تتناول الكاتبة الأردنية عليا أحمد في روايتها الصادرة حديثاً تحت عنوان "خطأ مقصود"، فكرة الأقدار التي تنسج مصير الإنسان وتلاحقه، وتفرض عليه سطوتها مهما اعتقد أنه أفلت من يدها أو تمكَّن من السيطرة على مجريات حياته.
وجاءت الرواية الصادرة عن الآن ناشرون وموزعون في 240 صفحة من القطع المتوسط، وحفلت بالأحداث التي كشفت أبعاد الصراعات اليومية التي يخوضها الإنسان في مجتمعه، والتي يلتقي فيها الشخصي بالعام ضمن حبكة واقعية محكمة.
وتدور القصة حول طفل تضطره الظروف إلى دخول إحدى دور الرعاية بعد أن يفقد والديه، فيعيش ضمن مجتمع مثالي تسود فيه روح المحبة والانضباط، ويحمل خلال ذلك مسؤولية طفلة رضيعة تدخل الدار في ظروف غامضة، فتختلط لديه المسؤولية الأبوية تجاهها بمشاعر الحب والتملك، وتكبر الطفلة أمام ناظريه فيزداد بها تعلقا، لكنه يضطر لكبت مشاعره الحقيقية، ويكتفي بممارسة دوره النبيل تجاهها.
وحين تمضي الأحداث إلى الأمام، تكشف لنا الرواية كثيرا من تفاصيل حياة الشخصيتين، والظروف التي أدت بهما إلى دار الرعاية.
وامتازت الرواية بحرصها على إطهار الملامح البيئية والاجتماعية للمجتمع الأردني الذي تدور ضمنه الأحداث، بملامحه الديموغرافية والعشائرية، فنقلت الكاتبة صورة المكان وصفات الأشخاص والعادات واللباس، ووجهت الأنظار إلى الشخصيات التراثية التي ما زالت مؤثرة في البنية النفسية للمجتمع.
تقول الكاتبة في مقدمة موجزة للرواية: "كل مكانٍ زرتُه ترك داخلي حنينًا كبيرًا لأكتب وطني أكثر، وكأنكَ كلَّما أوغلتَ في التنقُّل والاغتراب اشتقتَ مكانكَ الأول أكثر، وكلَّما تعرَّفتَ لغاتٍ أكثر زاد اشتياقكَ لتكتب لغتكَ الأم. المضحك أنني أنهيتُ هذه الرواية بلوحة مفاتيحَ لا تحمل أحرفًا عربية، وكان كل الاعتماد يقع على ذاكرتي في التنقُّل بين الأحرف، ليس صعبًا أن تقتني لوحة مفاتيح بأحرف عربية، لكن الصعب أن تنقِّبَ لتجدها، أن تستميت لتكتبها، أن تواجه ذاكرتكَ وهذا الخيط اللامرئي من الذاكرة الذي يربطني بلغتي ووطني وأمي، وكانت تلك الأخطاء بمثابة صعقات للذاكرة كي لا تَنسى!".
ومن أجواء الرواية التي تظهر فيها علامات الشغف ممزوجة بالجانب التراثي الفلكلوري الذي حرصت الكاتبة على إظهاره:
"أما تلك الجميلة فكانت ترتدي زيًّا سلطيًّا بامتياز، العصبة الحمراء المعقودة على شعرها الداكن، تتدلى على جبينها حلقات ذهبية من العصملِّيات التي تتبارى النساء بكثرتهن، وبوزنهن! لكن حبيبتي ترتدي المقلَّدة منها، عصمليَّات حبيبتي كانت بلا قيمة ومع ذلك كانت أغلى من الألماس! فهذا الرأس الذي وضعنَ فوقه منحهنَّ أغلى قيمة، عيناها وذلك الثوب المطرز بخيطٍ أحمر كالدم وآخر ذهبي كالشمس على أرضٍ سوداء كليل عينيها، خصرها الذي احتضنه حزامٌ تتدلَّى منه السلاسل، تضيقُ معه عيني دون أن أرى غيرها، وأخيرًا خلخال ذهبي لا يملكُ صوتًا لكنه يملك بريقًا سحرني، هو لا يملك صوتًا لكن أجراسه تدقُّ في قلبي وعقلي!".
يذكر أن المؤلفة ولدت وترعرعت في مدينة سحاب شرق العاصمة الأردنية عمان حصلت على شهادة البكالوريوس في الفيزياء من الجامعة الهاشمية، عملت في التعليم ثم انتقلت للعيش في الولايات المتحدة في 2011، وهناك عملت معلمة في ولايتي أريزونا وتكساس. بدأ مشوارها الأدبي بكتابة المقالات والتدوينات على الإنترنت، وبعد انتقالها للعيش في وارسو ببولندا، كتبت روايتها "خطأ مقصود" التي تعدّ أول عمل أدبي لها.