- سري سمور
- كاتب ومدون فلسطيني
دون تحرير فلسطين وتصفية الكيان العبري، لن تعيش المنطقة أية نهضة وسيزداد التمزق بكافة مستوياته، ولن يتوقف الأمر على الاكتفاء بالقُطريات التي غالبها منتج أوروبي سقته ورعته أميركا، بل سيتولد عن التمزقات والانقسامات الحالية، مزيد ومزيد أشبه بمتوالية هندسية، لدرجة ربما تعلن بعض العشائر عن دول خاصة بها مع علَم وجند وغير ذلك.
وليس ثمة أمل بأن ينصلح الحال على أي صعيد ما دامت إسرائيل موجودة، ولكن ما أقوله يبدو من الصعب إقناع قطاعات وشرائح لا يستهان بحجمها من الناس في المنطقة به، فهناك ممن يرى إسرائيل عدوّا ولكنه لا يراها سببا في معظم مشكلات المنطقة، وهناك من يتجاهل وجود إسرائيل وهمّته في قضايا ومسائل أخرى يراها أكثر إلحاحا.
وما درى هؤلاء أن إسرائيل سبب الاستبداد، وأنها سبب الفساد المالي والإداري والمشكلات المجتمعية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وانتشار التلوث والمشكلات البيئية سببها الحقيقي هو وجود إسرائيل على أرض فلسطين.. لذا لكي تكون الحياة عادية وطبيعية في المنطقة يجب أن تزول إسرائيل.
وصول الناس أو لنقل نسبة معقولة منهم إلى هذه القناعة، هو مسمار في نعش إسرائيل، قد يكون الأخير؛ ولذا وجب على من يسعون إلى تحرير فلسطين أن يجعلوا من هذا الهدف (إقناع الناس بهذه الحقيقة) باستخدام مختلف الوسائل.
حملة مخططة ومستمرة لتغيير قناعات الناس
ولحسن الحظ أن الوسائل العصرية تترك مجالا واسعا لهم، كي يقوموا بحملات متواصلة مدروسة بسقف زمني محدد، فالإعلام لم يعد حكرا على فئات سياسية بعينها، وكهنة إعلام الأنظمة في هذا الزمن محل سخرية وغضب بسبب ما يعرضون من ترهات وحماقات، مع كل ما ينفق عليهم من أموال طائلة، وكذلك محاولات (أفيخاي أدرعي) وغيره من سدنة إعلام الصهاينة.
ويجب توظيف الوسائل العصرية السريعة، فأنا أدرك مثلا أن كلماتي هذه قد يقرؤها عدد قليل جدا من الناس بتمعن، وقليل بمرور سريع، مقارنة مع مشاهدة مقطع فيديو قصير بتقنيات احترافية، أو عرض إنفوغراف، أو رسم كاريكاتيري أو ما شابه من الوسائل السريعة المؤثرة خاصة في شريحة الشباب.
مهمات المقاومة الفلسطينية
اتفقنا بأن الفلسطينيين ظهرهم مكشوف ولا يمكنهم وحدهم تحرير فلسطين، ولكن مقاومتهم ضرورية وبدونها لا يمكن أن تقوم للأمة قائمة، فوجب دعم وتطوير هذه المقاومة والحفاظ عليها.
وفي ظل الوضع العربي المتردي حاليا فإن مهمة المقاومة الفلسطينية صعبة، ولكنها ليست مستحيلة على صعيد تغيير جذري في الفضاء العربي، فاستمرار المقاومة، التي ستجابه بشراسة ودموية وتكشير عن الأنياب من الجانب الصهيوني، يجب أن تكون نتيجتها وقوف أطراف عربية رسمية (الفعاليات الشعبية والجماهير مضمونة) ضد الصهيونية علنا، أو على الأقل عدم التحالف معها والكف عن مضايقة الفلسطينيين، وأيضا ذهاب أطراف عربية أخرى إلى نهاية الطريق بعدم التحجج بالسعي نحو (السلام) أو العمل على وقف (سفك الدماء) والمزاعم الكاذبة بأن ما يجمعهم بالصهاينة من علاقات يصب في صالح القضية الفلسطينية، بل سيقفون علنا وصراحة في المعسكر الصهيوني بلا رتوش، وهذا جيد لمصلحة انكشاف الحقائق وقطع التردد عند قطاعات شعبية لا تزال تتأمل في هؤلاء خيرا.. ومثل هذه الفئة هزيمتها مؤكدة بالسند التاريخي، مهما بلغت من قوة، ومصيرها كمثل مصير جيش أنطوان لحد أو أسوأ.. وكل هذا منوط بتقدم المقاومة الفلسطينية وتصاعدها.
والمقاومة الفلسطينية وأدوارها يمكن أن نقسمها كالتالي مع دور كل قسم في الصمود والتحرير والنكاية بالعدو:
- الضفة الغربية والقدس
استمرار الصمود في الأرض، ومناكفة العدو، مع صعوبة الأوضاع بسبب السيطرة الأمنية المعززة بأحدث التقنيات، ولكن مناوشة العدو تربكه وتستنزفه، ولأن القدس والمسجد الأقصى هما أبرز وأهم عامل في الصراع، فإن المقدسيين وفلسطينيي 48، ومعهم أهل الضفة الغربية، أثبتوا وسيثبتون أنهم يفدون المسجد الأقصى بدمائهم بلا تردد أو حسابات، ووجب على المقاومة في غزة، وأيضا في لبنان أن تسندهم في الأزمات، مثلما فعلت غزة العام الماضي في مايو/أيار 2021 في شهر رمضان 1442هـ، وذلك عند خطر تهجير عائلات مثلما كان يحدث لأهالي حي الشيخ جراح، أو ما يخطط له من محاولة انتزاع جزء من المسجد الأقصى أو محاولة تكرار ما جرى في المسجد الإبراهيمي في الخليل، وأن يكون التدخل كما كان العام الماضي بتوجيه إنذار له مطالب محددة آنية.
أما في حال ذهب الصهاينة بعيدا (وهذا متوقع ووارد في ظل انفلاتهم السائد) وهدموا المسجد الأقصى سواء بفعل مباشر أو نتيجة الحفريات التي تجري تحته، فلا مناص من حرب مفتوحة لا تخضع لاعتبارات أو تسبقها خطوات كالتي نتحدث عنها.
- قطاع غزة
ما قامت وتقوم به غزة أشبه بمعجزة، بتحويل هذا الشريط الساحلي المكتظ الضيق إلى ما يشبه المعسكر وخوض حروب ومواجهات مستمرة منذ سنوات، ولكن ظل الأمر في نطاق الإستراتيجية الدفاعية، والمرحلة القادمة يجب أن تتحول إلى إستراتيجية هجومية توسعية، ولكن دون مبالغة في الأهداف بأن الهدف هو تحرير كل فلسطين، بل بتطهير منطقة (غلاف غزة) والعمل على الاستحكام فيها والوصول إلى عسقلان والمجدل وخلق واقع جديد أي توسيع قطاع غزة باتجاه الأراضي التي تحتلها إسرائيل، وهذا في حال حدث فإن نتيجته المؤكدة انقلاب الموازين دوليا وإقليميا وفلسطينيا وتولّد معادلة جديدة بناء على الواقع الجديد الذي سيكون له ما بعده من نتائج متوقعة وغير متوقعة إيجابيا في خدمة هدف التحرير الشامل.. اختصار ليس مطلوبا من غزة تحرير فلسطين، بل فقط مناطق محاذية للقطاع ذات أهمية إستراتيجية، وحماية القدس والأقصى من عدوان دراماتيكي كما العام الماضي، وكذلك منع العدو من الاستفراد بجنين أو غيرها بحيث يعيد الأمور إلى نقطة الصفر.
- فلسطينيو الداخل
هؤلاء انتصروا في معركة الحفاظ على الهوية، بصمودهم فوق أرضهم، وتمسكهم بما أمكنهم من عادات وتقاليد شعبهم، وعدم ذوبانهم وتحولهم إلى هنود حمر، ولأن إسرائيل كيان عنصري لئيم لم تعمل على دمجهم، فتحولوا إلى ما يمكن أن نسميه (مواطني الدرجة الثانية أو الثالثة) مع أن نسبتهم 21% من مجموع السكان وهم أصحاب الأرض الأصليون، وفوق مصادرة أراضيهم، وتحويل معظمهم إلى مجرد عمال في منظومة الإنتاج الإسرائيلي، أو عاطلين عن العمل ولو حازوا على مستويات تعليم من الجامعات الإسرائيلية نفسها، ومؤخرا نشر الاحتلال في أوساطهم جرائم القتل اليومية، أو شجع عليها وتغاضى عن معالجة جذرية لها، بعدما تبين له أن نشر الأخلاق السيئة في أوساطهم مخطط فاشل في ظل تصاعد الوعي الديني في أوساطهم، فقد سعى لسنوات إلى جعلهم كائنات ليست يهودية في دينها ومكتسباتها، ولكن بلا هوية، وشجع على تقليدهم الإسرائيليين في اللباس والمظهر والسلوك والتعامل ومفردات اللغة العبرية، فحدثت صحوات متتالية بلورت وأبرزت هويتهم العربية والإسلامية.
وهم يعيشون ضائقة اقتصادية كبيرة، صحيح أن وضعهم المادي يبدو أفضل من أهل الضفة وغزة بفرق واضح ولكن هذا ليس المعيار فهم في داخل كيان أسعار السلع والخدمات ومقدار الضرائب فيه أشبه بل أعلى من دول غربية.
ولذا فرضت عليهم المواجهة، فالكيان العنصري يضيق بهم ويريد التخلص منهم، وهم لن يرضوا بذلك وقد احتملوا كثيرا وهم سينفجرون، وهي مسألة وقت فقط، ومنذ هبة (أكتوبر/تشرين الأول 2000) وما قبلها ولكن على فترات زمنية متباعدة متقطعة نسبيا (أشهرها أحداث يوم الأرض 1976) تبين أنهم ليسوا بعيدين عن الهمّ الوطني الفلسطيني، وفي مواجهات العام الماضي 2021 اتضح أنهم يمكن أن يقلبوا المعادلة ويغيروا مسار الصراع.
وهم الذين عاشوا عقودا في فلسطين المحتلة يعرفون لغة العدو العبرية ويفهمونه أكثر من غيرهم، ويدركون نقاط ضعفه وقوته، وحين يتحرك هؤلاء لا يحتاجون مسيّرات ولا صواريخ ولا رشاشات ثقيلة، فيكفيهم الحجارة والعصي والسكاكين وأسلحة نارية خفيفة لجعل الكيان في حالة خطر حقيقي وجودي، مع الأخطار الأخرى التي ذكرتها وسأذكرها.
ومتوقع من العدو وقتها -وربما جهز الخطط لذلك- أن يستخدم قوته الباطشة فيقصف المدن غير المختلطة بالطائرات والدبابات ويرتكب المجازر، وهذا أيضا سيزيد وتيرة الصراع ويوسعه ويصهر آخرين في بوتقته، ولا خوف من نكبة جديدة بعون الله.
- فلسطينيو الخارج
بصراحة لا تكفي المسيرات والمظاهرات ولا الهاشتاغات (الوسوم) على مواقع التواصل، فوجب على أبناء الشعب الفلسطيني في الخارج -وهم أكثرية الفلسطينيين- المساهمة في مسيرة التحرير وجهود إنهاء النكبة المستمرة منذ 74 سنة؛ فمنهم أثرياء يجب أن يجودوا مثل أثرياء اليهود في العالم، وإلا صارت تعريتهم وفضحهم واجبا وطنيا، ولا داعي للمجاملات التي سادت عقودا، أما من الناحية العسكرية فيجب أن ينظم الفلسطينيون في الخارج مجموعات تناوش العدو عبر كل الحدود ولو كان نتيجتها في أذى العدو ضئيلا في البداية، وهنا قد يقول قائل: ليفتح العرب لنا الحدود سترون أننا سنقاتل قتالا دونه النصر أو الشهادة…عبارة سمعناها وقرأناها مليون مرة، كفى، كفى، كفى!
فأنتم تعلمون أن الدول العربية بوضعها الحالي صارت أشبه بحارس للحدود الإسرائيلية تحت يافطات وشعارات ومبررات مختلفة، بل إن نظام (الممانعة) في دمشق يُقصف بضع مرات سنويا ومؤخرا أخرج القصف الإسرائيلي مطار دمشق الدولي من الخدمة، وكالعادة اكتفى النظام بالشجب والاستنكار والتوعد بالرد في المكان والوقت المناسبين، ربما يوم القيامة سيرد!
وقد يتهمونكم بالعمالة للموساد من أجل جرّ هذه الدول إلى دمار وخراب.. فليكن لديكم مخططات وعمل على إعادة دوركم في الكفاح المسلح دون انتظار شيء من العرب حاليا، اللهم إلا من أراد منهم مساعدتكم والانضمام إليكم.
ولا تتحججوا ببطش وقوة النظم العربية، فإخوتكم في غزة والضفة يواجهون كما ترون أقوى جيش في المنطقة، أما القول إن بطش الأنظمة العربية، وإن كانت أضعف عسكريا وأمنيا من الكيان العبري، أكبر، فليس المطلوب منكم خوض حرب معهم بل الالتفاف على إجراءاتهم وأمنهم، فالمال ليس فقط يستطيع تهريب سلع وغيرها، بل يستطيع توفير أرضية أو ممرات لمقاومة العدو.
وبصراحة فإنه وإن كان قمع الأنظمة العربية أكبر وأكثر لؤما من إسرائيل حاليا، فإن إجراءات إسرائيل أكبر وأضخم ومعقدة جدا؛ ولتوضيح الفكرة: إسرائيل تصدر أحكاما بالسجن المؤبد على من يقتل إسرائيليا، وأحكاما أخف (من بضعة أشهر إلى بضع سنين) على من يقوم بأعمال لا تؤدي إلى إصابات بشرية، بينما النظم العربية قد تحكم بالسجن 10 أو 15 سنة على من سار في مسيرة أو خطط وحاز سلاحا، ولكن إسرائيل إجراءاتها الوقائية أشد مئة مرة أو أكثر من الدول العربية بحكم امتلاكها تقنيات أمنية متطورة بعضها معروف وبعضها مجهول، مع عيشها هاجس الأمن والخوف وانعدام الثقة المطلق بأي كان، ولننظر كيف تبني أسوارا محصنة بينها وبين دول وقعت معها اتفاقيات سلام، لأنها تتوقع الأسوأ.
وإذا امتلك الفلسطينيون في الخارج الإرادة ونظموا مجموعات عنقودية سيفقد الكيان أمن حدوده، بالتزامن مع فقدانه الأمن الداخلي، وعندها سيكون جاهزا للمعركة الفاصلة التي ستجعله في خبر كان.
هل التحرير بعيد زمنيا؟
التحرير قريب وإسرائيل تعيش أزمات داخلية مختلفة، وليس لها عمق إستراتيجي، ولن تحضر أميرا لحمايتها لا هي ولا بريطانيا وفرنسا عندما تقع الواقعة، وحتى لو حضرت لن تحميها من مصيرها المحتوم، لأنها مجتمع فسيفساء من المهاجرين الباحثين عن أمن فردي قبل كل أيديولوجيا أو مزاعم توراتية، وأول هزيمة فعلية واسعة لها هي آخر هزيمة.. كما أن الغرب أقام إسرائيل كي تحمي وتدافع عن مصالحه لا أن يقوم هو بحمايتها مثلما دأب عليه منذ تدمير الجيش العراقي عام 1991 حتى الآن، ولا بد أن يصلوا أنها عبء عليهم وفقدت أهميتها المركزية، وبخصوص خوف أوروبا من عودة اليهود إليها وهي التي تنفست الصعداء بخروجهم منها، فإن الغرب يمكن أن يدبر أمرهم في مكان آخر غير القدس ويافا والجليل وأيضا غير باريس ولندن وبرلين!
وتصريحات نفتالي بينيت وما ينتشر عنهم حول ما يسمى (عقدة الثمانين عاما) أي شعورهم بأن كيانهم لن يعيش أكثر 80 عاما أمر يدل على أنهم لا يعيشون عصرهم الذهبي، وسرديتهم تواصل انهيارها، خاصة كذبة أحقيتهم في الأرض أو (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض) وترسانتهم الحربية لن تظل متفوقة أو غير قابلة للهزيمة في عالم يشهد تحولات وفي ظل إمكانية امتلاك منظومات عسكرية كافية لمواجهتها وإلحاق الهزيمة بها، في ظل تراجع الروح القتالية عند جنودهم.
هذا ليس خيالا أو حلما بل كل من يستخدم المنطق العلمي سيجد أن تحرير فلسطين صار ضرورة في ظل خطر إسرائيل، وهو ممكن وقريب أيضا بإذن الله تعالى.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت