- بقلم علي بدوان
معسكر الهامة، والذي تم قصفه بـــ "الطيران الإسرائيلي" عدة مرات، كان تم منحه لحركة فتح وجناحها العسكري (قوات العاصفة) بداية العام 1966، من قبل (الحرس القومي) الذي كان يقوده اللواء محمد ابراهيم العلي (ابو الندى) رحمه الله، عندما تم نقل معسكر حركة فتح الأول الواقع بأطراف اليرموك الى بلدة الهامة.
في معسكر الهامة، الذي تخرَّجَ منه اوائل المناضلين في الثورة الفلسطينية المعاصرة، كانت مسيرة تشييع دفعة من شهداء المعسكر في شباط/فبراير 1967 بمخيم اليرموك، أي قبل حرب العام 1967، فكانت أول مسيرة تشييعٍ لعددٍ من الشهداء دفعة واحدة، في مسيرة حاشدة، استشهدوا اثناء التدريب في معسكر الهامة، وكان على رأسهم الشهيد (منهل شديد) (وديع) من بلدة علار قضاء طولكرم، والشهيد احمد الأطرش ...الخ. فيما اصيب الشهيد أبو علي اياد في الحادث وشارك بالتشييع رغم اصابته التي رافقته حتى استشهادة نهاية عام 1971. فكانت قافلة شهداء الهامة في شباط/فبراير 1967، هي الأولى، وشارك بها الرئيس ياسر عرفات في شباط/فبراير 1967 وهي المرة الأولى في حياتي التي شاهدته بها وكنت بعمر أقل من سبع سنوات مع والدي رحمه الله.
الموكب الكبير الذي ترك انطباعاته وتأثيراته في نفوس الناس، وأحيا في دواخلهم حلم العودة لفلسطين. ففي ذاك الموكب ظهر الفدائي الفلسطيني في العرض العسكري العلني الأول للثورة الفلسطينية المعاصرة، العرض الذي رافق موكب التشييع، وظهر اللباس المُرقط، وبدلات الفوتيك، ذاك اللباس الذي كان قد ظَهَرَ في العالم إبان الحرب الكورية عام 1956، والغيتر، كما في ظهور البنادق المُختلفة في العرض العسكري إياه (بور سعيد، طومسون، كارلو، والقليل من الكلاشنكوف ..).
كان موكب التشييع مَحمولة على الأكتاف، وترافقه سيارات الزيل العسكرية، وفي مقدمة التشييع فرقة موسيقى عسكرية، وأناشيد الثورة والحانها. ومنها نشيد (جابو الشهيد .. جابوه .. يافرحة أمه وأبوه) وكانت البداية في انتشار الأغنية السياسية.
إذاً، كان تشييع شهداء معكر الهامة في شباط/فبراير 1967، أول تشييع على الإطلاق يشهد مسيرات تشييع الشهداء في الثورة الفلسطينية المعاصرة، وعموم الحركة الوطنية الفلسطينية. فتمت الصلاة على الشهداء في مسجد فلسطين باليرموك ةمن ثم الى مواراة الدفن في مقبرة الشهداء الأولى في اليرموك، وهي أول مثوى لشهداء فلسطين خارج أرض فلسطين التاريخية. حيث أقيمت في مخيم اليرموك قرب حارة المغاربة وعلى حدود قرية يلدا في حينها، ودفن فيها أول شهيدين هما الشهيد على الخربوش من عرابة البطوف، والشهيد مفلح السالم من صفورية، من الكتيبة الفلسطينية (68)، كان هذا منتصف العام 1964، وقبل ذلك كان يدفن الفلسطينيون شهدائهم في مقابر مختلفة كان منها مقبرة الشهداء في الدحداح. في مسيرة الطريق الى فلسطين تلك المسيرة من شهيد العاصفة الأول أحمد موسى الدلكي من قرية (ناصر الدين) قضاء طبريا. الى شهيد الجبهة الشعبية/القيادة العامة باسمها القديم الشهيد الأول خالد الأمين من بلدة (أندور) قضاء الناصرة والذي استشهد في عملية استهداف باص عسكري للإحتلال في ديشوم قضاء صفد عام 1964، الى شهيد الجبهة الشعبية (شباب الثأر باسمها القديم) الأول خالد الحاج أبو عيشة من كفلا لاقف قضاء نابلس وقد استشهد في الجليل عام 1964. الى شهيد الصاعقة نجم الدين عزت عام 1968 الذي استشهد في الجولان ودفن باليرموك. الى الشهيد الأول لجبهة التحرير العربية نصر الغوري الدفون باليرموك ...
من مخيم اليرموك بدأت أولى مواكب الشهداء في الثورة الفلسطينية المُعاصرة، ومن مخيم اليرموك انطلقت زغاريد النساء في مواكب الشهداء. فكانت تلك الزغاريد التي سَمعتُها لأول مرة في حياتي عندما كنت في طفولتي وفتوتي ذات وقعٍ خاص وتأثير سحري. تلك الحالة التي تَحدث عنها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في خطابٍ شهير له عام 1968 عندما قال “إن الشعب الفلسطيني هو الشعب الوحيد في العالم الذي تُزغرِدُ فيه النساء في مواكب الشهداء".
مسيرات تشييع الشهداء، لوحة مُدهشة اختَلِطُ فيها كل شيء، الوطنية الفلسطينية، والهوية وفلسطين، وعظمة وأسطورة هذا الشعب الصغير في تعداده، الذي مازال يَخرُج من محنةٍ الى محنة دون أن يموت أو يذوبَ كما ذابت وانصهرت شعوب البلاد الأصلية بأكملها في معمعان مآسيها في القارة الأمريكية وأستراليا ونيوزلندا على يد الغزاة البيض قبل 500 عام.
كانت الناس بعد دفن الشهداء تغني :
ابو علي لعيونك والعكازة ...... مامنتراجع لو كل يوم مية جنازة
ابو علي لعيونك والعاقورة ..... فدائية من رفح للناقورة
ابو عمار لعيونك والنظارة ....... ما منتراجع لو كل يوم مية غارة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت