قصة نجاح أبو فيصل في البرازيل ...مصدر الهام للشباب العربي

بقلم: بشرى حفيظ

يغادر الكثيرون الأمم من المكان الذي ولدوا فيه ونشأوا من أجل الآخرين ، تاركين أراضيهم وذكرياتهم وأسرهم في رحلة إلى دول جديدة حيث تختلف التقاليد والعادات والتقاليد الاجتماعية عن تقاليدهم. يجب أن يتكيفوا مع الإقامة في مجتمعهم الجديد ، خاصة إذا كانت إقامتهم أبدية. في كثير من الظروف ، ينجحون ، وتشجع حكايات نجاحهم الأجيال الجديدة التي تطمح إلى اتباع نفس المسار. قصتنا ونحن نتحدث هي عن محمد نسيب مراد الذي هاجر من لبنان وهو شاب بسبب الظروف الصعبة في المنطقة في ذلك الوقت.

الطفولة في لبنان

محمد نسيب مراد ، "أبو فيصل" ، ولد عام 1938 في منطقة البقاع الغربي ، طوال فترة الاستعمار الفرنسي (1920-1943). نشأ في بيئة متواضعة تعيش من الفلاحة، وبدأ منذ سنواته الأولى العمل في الأراضي الزراعية التي يملكها والده.

 كانت المأساة الأساسية في حياته هي وفاة والده عندما كان صبيا أصغر من ذلك بأربعة عشر عامًا. ويقول أبو فيصل: "بعد وفاة والدي، احتاجت أمي إلى النهوض في الثالثة صباحًا لبدء العمل داخل الحقول القريبة لمساعدة الأسرة. كان قراري الأول كطفل صغير فتح عينيه ليجد نفسه في قلب المسؤولية واضطر للعمل في سن صغيرة ليعيل الاسرة، نيابة عن والدته التي لم تستطع تحمل كل العبأ."، واستمر أبو فيصل في العمل في الفلاحة الى أن دخل مفهوم الهجرة إلى البرازيل في أفكاره وقرر المغامرة .

الهجرة إلى البرازيل

يروي أبو فيصل عن اللحظات التي صعد فيه على متن القارب على شواطئ لبنان لبدء رحلة هجرته وعياناه تمتلئان بالدموع بعد سماع والدته تتوسل اليه من أجل العدول عن الفكرة وعدم السفر، ولكن الإرادة والرغبة الجامحة في الإنجاز تغلبت على العواطف، واستمرت رحلة أبو فيصل على متن الباخرة لمدة 30 يومًا، راوده خلالها شعور بالغربة وقلق من المجهول.

وعند وصوله يروي أبو فيصل: “كانت أختي وأبناء عمي بين المنتظرين على ميناء سانتوس، ومنذ أن وطأة قدمي أرض الميناء، بدأت رحلتي الدقيقة في تعلم لغة وتقاليد جديدة تمامًا. بدأت العمل كبائع طرق، حمل البضائع على كتفي وطرق المداخل للترويج لها مثل مئات المهاجرين العرب الذين بدأوا حياتهم في البرازيل بنفس النهج ". وأضاف أبو فيصل أنه كان عملاً شاقًا ، لكنها كانت الاستراتيجية الوحيدة لكسب المسكن.

ومع مرور السنوات، بدأ أبو فيصل في التكيف مع الحياة في البرازيل، وتحسنت ظروفه شيئًا فشيئًا. حيث عمل في محلات المفروشات الضخمة الى أن افتتح مكتبه الشخصي. ثم توسعت تجارته مع الوقت وحققت نجاحًا ساطعا. اذ يمتلك في الوقت الحالي 32 متجرًا ضخمًا للمفروشات وعدة عقارات في البرازيل وسوريا ولبنان.

 تحدث أبو فيصل عن عودته إلى لبنان للمرة الأولى بعد 16 عامًا وصدم من استمرار هجرة الشباب. وقد كان حريصًا على شحن أبنائه سنويًا إلى لبنان لتعليمهم اللغة والعادات والتقاليد وتعزيز مرجعيتهم إلى وطنهم.

القومية العربية وجمال عبد الناصر

ينتمي أبو فيصل إلى عصر كان يؤمن بالقومية العربية. إلى عصر عُرف بالوحدة من أجل تحقيق التحرير والاستقلال، والقضاء على التبعية ، وبناء جيوش قوية ، وتحقيق نهضة علمية قد تتغلب على قوى الاستعمار الغربي ، في وقت كان العالم العربي يعاني العديد من التناقضات والانقسامات وسط صراع لإعادة بعث الهوية العربية.

أبو فيصل لا يخفي إعجابه وولائه بالرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، الذي كان مصدر إلهام لكل عصره وصاحب عقيدة تؤمن بأنه من الواجب أن تتوحد القوات العربية في مواجهة القوات الاستعمارية لتحرير فلسطين. واستعادة الحقوق العربية. ويتذكر أبو فيصل بمرارة هزيمة حرب 1967 ، التي قسمت مشروع الوحدة العربية ، وأدت إلى خيانة وعدم وجود أراض عربية إضافية لصالح المشروع الصهيوني. لكنه مع ذلك يعتقد أن الوحدة هي الاستراتيجية الوحيدة لتحرير الأرض واستعادة الحقوق. يروي لنا أبو فيصل رواية مفادها أنه عندما حدثت الهزيمة عام 1967، جمع هو وعدد قليل من رفاقه مبلغًا كبيرًا من المال من المجموعة العربية في البرازيل وأرسلوا وفداً إلى مصر لتقديم أموال للمساعدة في إعادة بناء الدولة المصرية.

الجالية العربية في البرازيل

تشكل الجالية العربية في البرازيل جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي البرازيلي. بفعل اندماج الأجيال السابقة من المهاجرين في مجتمع الشتات. اكتشف بحث إحصائي أجرته الغرفة التجارية العربية البرازيلية عام 2020 أن 11.61 مليون عربي ومنحدرين من أصل عربي يقيمون في البرازيل. إنه لأمر استثنائي أن العصر الجديد يحافظ مع ذلك على الهوية والعادات العربية، ولكن في المقابل، يخضعون للعديد من القضايا والتحديات والضغوط، ولقد عمل أبو فيصل والعديد من النخب العربية ورجال الاعمال الناجحون على بناء المؤسسات والمراكز والكليات والمساجد الإسلامية لخدمة الأجيال الجديدة والحفاظ على العادات والتقاليد ولتقوية صلة الجيل الجديد من أبناء المغتربين العرب وربطهم بأوطانهم الأصلية.

الجمعية الخيرية الإسلامية

 سعى العديد من المهاجرين العرب إلى بناء مؤسسات عربية في البرازيل لحماية التقاليد والهوية العربية ، ويتحدث أبو فيصل عن الجهود الحثيثة التي بذلها هو ومجموعة من المهاجرين العرب لحماية المؤسسات العربية وإنشاء مؤسسات جديدة لاستيعاب الأعداد الكبيرة من المهاجرين. ثم أصبح رئيسًا للجمعية الخيرية الإسلامية لبضع سنوات ، جنبًا إلى جنب مع مسجد البرازيل ، أهم وأقدم مسجد في أمريكا اللاتينية ، جنبًا إلى جنب مع الكلية الإسلامية والمقبرة. عمل خلالها على تقديم أفضل مقدمي الخدمات للمجموعة العربية عن طريق التدريب والرعاية الصحية، و كانت القضية الفلسطينية حاضرة طواله الوقت في بال أبو فيصل سواءا في  مؤتمراته أو مناقشاته مع المسؤولين السياسيين في البرازيل ، ولا سيما عندما التقى بالرئيس البرازيلي السابق لولا دا سيلفا. كما أنشأ أبو فيصل مجلة العروبة ، التي تنشر مقالات للمهاجرين العرب.

يعد تأثير الهجرة العربية في البرازيل بارزا بشكل ايجابي في جميع مناحي الحياة. لقد وضعت الهوية العربية بصمتها المميزة في المجتمع البرازيلي في جميع المجالات، اذ أكد المهاجرون العرب تفوقهم في مجالات الطب والهندسة والاقتصاد والأدب والأنشطة الرياضية والسياسة. وقد وصلت نجاحاتهم إلى مناصب رفيعة المستوى مثل البرلمانيين ورؤساء البلديات وحكام الولايات والنواب وحتى رئيس الأمة. ونجح ميشال تامر ذي الأصول العربية في الوصول الى رئاسة البرازيل بعد التصويت على عزل الرئيسة ديلما روسيف. ستشجع قصة محمد نسيب مراد ، "أبو فيصل" ، ومختلف المهاجرين الرابحين الأجيال الجديدة من المهاجرين على النجاح والمضي في علاقتهم مع أوطانهم.... هذه هي مهمة كل مهاجر.

 

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - تقرير: بشرى حفيظ

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت