- جهاد حرب
مما لا شك فيه أنَّ نظام الرعاية الصحية في فلسطين يعاني من تحديات جسام تتعلق بضعف تمويله، وتكلفته العالية على حساب الخزينة العامة وعلى حساب الأسر المعيشية ما يحد من التطور الطبي من جهة والقدرة الاستثمارية من جهة ثانية. فيما أعادت جائحة كورونا الاهتمام بالجهاز الصحي الفلسطيني وبنيته وامكانياته وقدرته على الصمود أثناء الكوارث، وبطبيعة نظام التأمين الصحي المعتمد والتكافل القائم عليه.
تشير تقارير الحسابات الصحية الفلسطينية إلى أنَّ الحكومة المركزية والأسر المعيشية تتكلفان بالنسبة الأعلى من الانفاق بحوالي 85% من مجموع الانفاق الصحي، كما أنَّ ارتفاع النفقات الصحية الشخصية "الأسر المعيشية" يُظهر عدم توفر الحماية لدى المواطن الفلسطيني ضد الصدمات المالية الناجمة عن التطورات في الأوضاع الصحية، وتضرر الفئات الفقيرة بشكل خاص؛ حيث أنَّ النفقات الصحية الشخصية تستهلك الجزء الأكبر من مجموع الدخل في ظل ارتفاع تكاليف الحصول على خدمات صحية للأسر والأفراد ما يعيق إمكانية حصول المواطنين عليها. كما أنَّ زيادة النفقات الحكومية على الخدمات الصحية دون وجود نظام تأمين صحي إلزامي وتكافلي يضمن ديمومة الإيرادات لهذا الجهاز سيزيد من عجز الخزينة العامة في ظل محدودية أو سوء توزيع الموارد المالية للحكومة الفلسطينية.
إنَّ تحسين جودة الخدمات الصحية هو هدف النظام الصحي الفلسطيني، لذا تحاول الحكومة تقديم خدمات صحية متنوعة في مؤسسات وزارة الصحة أو شراء الخدمة الصحية من خارجها من خلال "التحويلات الطبية" الداخلية والخارجية. وفي الوقت نفسه فإن الحصول على أفضل الخدمات هي غاية كل مواطن يحتاج إلى الطبابة. إنَّ الوصول إلى هدف الحكومة ورغبة المواطن يحتاج إلى تطوير الموارد المالية المتاحة للنظام الصحي الفلسطيني سواء مساهمة الخزينة العامة أو الاشتراكات المنتظمة من قبل المواطنين التي تمنح الديمومة له وتحسن من الخدمات الصحية التي يقدمها وتنوعها.
أشارت دراسات متعددة لمؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني؛ كائتلاف أمان والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، إلى أنَّ أفضل الحلول لإصلاح نظام الرعاية الصحية الحالي والخروج من مأزقه تتطلب أولاً: تبني الحكومة لسياسة واضحة لإعادة النظر في تركيبة مكونات نظام الرعاية الصحية باتجاه الفصل ما بين جهة الاشراف "الوزارة"، وجهة إدارة التمويل، وجهة مزودي الخدمات. وثانياً: تحديد الخدمات التي ستبقيها الحكومة في حوزة وزارة الصحة مثل خدمات الرعاية الأولية التي تمثل قصة نجاح لوزارة الصحة الفلسطينية. وثالثاً: إعادة النظر في البنية الإدارية في وزارة الصحة باتجاه ترشيق الوزارة وترشيد الإنفاق. رابعاً: قد تبقي الحكومة على بعض الخدمات الثالثية بسبب امتلاك الحكومة بنية تحتية مترامية الأطراف في جميع المدن الفلسطينية على أنْ تعمل بتنافس مع بقية مزودي الخدمات الصحية الأخرى من القطاع الخاص والقطاع الأهلي. وخامساً: تشجيع القطاع الخاص للاستثمار في جوانب مختلفة من الخدمات الطبية التي لا تقدمها الوزارة أو تتخلى عن تقديمها.
سادساً: إقرار قانون تأمين وطني شامل وإلزامي اجتماعي "تضامني/ تكافلي" تنشأ بموجبه هيئة "مؤسسة" وطنية تتولى إدارة التأمين الصحي وأمواله بحيث تحرص على ضمان إعمال الحق بالصحة لجميع المواطنين وتضمن استقرار المؤسسة وديمومتها. وهو ما سيقلل من استنزاف أموال الخزينة العامة وسيزيد من ضبط ضريبة الدخل للعاملين في القطاع الصحي ما يخفف من التهرب الضريبي، ويخدم مسألة التفرغ في الوظيفة العامة في قطاع الصحة. وسابعاً: التفويت ببعض الخدمات وترشيق القطاع الصحي الحكومي ما سيوفر مزيداً من الأموال لتقديم وتحسين الخدمات الطبية المقدمة للمواطنين ودعم الأسر والفئات الضعيفة والمهمشة للحصول على خدمات صحية عالية الجودة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت