي" اليهودي في حدود إسرائيل الداخلية وكذلك مع الحفاظ على التعامل الإيجابي مع المطلب الشعبي الإسرائيلي والقاضي بضرورة سيادة الهدوء مع عدم الاستعداد لدفع الثمن المطلوب لأجل ذلك حسب القرارات الدولية، حتى بات واضحاً أن غالبية الإسرائيليين يؤيدون إقامة دولة فلسطينية محدودة السيطرة والاستقلال وبذلك يعتقد غالبتهم بأن هذا الاستعداد كاف لجعلهم في "معسكر السلام"، حتى لو كان استعدادهم بعيداً عن التطلعات الفلسطينية وعن ما يتطلبه تنفيذ القرارات الدولية.

لقد أعطى شارون لهذا التطور معنى سياسيا عينياً من خلال بلورة مشروع الانسحاب أحادي الجانب من غزة وبعض المستوطنات في شمال الضفة، وهو المشروع المبني على أساس رؤيته القديمة والقائلة بضرورة ضم مناطق واسعة من الضفة الغربية على طول الخط الأخضر وغور الأردن، وتركيز السكان الفلسطينيين في جيوب معزولة عن بعضها، أو متصلة بشريط أرضي ضيق، وكانت غزة هي الجيب الأول الذي أقامه. والتغير الأساسي في موقفه لم يتجلَّ بالإقرار بوجوب تقسيم أرض إسرائيل، وإنما باستعداده لتسمية الجيوب الفلسطينية باسم "دولة".

يتبلور الهدف الأساسي للسياسة الإسرائيلية فيما بعد الانتهاء من فترة أوسلو وفقاً للنقاط التالية: ترسيم الحدود الدائمة لإسرائيل من طرف واحد وليس من خلال اتفاقيات ثنائية بفرض خطوات أحادية الجانب على الأرض وللسلطة الفلسطينية إمكانية الموافقة إذا أراد اعضاؤها استعمال مكانتهم المميزة (VIP) للخروج من مناطقهم أو الاحتجاج اللفظي لدى حلفاء إسرائيل: الأميركيون والاوروبيون والعرب في أحسن الأحوال.

كذلك يندرج ضمن المشروع الإسرائيلي للسلام الحفاظ على تفوق عددي يهودي داخل حدود هذه الدولة. ووفقاً لذلك تقوم إسرائيل بضم فعلي للأراضي الواقعة على امتداد الخط الأخضر وغور الأردن بأكمله، وتسعى  أيضا بضم بضعة قطاعات واسعة لتتمكن من وصل غور الأردن بالبحر. وتقوم إسرائيل برفد المستوطنات الأساسية وغير المطروحة من جهتها للإخلاء من خلال عمليات بناء وتشجيع اليهود للانتقال والسكن هناك.

وفق هذه الرؤية يتم تسليم المناطق الفلسطينية التي يكتظ فيها السكان الفلسطينيون إلى سلطة فلسطينية وإخراج كل المستوطنات منها. بهذه الطريقة تنشأ ثمانية أو تسعة قطاعات فلسطينية، معزول أحدها عن الآخر، بحيث يكون كل قطاع مطوّق بالمستوطنات وبمنشآت الجيش، ولا يضير بإسرائيل تسميتها هذه المناطق "دولة فلسطينية".

إسرائيل ما ضيه في مخططها وتستغل حالة الانقسام الفلسطيني وتدرك أن الانقسام مصلحه استراتجيه وهي تسعى من خلال سياستها لادارة الصراع من خلال سياسة الاحتواء ، وأن في استمرار الأوضاع الفلسطينية ما يوفر المناخ الملائم للمضي في مشاريع التوسع الاستيطاني وتهويد القدس ومحاولات فرض امر واقع للتقسيم الزماني والمكاني للمسجد الاقصى.

ووفق مستجدات الأحداث فان  مؤشرات السياسية الإسرائيلية  تؤكد أن سقفها لا يمكن أن يتعدى مسألة وجود السلطة أداة تأخذ على عاتقها مهمة القيام بتأمين الاحتياجات الأساسية للفلسطينيين في الضفة والقطاع وبذلك تضمن إسرائيل عدم مطالبتها دولياً القيام بذلك، وحتى لو اضطرت إسرائيل للتعامل مع هذا الكيان وكأنه دولة فهي مستعدة لذلك، فما يهمها عملياً هو تأمين وجود جسم إداري فلسطيني في الضفة وغزه  وتنحصر مهمته في أن يقوم بالمهمات الخدماتية الأساسية للفلسطينيين ويتحمل نفقات الاحتلال بدلا منه.

خلاصة القول, قبل  تسعة وعشرون عاما ، وتحديداً بعد الانقلاب السياسي بعد انتخابات الكنيست عام 1992 أقدمت إسرائيل على الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للفلسطينيين ووقعت اتفاق أوسلو في خطوة كان من المتوقع أن تفضي لسلام فلسطيني إسرائيلي، لكن إسرائيل كما تبين لم تكن جاهزة تماماً لتنفيذ المطلوب منها حسب الاتفاق أو حتى حسب القرارات الدولية ذات الصلة.

بعد ثلاث سنوات من توقيع الاتفاق قتل رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين، على يد متطرف يهودي نجح باغتيال اتفاق أوسلو إذ انتخب مرشح اليمين بنيامين نتنياهو رئيسا للوزراء في انتخابات عام 1996، وأعلن بدوره عن بداية حقبة جديدة من العلاقة مع الفلسطينيين.

في العقد الاخير انتقلت إسرائيل من التطلع لحل الصراع نحو إستراتيجية "إدارة الصراع" حسب ما تمليه مصلحتها، ولذلك بادرت لإقامة "نظام فصل" دون إحراز تسوية تاريخية، وبالتالي يرجح قيام كيان فلسطيني يمكن وصفه بأنه "أكثر من حكم ذاتي وأقل من دولة" مع إبقاء المركبات الأساسية للصراع، وعلى رأسها قضية اللاجئين، غير محلولة لأجل غير مسمى، ومن خلال إيمانها بأنها تستطيع إنزال هذه القضايا من أجندة الاهتمام العالمي، بمساعدة نشطة من سلطة فلسطينية لا تملك سوى الاحتجاج، ومن ثم استئناف الحياة وكأن الصراع لم يعد موجوداً.

فالشعب الفلسطيني، باعتباره الضحية الأولى للمشاريع الصهيونية، ضحية الخلافات الفلسطينية الفلسطينية أيضا، لأن هذه الخلافات تصب في صالح السياسة «الإسرائيلية» ومشاريعها التي تنفذ على حساب مصالح هذا الشعب. وقد عبرت العديد من الفعاليات الشعبية الفلسطينية عن امتعاضها من استمرار الخلافات داخل الصف الفلسطيني وعجز القيادات الفلسطينية عن وضع حد لهذه الخلافات، فالتغول «الإسرائيلي» تصاعد كثيرا وبقوة عدوانية، ليس بسبب ارتفاع وتيرة الدعم السياسي غير المسبوق الذي تقدمه الإدارة الأمريكية فحسب، وإنما بسبب التشرذم الذي تعيشه الساحة الفلسطينية وتشتت جهود العمل الوطني الفلسطيني، فاستمرار مثل هذه الأوضاع سوف يعقد من مهمة تحقيق المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني وخاصة ان الأطراف العربية والدولية لم تعد تعط هذه المطالب الاهتمام والدعم الفعال.

ووفق كل ذلك فان القضية الفلسطينية أعقد و  ابعد مما يتصور البعض ، هي ليست تحقيق مكاسب انتخابيه أو استحواذ على مواقف هنا وهناك او اصطفاف حزبي وفئوي ومصالح ضيقه وجميعها تصب في خانة رؤية الاحتلال الصهيوني وإستراتجيته لفلسطنة الصراع وهذه تتجسد في الانقسام السياسي والجغرافي ومسعى حكومة الاحتلال لترسيخ الانقسام حتى يتسنى لها النجاح في ادارة الصراع وإذا كان هناك من هو حريص على القضية الفلسطينية والخروج من عنق الزجاجة واستغلال التغيرات الدولية والاقليميه فلا بد من استجماع كافة القوى الفلسطينية وإنهاء الانقسام وتوحيد الجغرافية الفلسطينية وإفشال مخطط الاحتلال برؤيته لإدارته الصراع وصولا لاستراتجيه فلسطينيه لمواجهة إسرائيل ومخططها لتصفية القضية الفلسطينية والحقوق الوطنية

 

 

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت