- سليمان سعد أبو ستة
- الباحث في الشأن الفلسطيني
تجنح حكومة الاحتلال إلى مزيد من التصعيد في مدينة القدس عبر إقرارها لمسيرة الأعلام التي ستنطلق الأحد 29 مايو، وهي تعلم أن ذلك قد يقود إلى تصعيد واسع وربما انفجار كبير في الأوضاع، وقد بيّنت مصادر إعلامية صهيونية أن الشاباك يدعم مرور مسيرة الأعلام عبر باب العامود والحي الإسلامي، وهو تأكيد لما كان قد أعلنه نفتالي بينت من أن كافة الأجهزة الأمنية في كيانه قد وافقت على القرار، وكان مدير عام وزارة الأمن الداخلي تومر لوطان قد أكد استكمال الاستعدادات لتأمين مسيرة الأعلام، وإن قرار المرور عبر باب العمود قرار احترافي تماما، مبينا أنه قرار نهائي، وأنه في حال وردت معلومات استثنائية جدا جدا، سيقوم كيانه بإعادة تقييم الوضع، وهو ما يعد تلميحا لمعلومات متعلقة بنية المقاومة التصعيد.
وعند النظر في أسباب هذا الموقف الصهيوني المتشدد، والذي يتخذ مساراً تصاعديا تجاه الأقصى منذ أكثر من شهر تقريباً، سنجد عدة احتمالات لذلك، بينها رغبة الكيان الصهيوني في استعادة ما فقده من هيبة عقب معركة سيف القدس، وما أعقبها من أحداث، ويريد أن يؤكد لمستوطنيه وللمراقبين فرض سيادته وسيطرته على القدس والأقصى، ومن هذا الباب جاء عدوانه على جنازة شيرين أبو عاقلة، وجنازة وليد الشريف، لمنع الأعلام الفلسطينية.
ومن الاحتمالات الممكنة أن الأجهزة الأمنية الصهيونية تريد فرض مواجهة على المقاومة في قطاع غزة، وأنها تستدرجها لذلك عبر تصعيد عدوانها على الأقصى، خاصة أنها في ظل مناورة تعيش خلالها دولة الكيان استنفاراً عاليا سيبلغ ذروته مع انطلاق مسيرة الأعلام، وربما من وجهة النظر البعض فإن هذه المسيرة قد تكون نوعاً من التضليل، تخفي وراءه دولة الكيان عملاً عسكرياً كبيراً، يفاجئ أحد أعدائها في غزة أو لبنان أو غيرها، وأنها تود لفت الأنظار ليوم الأحد بينما ستتحرك قبله، وإن كان هذا احتمالا ضعيفا إلا أن الخداع والمباغتة الصهيونية واردة في كل لحظة.
ومن الاحتمالات أن نفتالي بينت يرى في التصعيد مصلحة شخصية له، حيث سيضمن بقاءه رئيسا للحكومة حتى الانتخابات القادمة، والتي ستعزز فيها المواجهة حظوظ حصوله على عدد أكبر من المقاعد، على اعتبار أنه يستهدف الجمهور الأكثر تطرفاً، خاصة إذا استطاع تحصيل صورة نصر مميزة، إما إذا فشل فلن يخسر أكثر مما سيخسره حالياً، وهو يرى تفكك حكومته وائتلافه رويدا رويدا.
كل ذلك أو بعضه أو غيره قد يكون من أسباب التصعيد الصهيوني الحالي، ولكن السؤال ليس هنا، وإنما ما هو المطلوب منا لنكون قادرين كفلسطينيين على حرمان الاحتلال من تحقيق إنجاز مهم في القدس والأقصى، خاصة بعد سلسلة النجاحات التي حُققت هناك في معركتي البوابات الإلكترونية، وباب الرحمة، ثم في معركة سيف القدس، ثم السؤال التالي: هل هذه المهمة خاصة بفريق من أبناء شعبنا أم أنه واجب الكل الوطني يسعى فيه بكل قوة ومثابرة.
الحقيقة أننا إذا أردنا أن نبني على ما جرى في سيف القدس، وألّا نعود إلى نقطة الصفر في كل مرة، فإن كل الساحات الفلسطينية مطالبة أن تتحرك كقبضة واحدة، تجمع في عزمها عزم الكل الوطني الفلسطيني، في الداخل المحتل بدءاً من عكا مرورا بالرملة واللد ووادي عارة وانتهاء بالنقب وما بينها، وفي الضفة الغربية بدءاً من نابلس وجنين وما حولهما شمالاً مروراً برام الله وما حولها في الوسط وانتهاءً بالخليل التي آن لها أن تلتحق بمدن الضفة الناهضة كسيف باتر، والقدس بسائر بلداتها وأحيائها، ليتحرك الكل كلهيب غاضب يشعل النار تحت أقدام الاحتلال، الذي يبدو اليوم رغم عناده مرتبكاً وقلقاً، حيث أصدر أمر استنفار لشرطته، ومنع الإجازات، وجند 4 سرايا من حرس الحدود، وأعلن أنه سينشر آلاف الجنود العلنيين والسريين في القدس وبلدات الداخل الفلسطيني والمفترقات المهمة ومراكز المدن، كما نشر القبة الحديدية، وصعّد من وتيرة طيرانه الاستطلاعي في أجواء قطاع غزة.
كل هذه الإجراءات تدلل على أهمية فعلنا الشعبي وتأثيره المهم على الاحتلال وسلوكياته العدوانية، والمطلوب منا عملياً على هذا الصعيد، تكثيف الرباط في المسجد الأقصى لمن استطاع إليه سبيلاً، وتكثيف الفعل الشعبي الذي يواجه المسيرة على طول خط سيرها، وتكثيف المواجهات في كل مكان يتواجد فيه فلسطيني لتشتيت الاحتلال وجنوده خاصة في الداخل، ومواجهة المستوطنين في مختلف مدن الضفة الغربية، وتنفيذ كافة الأعمال البطولية التي تشغله مثل إشعال الحرائق وإغلاق الطرق، وتعزيز مخاوف الاحتلال من تنفيذ عمليات فردية أو منظمة بطولية، والتي إن جرت ستزيد من إرباكه، وتعزز انقسامه، وتجعل سائر المجتمع الصهيوني يُحمّل المسؤولية لأولئك المتطرفين الذين يشعلون الصراع بمنتهى الرعونة والتهور، والكل الفلسطيني عندما يفعل ذلك يستحضر أن وراءه مقاومة قوية في قطاع غزة جاهزة لإسناده، ونصرته، لينتظم الكل في معادلة تتفاعل عناصرها معا مُضاعفةً من قوتها وتأثيرها.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت