- بشرى حفيظ
يبدو أن تطور الأحداث الأخيرة في فلسطين والتي كان أخرها مسيرة الأعلام إلى مستويات مقلقة أظهرت النية الحقيقية للمحتل الإسرائيلي الذي لا يضيع فرصة واحدة لممارسة أساليبه القمعية ضد الشعب الفلسطيني، ليغلق بذلك باب التسوية لتتدهور بذلك العلاقات بين السلطة الفلسطينية والإسرائيلية التي تتجه لقطيعة تشمل جميع العلاقات التي تربطهما.
أحداث متتابعة
منذ شهرين صعدت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، من حدّة سياستها الممنهجة حيث أصبح الاعتداء على الفلسطينيين صورة نمطية. على غرار هدم البيوت على رؤوس أصحابها والمصادقة على بناء وحدات استيطانية جديدة في الضفة الغربية، بما فيها القدس.
فضلا عن اقتحامات المسجد الأقصى وباحاته خلال شهر رمضان المبارك ، قيدت سلطات الاحتلال وصول المسيحيين للاحتفال بسبت النور، في حين فتحت المجال للجماعات اليمينية الصهيونية لاقتحام باحات المسجد والتهديد بذبح القرابين بشكل غير معهود، في محاولة لتدنيس قداسة المكان قبل أن تتدخل لمنع حدوث هذه الطقوس.
على غرار الاقتحامات الشبه يومية لمدن الضفة الغربية ومخيماتها وقراها، والاشتباك بشكل مسلّح مع مقاومين فلسطينيين، في مشهد يعود بنا إلى أحداث الانتفاضة الفلسطينية الثانية مطلع الألفية الثالثة.
وبعد اغتيال الصحافية الفلسطينية في قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، في صباح 11 مايو/ أيار 2022، في مخيم جنين، واعتداء سلطات المحتل على مشيعي أبو عاقلة أمام المستشفى الفرنسي في القدس، وتكرار المشهد نفسه مع جنازة الشهيد وليد الشريف في بلدة الطور شرق القدس المحتلة، وصولا لمسيرة الاعلام التي كانت اخر الأحداث التي أبرزت بشكل واضح تدهور الأوضاع لمستويات خطيرة في ظل صمت دولي تجاه ما يحدث .
مسيرة الإعلام
مع تزايد التصعيد الإسرائيلي خلال الفترة الأخيرة تصاعد معه الإحباط الفلسطيني حيث تدهورت ببطء علاقات السلطة الفلسطينية مع إسرائيل – التي شهدت بوادر تحسن أولية بعد أداء حكومة الوحدة الإسرائيلية الجديدة اليمين في يونيو الماضي.
ولقد وصلت إلى مستويات دنيا في الأسابيع الأخيرة مع اشتباكات بين الفلسطينيين والشرطة الإسرائيلية في الحرم القدسي، ومقتل أبو عاقلة خلال معركة بالأسلحة النارية اندلعت خلال عملية أمنية إسرائيلية في جنين، و"مسيرة الأعلام” في القدس يوم الأحد حيث تم تصوير أجزاء كبيرة من حشد ضم 70 ألفا من القوميين المتدينين اليهود وهم يرددون شعارات عنصرية ويقومون بمضايقة المارة الفلسطينيين في البلدة القديمة
مسيرة كانت بمثابة القطرة التي افاضت الكأس فبعد أن وصلت مدخل باب العامود واتجهت صوب البلدة القديمة في القدس المحتلة وسط استنفار كبير لقوات الاحتلال، حلقت طائرات حربية على ارتفاع منخفض في سماء قطاع غزة تزامنا مع المسيرة. تخللتها مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال عقب مسيرة الأعلام في شارع صلاح الدين بالقدس المحتلة، حيث جرى الاعتداء على شبان فلسطينيين يرفعون الأعلام الفلسطينية.
ورغم التحذيرات والمناشدات بإعادة التفكير في المسيرة من طرف مبعوث الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط، تور وينيسلاند، الذي طالب "جميع الأطراف ممارسة أقصى درجات ضبط النفس لتجنب صراع عنيف آخر لن يؤدي إلا إلى إزهاق المزيد من الأرواح".
إلا أن وزير الأمن العام الإسرائيلي سمح للمشاركين الإسرائيليين بدخول البلدة القديمة عبر باب العامود "باب دمشق" المؤدي إلى الحي المسلم - وهو القرار الذي أدانه الفلسطينيون. ولم يُسمح للمشاركين في المسيرة في العام الماضي باستخدام هذا الطريق جراء اضطراب الأوضاع.
إصرار إسرائيل على إقامة مسيرة الأعلام كان بمثابة تعدي على حرمات المقدسات الدينية حيث اعتبر مصطفى الصواف، المحلل السياسي الفلسطيني في القدس وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، تحركات اليمين المتطرف والمستوطنين، واستباحة الأماكن المقدسة، والمضي قدمًا في استفزاز مشاعر المواطنين، من شأنه أن يشعل بارود الحرب، ليس في جبهة واحدة في مواجهة إسرائيل بل في كافة الجبهات الفلسطينية والجبهات المحيطة في معركة لا أحد يعلم أين ستصل.
حيث تزامنت المسيرة العام الماضي مع اعتداءات الاحتلال على حي الشيخ جراح ما دفع المقاومة للتدخل من قطاع غزة وإرسالها صواريخ محلية الصنع وصلت لتخوم مدينة القدس، وبعدها أقدمت إسرائيل على الهجوم الهمجي على قطاع غزة.
لا اعتراف بإسرائيل
لم تمر مسيرة الأعلام على إسرائيل مرور الكرام فسرعان ما جاء الرد من السلطة الفلسطينية التي عقدت اجتماعاً، لبحث سحب الاعتراف بإسرائيل، على خلفية التطورات التي حدثت في مدينة القدس المحتلة بعد أن أعلن المجلس المركزي لمنظمة التحرير، في شباط/ فبراير الماضي، عن تعليق الاعتراف بإسرائيل وإنهاء التزامات السلطة الفلسطينية بكافة الاتفاقيات معها.
تشديد اللهجة من السلطة الفلسطينية جاء بعد غياب حلول لتسوية سلمية حيث قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس "أن الوضع الحالي لا يمكن القبول باستمراره ولا يمكن تحمله في ظل غياب الافق السياسي، والحماية الدولية لشعبنا الفلسطيني، وتنصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي من التزاماتها وفق الاتفاقات الموقعة وقرارات الشرعية الدولية، ومواصلة الأعمال أحادية الجانب، وبخاصة في القدس، والاعتداء اليومي على المسجد الاقصى، وطرد الفلسطينيين من أحياء القدس وهدم منازلهم وقتل الأطفال وأبناء شعبنا العزل، وجرائم الاستيطان وارهاب المستوطنين".
وأكد أن القيادة الفلسطينية بصدد اتخاذ إجراءات لمواجهة هذا التصعيد الإسرائيلي، في ظل عجز المجتمع الدولي عن إرغام إسرائيل على الامتثال لقرارات الشرعية الدولية، ووقف ممارساتها الاجرامية والاحتلالية وما تقوم به من إجراءات تطهير عرقي وتمييز عنصري، في ظل الصمت الأمريكي على هذه الاستفزازات والممارسات الإسرائيلية التي تنتهك بشكل صارخ القانون الدولي.
هذا وقد بذلت أمريكا جهودا لثني القيادة الفلسطينية عن سحب الاعتراف غير أن الرئيس الفلسطيني شدد في اتصال هاتفي صباح اليوم جمعه مع وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن “على ضرورة أن تقوم الإدارة الأميركية بتحويل أقوالها إلى أفعال، وعدم الاكتفاء بسياسة التنديد والاستنكار والصمت على هذه الإجراءات الإسرائيلية أحادية الجانب، لأن الوضع على الأرض لم يعد مقبولاً إطلاقاً”.
حيث ذكر موقع "آكسيوس" الأميركي، بأن الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) "احتج على ما أسماه تقاعس إدارة بايدن و صمتها إزاء الخطوات الإسرائيلية المثيرة للجدل في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية"، في دعوة وصفها مصدر أميركي وفلسطيني يوم الثلاثاء بـالمتشددة.
جاءت مكالمة بلينكن مع عباس في وقت يتفاقم فيه الإحباط في رام الله بسبب رفض إدارة بايدن تقديم مبادرة دبلوماسية مهمة في الشرق الأوسط وفشلها في الوفاء بوعودها بالتراجع عن الإجراءات التي اتخذها الرئيس السابق دونالد ترامب، والتي رأت السلطة الفلسطينية أنها تهدف إلى خفض مستوى علاقاتها مع واشنطن.
وهو ما دفع إسرائيلي للتمادي في ممارسة أساليبها الممنهجة من قتل و واقتحام وهو ما وصفه المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة " باللعب بالنار" معتبرا إسرائيل تتصرف بلا مسؤولية وبتهور شديد من خلال السماح للمستوطنين بتدنيس المقدسات في القدس المحتلة وتصعيد عمليات القتل.
وأضاف أبو ردينة في حديث لإذاعة “صوت فلسطين” أن إسرائيل تستهتر بالمجتمع الدولي ولا تحترم قرارات الشرعية الدولية وتعتبر نفسها فوق القانون، مطالبًا المجتمع الدولي وخاصة الإدارة الأمريكية بتحمل المسؤولية تجاه ما يجري وعدم التعامل بازدواجية.
وشدد أبو ردينة على أن طريق الأمن والسلام في المنطقة يمر من خلال تلبية حقوق الشعب الفلسطيني، مؤكدًا أن المقدسات الإسلامية والمسيحية خط أحمر لا يمكن أبدًا القبول بتدنيسها.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت