- بقلم:المتوكل طه
***
ها نحن نعود إلى الإساءة لرسولنا الكريم محمد -عليه وعلى آله الصلاة والسلام- مرةً أخرى.
فقبل أكثر من ألف عام حمل الناسك بطرس رسماً يظهر فيه "التركي الفظّ وهو يضرب المسيح"، كان الناسك هذا ، القصير والغليظ والمسطّح، يلوب في المدن والقرى يثير الناس ويستفز مشاعرهم ، ويحرّضهم لتخليص قبر المسيح من "الأتراك الملاحدة" أو من "المحمّديين الوثنيين". ونجح ذلك الراهب في أن يشعل حرباً ضروساً دامت حوالي ثلاثة قرون، بين عالمين وعقيدتين وثقافتين ، كانت حرباً طويلة ومريرة وكئيبة. لم يستطع الغرب فيها أن يلغي الشرق أو يمحوه، ولم يستطع الشرق أن يلغي الغرب أو يدمّره . كانت حرباً كافرية خاطئة وظالمة لم يستطع قداسة البابا ان يعتذر عنها عندما زار بلادنا قبل سنوات. والآن ، وبعد الف عام ويزيد، يجب الاعتراف أن محرّك هذه الحرب كان دينياً إلى حد كبير، ومن يقرأ أدبيات تلك الحرب من منظور غربي سيكتشف سريعاً أن ملوك الغرب وباروناته وأمراءه كانوا يأتون بلادنا "للتطهر" و"للنذور" و"خدمة المسيح". ويجب أن لا نخجل من الحقائق، ويجب أن لا نجمّل الأشياء لأن "الموضة الثقافية"تستدعي ذلك منّا!
ها نحن نعود إلى تصريحات مسؤولين من الهند تشبه رسوماً أخرى وبطرساً آخر.
والمسألة ليست مسألة معرفة أو عدم معرفة بالإسلام.
والمسألة ليست مسألة حرية تعبير ، فنحن نعرف كذب ونفاق ودجل الديمقراطية الغربية في التعامل مع الشعوب الضعيفة وخاصة أهل فلسطين الذين يطلب منهم الاعتراف بإسرائيل وعدم مقاومتها والتعايش مع احتلال عنصري بغيض لا مثيل له.
ليس هناك من مثال أكثر ظلماً للحقيقة من ذلك القرار الذي اتخذه مجلس الأمن قبل فترة بعدم التشكيك بالمحرقة اليهودية كليّاً أو جزئياً ، بمعنى آخر، ان مجلس الأمن تحوّل إلى إله يعرف كل الحقائق وهو - للمرة الأولى في تاريخه- يفرض حقيقة تاريخية على البشر يعاقَب مَنْ ينكرها ، إن الأديان السماوية الثلاثة لم تفعل ذلك ، ولكن مجلس الأمن فعلها!
هذا القرار نفاق كبير ، لأن التاريخ ووقائعه مثار جدل ونقاش، التاريخ مثله مثل كل العلوم، قابل للطعن ، ولكن مجلس الأمن كان فوق العلم وفوق البشر، ومنع بذلك ليس حرية التعبير فقط وإنما حرية التفكير أيضا، وهذا لم يحدث ابداً.
أما إذا تعلّق الأمر بأقدس شخصية إسلامية وتخص مئات الملايين من البشر فإن ذلك يوضع تحت لافتة حرية التعبير.
إذن المسألة أكبر وأعمق من حرية التعبير.
لم يعد هناك أكثر وضوحاً من هذا الوضوح.
أقول ؛ ما كدنا ننتهي من الرسومات المسيئة للرسول الأعظم ، والتي ذكرتنا بالناسك بطرس الذي حمل رسما يظهر فيه "التركي الفظ " وهو يضرب المسيح، وراح يلوب في المدن والقرى يثير الناس ويحرّضهم لتخليص قبر المسيح من "الأتراك الملاحدة" أو من "المحمّديين الوثنيين" .. حتى طالعنا بنيديكت XVI بتصريحاته المُمضّة، ولتخرج علينا صحيفة "ليفاجارو" الفرنسية وهي تصبّ على النار زيتا.. وها نحن نسمع مسؤولين من الهند يسيئون للنبيّ العظيم ، مثلما رأينا سباق بعض المثقفين الغربيين من كُتّاب ومخرجين وسياسيين ومفكرين وفنانين في توجيه الإهانات "العميقة" للإسلام ، وسبق ذلك في بداية القرن العشرين بحثٌ محموم لتقديم الإسلام بطريقة مشوّهة تدعو إلى الرثاء، وجرت قراءة الاسلام وتفسيره بمناهج البحث الغربية وبالمنطلقات القيمية والمعرفية الغربية، فأصبح الاسلام ظاهرة "ضد المدنية والتقدم" باعتباره ديناً مسلحاً يخلو من الطرب والخمر وحرية النساء وحرية الغلمان. وليس من الغرابة أن دعت العلمانية إلى مذهب الغلمانية وسنّت القوانين وسيّرت المظاهرات تأييدا لهذا المذهب الذي أصاب قوم لوط ، فخسفهم ربّهم أعمدةً من الملح المرّ.
والمشكلة هنا أنهم يهاجمون رمز إسلامنا وينهبون ثرواتنا ويحتلون أرضنا ويغيرون مناهجنا ويعلموننا الديمقراطية وحقوق الانسان وحرية المرأة وحرية اللواط أيضا، ويتحالفون مع الاحتلال رمز العنصرية والقتل!.
ومنذ العام 1830 وحتى هذه اللحظة ونحن لم نتعلّم شيئاً سوى الفوضى والتفكك ومزيداً من التشظي والتخلّف دون أن نتخلّى عن الاسلام، إذن، هناك مشكلة حقيقية، وبدلا من ميلاد أنظمة ومجتمعات تتعلم من الغرب وتسير على هديه ومنهجه، فقد زرع الغرب في بلادنا "إسرائيل" لتكون لنا نموذجا يحتذى في احترام حقوق الانسان وحقوق الغلمان أيضا، وبدلا من أن تسير خطط التنميه والتقدم والتحرر في بلادنا، فقد ضرب الغرب بيديه أو بايادٍ إسرائيلية كل علامات التقدم والتنمية، وهكذا فإن بلادنا التي تسبح على بحار النفط والذهب والفوسفات تحوّلت - بقدرة قادر - إلى أفقر بقاع الأرض وتحولت مجتمعاتها التي تربط بينها روابط اللغة والتاريخ والهدف إلى أكثر المجتمعات فرقة واختلافا وتخلّفاً.
وبعد كل هذا الظلم والاحتلال والاستغلال والاهمال والقتل والهدم والتفكيك والتهميش والتحقير، يأتي "مثقف ما" أو "مفكر ما" أو "سياسي أو إعلامي ما" حاقد جاهل عنصري، ليسيء إلى نبيّنا الكريم !! كأنه يعلّمنا اللغة الصحيحة والديمقراطية التي لا مثيل لها ، فنغمة المستشرقين الأوائل الذين كتبوا تقاريرهم للمخابرات ومن ثم حوّلوها إلى كتب علمية تناقلها كثيرٌ من مثقفينا العرب وجعل منها هاديه ونبراسه، تتكرر اليوم بالطريقة ذاتها ، ولكن باختلاف أن من يُصدر النغمة هم السياسيون والقادة الأقلّ ثقافة أو قُل الأكثر غباءً في العالم.
وحتى نضع الأمور في نصابها الصحيح، وحتى لا نضيع في متاهات وردود أفعال انفعالية ونتحوّل إلى مدافعين عمّا ألصق بنا وبديننا من اتهامات وافتراءات باطلة، فإن من دواعي الحق والحقيقة القول إن كل هذا يَصُب في خانة واحدة، عنوانها الكبير والصغير، السيطرة على منطقتنا العربية والاسلامية خدمةً لهدفين اثنين لا ثالث لهما:نهب ثرواتنا من جهة وحماية اسرائيل من جهة أخرى ولا شيء ثالث. وإلا كيف نفسّر تصريحات الإعلامي الهندي الحقير، بضرورة تحالفه مع إسرائيل ليقصفوا معاً قبّة المسجد النبويّ الشريف؟!
ونذهب إلى التاريخ قليلا ؛ففي يوم 18 تشرين الثاني من العام 1095 - أي قبل ألف سنة ويزيد - وقف البابا أوربان في مدينة كليرمونت بفرنسا وقال أمام ثلاثمئة وعشرة من الأساقفة والقساوسة ما ننقله بالنص هنا "يا خزينا، يا عارنا، إذا ما انتصر جنس يتّسم بهذه الحقارة والانحطاط وتستعبده الشياطين والعفاريت، على شعب أنعم الله القدير عليه بالإيمان وتباهى باسم المسيح"-
في هذا الخطاب الذي شكّل الأساس لما عرف في حينه بالحروب الصليبية، وصف البابا المذكور المسلمين بهذه الأوصاف "الجنس الخسيس، الكفار، البرابرة، الأتراك" وهذا الكلام لا نتقوّل به على أحد، بل هو وارد في كتاب لقسيس يدعى فوشية الشارتري بعنوان "تاريخ الحملة إلى القدس"، وكان هذا المؤلف القسيس أول قسيس صليبي في أول إمارة صليبية أُقيمت في بلادنا.
وبعد أكثر من ألف سنة نسمع من جديد أن الاسلام فاشي، وأن الحضارة الغربية أفضل من الحضارات الاسلامية وأن الاسلام متوحش وأن هناك إسلاميين: واحد ليبرالي مسالم وطيّع وناعم ومقبول ، وآخر إرهابي ومتعصب ومتزمت، وأن المسلمين نوعان: معتدل ومتشدد، وأن الأنظمة والشعوب العربية والاسلامية مختلفة ومتنوعة باختلاف قربها وبعدها عن مكدونالد وكوكاكولا وبريتني سبيرز ، ولا أحد يتحدث عن النفط أو عن إسرائيل.
الغرب استعلائي وإقصائي تماما، فأوربان هذا الذي شتم "الأتراك الذين هم شعب فارسي"، كما قال، لم يكن يعرف شيئا عن العلماء والفلاسفة والشعراء والكتّاب العرب والمسلمين، ولم يكن يعرف شيئا عن عظمة القاهرة وبغداد ودمشق وحلب والقدس وتمبكتو، حتى معلومات الغرب عن الطب لم تكن تزيد عن معرفة حلاّق في بلدة ريفية نائية- رغم افتراءات فيلم The Physician ذي النبرة الاستشراقية المزوّرة-، ومن يقرأ ما كتبه أسامة بن منقذ عن علوم الفرنجة الطبيّة سيضحك طويلا، ورغم ذلك يقف أوربان بكل ثقة ليقول إن المسلمين هم جنس يتسم بالحقارة والانحطاط، هل لهذا علاقة بما صرح به جون بولتون أن هناك فرقا بين دم ودم وقيمٍ وقيم... خلال تبريره للعدوان الاسرائيلي على لبنان قبل ستة عشر عاماً.
تقوم حكاية الغرب على أنهم جنس أرفع، بالعرق والدّين والمعرفة، وتقوم حكايتهم على أن التاريخ هو تاريخهم وأن الكون يدور حولهم، وأنهم صانعوا الاتجاهات والمعايير والمصطلحات ،وأنهم الأقدر على بناء أفضل السياقات الروحية والأرضية معا.
الحضارة التي أقاموها اعتبروها نهاية مايمكن الوصول إليه بشريا، وهم ينكرون على الآخرين مساهمتهم في صياغة أو بناء هذه الحضارة، وهم - لجهلهم أو غرورهم أو وهمهم- يعتقدون أن هذه الحضارة وصلت إلى غايتها المجتمعية – بالحرية الفردية – وغايتها السياسية – بالديمقراطية السياسية – وبهذا لم يبقَ سوى تحقيق النبوءات الكبرى، وهكذا تصاب هذه الحضارة بكل ما تصاب به الحضارات القوية، البحث عن الأوهام من أجل تطبيقها أو الانفجار من داخلها بحثا عن أوهامها.
وفي خضم هذا كله خرج علينا بابا أالماني باسمه البروتوكولي بنيديكت أو بنيديكتوس أو كلاهما، ويفاجئنا الرجل بأنه فَكِه وطروب وصاحب ابتسامة تقطر إيماناً وتفهّما وتقوى وقداسة، ويفاجئنا أيضا أنه لم يتقدم قيد أنملة عما قاله أوربان قبل ألف عام، رغم الانفجار المعرفي وتوالد محطات التلفزة الفضائية وانتقال العالم من غابة إلى مجرد قرية صغيرة تشرب الببسي كولا وترقص على أنغام الروك والبلوز والفانك ... يخرج علينا هذا الرجل في الوقت الذي لم يعد في الغرب ما يبهر سوى قوته، ليس إلاّ، فحكايته حول تعريف العالم وتفسيره لم تعد مقنعة، حتى هو لم يعد يُصدقها.
بابا روما ذاك.. إذن، لم ينتبه ولم يتعلم ولم يقرأ ما حدث طيلة ألف سنة وأعاد القصة إلى أولها، أي أن البابا ذاك قدم الغطاء الديني اللازم من أجل السيطرة على منطقتنا بالحديد والنار، فما دُمنا نتبع نبياً لم يأتِ الاّ بالسيء والشرير، فلماذا لا نُصفّى ونذبح وتؤخذ منا أراضينا وثرواتنا، ولماذا لا تتمتع اسرائيل بخيرات هذه المنطقة، ولماذا لا نُغزى في عقر ديارنا،ونُحرم حتى من شم الأزهار!؟
ومن يقطع أحد الحواجز العسكرية الاحتلالية في الأراضي الفلسطينية سيعرِف وسيلمس معنى تصريح بابا روما هذا ! إذ لأنك عربي ولأنك مسلم أو حتى مسيحي فلسطيني تموت زوجتك على حاجز "زعترة" أو على مفرق قلنديا،إن موت هذه المرأة على ذلك الحاجز وتحت عدسات الكاميرا لتشكل فضيحة أخلاقية لكل الحضارة التي ينتمي اليها البابا.
يجب عليّ - على الأقل - أن اعتبر أن تصريحات البابا - التي يدّعي فيها أن المسلمين أساءوا فهمها وأخرجوها من سياقها – لا تخدم الحوار ولا التفاهم ولا أي أمر إنساني - بقدر خدمتها الاستعمارية والتوسعية واستعمال القوة بأقصى حالتها وتوحشها بحق المسلمين في فلسطين والعراق وأفغانستان وسوريا وسريلانكا والبلقان.
لقد صور ذلك البابا المسلمين ودينهم على أنهم غير عقلانيين يتبعون دينا "يستعبدهم فيه الشياطين والعفاريت" كما قال أوربان ، كما أنهم يدينون لنبيٍّ لم يأتِ سوى بالسيئ والشرير ، وأن المسلمين لا يستطيعون نقاش ربهم باعتبار أن إرادة الله فوق عقلهم لأنهم يمتنعون عن نقاشها أو رفضها.
ولم نقع هنا في ردة الفعل بحيث نشرح للسيد المبجل والمقدس.. ديننا، أو موقع العقل في هذا الدين- لم يقرأ ابن رشد والنقاش والتعقيبات على العقل والنقل- وما هو دور سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في تقدم الكون كله، ولا عن معنى الاسلام وعلاقته بالآخرين، يكفي هنا أن نقول إن إيماننا لا يكتمل إلاّ بالإيمان بسيدنا المسيح وبقداسة أُمّه مريم عليهما السلام .
ما أريد أن أقوله هنا هو تذكير ذلك البابا بما تمت خيانته من المسيحية الحقيقية، وما تم من عمليات "إنسانية" في تفسير إرادة الله وعقلنتها إلى درجة أخرجت الأمر كله إلى ساحة السخرية والعبث، وما تم من تجسير المسافة بين الله والإنسان الى درجة أن تحوّل بعض الأشخاص ومنهم البابوات الى تنازع السلطة مع الله تعالى والمسيح عليه السلام نفسه.
إن نقاش إرادة الله سبحانه وتعالى بدعوى حرية العقل البشري أدى فيما أدى إليه إلى التباس شديد ومربك ومحرج في طبيعة السيد المسيح ودوره ورسالته، ولأن من المستحيل عقلنة أي دين ذلك أن في كل دين – مهما قل عدد أتباعه – مناطق لا يمكن للعقل أن يسأل أو أن يتلقى إجابات،وخاصة لمَن يعبدون الفئران أو البقر..ولهذا ، أيضاً، فإن المسيحية الغربية بالذات قدمت إجابات على كل شيء - بدعوى العقل - جعلت من كثير من مثقفيهم وفلاسفتهم وشعرائهم وكتابهم يقولون عن ذلك ما لا يمكنني نقله احتراما لمشاعر من نعيش معهم من أخوة لنا نحترمهم ونقدرهم ولا نفكر مطلقا بالإساءة إليهم.
إن كلام المسؤولين المتعصبين الهنود يشبه كلام ذلك البابا عن إرادة الله وعقلنتها .. فهو مضحك تماما، فهو يعرف أن الأديان لا تناقش، ولو قرأنا شيئا عن الهندوسية او المهاريشية أو المورمونية أو حتى اليهودية التي يفخر بالقاسم المشترك معها لأدرك أن العقل يقف حائرا من إرادة الله، ولكنه لم يلاحظ ذلك سوى في الإسلام، لأن أهله هم الذين يملكون النفط "ويهددون" إسرائيل.
البابا الذي درس اللاهوت في جامعات المانيا لمدة طويلة أثبت انه لا يقرأ التاريخ إطلاقا ، فضلا عن جهله بالإسلام أصلا ،فلو قرأ التاريخ لعرف ما معنى السيء والشرير، فإذا قسنا السوء والشر بمعنى الاعتداء على البشرية وذبحها وسرقة ثرواتها وأراضيها وانتهاك العالم وتخريبه وتلويثه، فمن الأجدر هنا الإشارة إلى حروب الأمم المسيحية فيما بينها ومن ثم حروب هذه الأمم ضد غيرها من أمم إفريقيا وآسيا وأمريكيا الشمالية والجنوبية لنعرف فظائع ما ارتكب بحق تلك الشعوب - النكته الحقيقية هنا أن قتل الناس وسرقتهم وتحويلهم إلى بهائم أو جثث تمّ باسم الدين المسيحي ، والدين فقط .. وخصوصا في الهند أو بحقّ الهنود الحمر- .
ان البشرية جمعاء، ومنذ أول حرب وقعت بالتاريخ وحتى سنة 1914 لم يقتل من الناس بقدر القتلى الذين راحوا ضحية الحربين الأولى والثانية، وهي حروب بين أمم مسيحية تسابقت على النفوذ والتسلح والتميز والأوهام.
ان المسيحية الغربية هي التي أنتجت أفكار التميز والوهم مثل الفاشية والنازية واللاسامية ، وهي التي اخترعت حروب الاستباق والوقاية وهي التي خلقت الاستعمار القديم والجديد وهي التي احتقرت البشر وهي التي احتقرت البيئة واستغلت العالم حتى آخر قطرة فيه.. وأذكّر الهنود "المحترمين"بما فعلته بريطانيا فيهم!!
لهذا لا يمكنني فهم تصريحات أولئك الهنود إلا أنها تعبير عن ترسبات حاقدة وظالمة وجاهلة ضد الإسلام. ولا يمكنني فهم تصريحات ذلك البابا بعيداً عن الجو العدائي والاستعلائي والاستعماري، لأنه في الوقت الذي قدّس فيه السيد المسيح ولا أذكره إلا بالصلاة والسلام عليه، وفي الوقت الذي لا أستطيع فيه الحركة بين مدينتين في فلسطين (من رام الله إلى قلقيلية)، وفي الوقت الذي يقتل فيه من أُمّتي يوميا العشرات أو المئات، أسمع شخصا يمثل أرفع منصب سياسي في الحزب الحاكم الهندي، أو أعلى منصب ديني في العالم المسيحي يتهم نبيّ الرحمة ، الذي علّم الناس حُبّ الناس وحبّ العالم وحبّ الله، بأنه لم يأت الا بالسيء والشرّير؟!.
واضح أن هناك خللاً ما، خلل كبير يجب إصلاحه. وإذا كان أوربان أشعل حربا بحجة أنها "إرادة الله" لمدة ثلاثمئة سنه، فإن البابا لم يشعل الحرب ولكنه يزيد أُوراها المستعر، ليسرّع النهاية بالتأكيد.. وإن تصريحات المسؤولين الهنود هي امتداد وتتقاطع مع أوربان والبابا .. وتخلق المناخات المواتية للكراهية والدم وتصادم الأكتاف واقتتال الشعوب وتعميق التشققات في المجتمعات .. وهذا ما لا يدعو له النبيّ الرحمة الشفيع الحبيب العظيم ، بقدر ما دعا إلى التآلف والتعارف والتعاون والتعايش والمحبّة .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت