من انتصر في مسيرة الأعلام

بقلم: علي ابوحبله

علي ابوحبله.webp
  • المحامي علي ابوحبله

"إسرائيل" أخذت مسار المخاطرة بحرب، رغم كل التداعيات التي من الممكن أن تجرّها عليها وعلى جبهتها الداخلية مسيرة الأعلام ، لكن إصرار حكومة  الاحتلال الإسرائيلي على تنظيم مسيرة الأعلام وفق مسارها الذي اندلعت بسببه معركة "سيف القدس" في أيار/مايو العام الماضي يدعو إلى التساؤل.

ما الذي تغير في المعادلة؟ هل هي مناورة "عربات النار"، التي يجريها "جيش" الاحتلال الإسرائيلي منذ مدة، والتي رفع عبرها جهوزيته استعداداً لأي مواجهة، أو تلاقت مصالح نفتالي بينيت رئيس الحكومة المتداعية والموشكة على السقوط مع مصالح رئيس الأركان أفيف كوخافي الذي يبحث عن تحقيق إنجاز قبل مغادرة مكتب رئاسة الأركان في الكرياه، حيث مقر وزارة الأمن الإسرائيلي، بعد أن بات مضرب الأمثال إسرائيلياً في الفشل، أو بات لدى الإسرائيلي تصور معين بأن رد المقاومة لن يصل إلى مواجهة مفتوحة؟

ورغم كل التقديرات هناك حالة إجماع كاملة بين قادة "الجيش" والأمن على إجراء المسيرة وفق المسار المعتاد، لأنهم باتوا مقتنعين بأنَّ التراجع عن ذلك سيؤدي إلى تكريس معادلة الربط بين غزة والقدس، وهذا يمس بالأمن القومي الإسرائيلي، ويعدّ ذا تأثيرات سلبية إستراتيجية في قضيّة القدس؛ المرتكز الرئيس للفكر الصهيوني، وفي السيادة الإسرائيلية على ما يعتبرونها عاصمة "إسرائيل".

ورغم أن وزارة الخارجية الإسرائيلية حذرت من تأثير استشهاد الصحافية شيرين أبو عاقلة في صورة "إسرائيل" في العالم، وخصوصاً بعد ما شاهد العالم كيف قمعت الشرطة الإسرائيلية مشيّعي نعشها، لكن تبقى تأثيرات وزارة الخارجية في صنع القرار الإسرائيلي محدودة جداً أمام "الجيش" والشاباك. وعندما تم إحضار مندوب عنها إلى جلسة تقدير الموقف الأمني، كان من أجل بحث أفضل السبل لشرعنة تسيير مسيرة الأعلام، وليس العكس.

الموقف الأميركي لا يرغب في التصعيد، ولكن ما دام التصعيد لن يتدحرج إلى حرب إقليمية، فلا مشكله في استكمال مسيرة الإعلام وسيرها وفق ما خطط لها ، وخصوصاً أن المصلحة الأميركية بعلاقتها مع "إسرائيل" ومؤسَّستها العسكرية والأمنية في الوقت الحالي منصبّة نحو الملف الإيراني، وليس الملف الفلسطيني. وهي ضامنه لنجاح الضغوط الممارسه على الفلسطينيين للتهدئة ، وكما جرى العرف في العلاقات الأميركية الإسرائيلية، لا تستطيع أميركا أن تضغط على "إسرائيل" في ملفّين في آن واحد، وخصوصاً أن المستوى المهني في "إسرائيل" هو صاحب القرار، بمعنى أن القرار ينبع من حسابات غير سياسية بغالبها، وبالتالي تمنح الولايات المتحدة الأميركية الإسرائيلي هامشاً واسعاً.

وفي تقديرات الموقف "الجيش" وشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) يدركان مدى صعوبة موقف الفصائل الفلسطينية، وخصوصاً المقاومة في غزة. ورغم أنهما يدركان أن غزة لا تحبذ الدخول في معركة، فإن الاستخبارات الإسرائيلية باتت مقتنعة بأن قضية القدس عند الفلسطينيين فوق الحسابات، وخصوصاً أن معركة "سيف القدس" أضافت رابطاً مهماً بين غزة والقدس على المستوى السياسي.

لذا، إن "الجيش" الإسرائيلي لم يقر المسيرة إلا بعد أن اعتقد بأنّه أتم جهوزيته لمواجهة أصعب الخيارات. وفي السياق ذاته، لا يمكن إهمال توقيت مناورة "عربات النار" المستمرة منذ 3 أسابيع، الأمر الذي قد يوضح سبب تغيير "الجيش" والمؤسسة الأمنية الإسرائيلية موقفهما السابق الذي برز في شهر رمضان قبل عدة أسابيع.

لا يمكن تجاهل مخاطر تداعيات مسيرة الاعلام على الوضع الفلسطيني والعربي “ما حصل يدق ناقوس خطر للأمة كلها. وفي ظل الصمت المحلي والخارجي، من المتوقع أن تذهب الحكومة الإسرائيلية بعيدا في قادم الأيام، وعلى الجميع  أن  يدرك أن ما حصل يأتي في سياق الرغبة الإسرائيلية في وضع النقاط على الحروف”.

ورفضت منظمات ودول عربية وإسلامية عبر بيانات رسمية الأحد، اقتحام المسجد الأقصى. ودعت الجامعة العربية، إلى تحرك دولي لوقف إسرائيل عن تلك “الاستفزازات التي تؤجج المشاعر الدينية”.

كما حذر مجلس التعاون الخليجي، من “تفاقم الأوضاع بالقدس”، داعيا المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته للحفاظ على سلامة المسجد الأقصى، وأدانت منظمة التعاون الإسلامي، “التصعيد الخطير بحق الأقصى الذي يشكل تحديًا سافرًا لمشاعر الأمة الإسلامية”.

هذا وقد أشار محللون إسرائيليون إلى أن مرور مسيرة الأعلام الإسرائيلية بالأمس لا يثبت وجود سيادة إسرائيلية في القدس، لافتين إلى أن ما حصل هو استعراض قوة الاحتلال الأمنية.

وشدد المراسل البرلماني لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، عاميحاي أتالي، إن "القدس ليست موحدة في الحقيقة، والوحيدون الذين يحتفلون بتوحيدها الجزئي هم الذين يعتمرون القلنسوات المنسوجة"، أي أتباع الصهيونية الدينية والحريدية القومية.

وأضاف، "دعونا نراهم يسيرون لوحدهم، في يوم عادي، في مسار المظليين الذين حرروا القدس ، من (مستشفى) أوغوستا فيكتوريا، مرورًا بباب الأسباط وصولًا إلى جبل الهيكل (المسجد الأقصى)، فلا أحد منهم كان سيجرؤ على القيام بذلك، ويكاد لا يوجد يهودي في العالم يجرؤ على ذلك، فالسير في هذا المسار مع علم إسرائيل هو انتحار مؤكد".

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت