أنهى المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين دورة اجتماعاته الأولى بعد انتهاء أعمال المؤتمر الوطني الثامن، حيث توقف أمام نتائجه وأقر الترتيبات التنظيمية والآليات اللازمة لتنفيذها.
كما استعرض المستجدات السياسية على الصعد الدولية والعربية، وانعكاساتها على القضية الفلسطينية، وقرر في المهام المطلوبة وطنياً.
فعلى الصعيد الدولي، توقف المكتب السياسي أمام تداعيات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا التي تعمل الإدارة الأمريكية وحلفائها من الدول الأوروبية على إطالة أمدها والدفع بها إلى حدود تقترب من كونها حرباً كونية بعد أن حشدت كل الأسلحة السياسية والاقتصادية والعسكرية في مواجهة روسيا، لقطع الطريق على التحولات الكونية الجارية التي تتصدرها روسيا والصين، وباتت تهدد موقع الولايات المتحدة كقطب أوحد في قيادة العالم.
وفي سياق سعيها لتحقيق الهدف، تعمل الإدارة الأمريكية على إشغال روسيا والصين بتهديد مصالحهما بعدد من الأزمات خارج حدودهما سواء كانت في جنوب شرق آسيا باستحضار قضية تايوان على وجه الخصوص، أو في منطقتنا من خلال الدور "الإسرائيلي" بالعدوان على سوريا وغيرها من التهديدات والتحالفات الإقليمية التي تستهدف الوجود والدور الروسي، وتعويض نقص الطاقة على أوروبا نتيجة الإجراءات الروسية.
أن النتائج المحُققة حتى الآن تشير إلى عدم نجاح الإدارة الأمريكية وحلفائها في كسب الرهان من وراء إطالة أمد الحرب في أوكرانيا، حيث تتعزز العلاقة أكثر ما بين الصين وروسيا، وأن العقوبات الاقتصادية المُشددة على روسيا ارتدت سلباً بنتائجها على أمريكا والبلدان الأوروبية التي باتت تعاني من أزمة حادة في الطاقة سيترتب عليها أزمة اقتصادية عميقة وشاملة، مقابل نجاح روسيا في التغلب على الحصار، وتحويله إلى مشكلة وعبء على الإدارة الأمريكية والدول الأوروبية.
مسار الحرب الأوكرانية ونتائجها حتى الآن، عدا عن التطور والوزن الاقتصادي وغيره للصين وروسيا، وتمرد بلدان في أمريكا اللاتينية على السياسة الأمريكية وانتقال بعضها إلى معسكر التقدم والديمقراطية، يشير إلى نهاية حقبة القطب الأوحد في قيادة العالم، وهذا من شأنه أن يفتح الباب أمام شعوب العالم ومنها شعبنا بالتقدم في نضالها من أجل التحرر والتنمية، والحفاظ على ثرواتها الوطنية ومصالحها العليا.
وعلى الصعيد الإقليمي والعربي غير البعيد عن ترابطه مع ما يجري دولياً، استعرض المكتب السياسي المساعي الأمريكية و"الإسرائيلية"في تعميق الأزمات القائمة في عديد من البلدان العربية، وفي إعادة تسليط الضوء على إيران كمهدد للبلدان العربية وخاصة الخليجية منها، واستخدام الوكالة الدولية للطاقة النووية أداةً في التحريض عليها، والعمل على تنظيم المواجهة معها من خلال حلف إقليمي يقوده الكيان الصهيوني، وبما يتجاوز حدود التطبيع الابراهيمي، حلف سياسي أمني عسكري ويستهدف قوى معسكر المقاومة، ويخضع المنطقة للاستراتيجية الأمريكية – "الإسرائيلية"، ويوظف قدراتها المالية وثرواتها في الصراع الكوني الذي تخوضه الإدارة الأمريكية، والذي سَترسُمّه على الأرجح زيارة بايدن للمنطقة ولقائه مع بعض الرؤساء والملوك العرب الذين يمهدون لهذه الزيارة بلقاءات مكوكية مكثفة فيما بينهم.
إن خطورة هذا المخطط تستدعي من قوى حركة التحرر العربية توحيد جهودها لإفشاله، من خلال مقاومة التطبيع، والتصدي للتبعية، والدفاع عن حقوق شعوبها في ثرواتها الطبيعية، والاصطفاف إلى جانب قوى المقاومة في المنطقة، ودعم نضال الشعب الفلسطيني بكل الوسائل في مقاومته ضد الكيان الصهيوني الذي يعمل مع الإدارة الأمريكية على أن يصبح دولة المركز في المنطقة، وبما يبقيها أسيرة التخلف والتبعية.
وجاء في بيان سياسي صادر عن المكتب السياسي للجبهة الشعبية:
جماهير شعبنا البطلة،،
لم يعد خافٍ على أحد عمق الأزمة الداخلية الفلسطينية والمترابطة مع تعميق المشروع الاستعماري الصهيوني من خلال تسارع الاستيطان وتوسيعه في أرجاء الضفة كافة، وفي خطوات التهويد للقدس وأقصاها، وطرد وإبعاد سكانها ومصادرة وتدمير بيوتهم في الشيخ جراح وسلوان وغيرها من الأحياء المقدسية، والقتل المتعمد لأبناء شعبنا، والعدوان المتواصل على مدن وبلدات وقرى الضفة، وشن الحروب على قطاع غزة، وسن القوانين العنصرية والفاشية، وآخرها السعي لإقرار قانون " السيادة على الضفة" كخطوة حاسمة لضمها، وبما ينفي أي حقوق للفلسطينيين فيها، وحصر حقوقهم بحل اقتصادي لا أكثر.
وبالرغم من كل ذلك، ما زال هناك من يراهن على المفاوضات والتمسك بالاتفاقيات الموقعة مع الكيان الصهيوني رغم القرارات الوطنية بضرورة إلغاء ما ترتب عليها من التزامات سياسية وأمنية واقتصادية، ومن سحب الاعتراف "بدولة" الكيان.
كذلك، ما يزال الانقسام يتعمق ويتمأسس أكثر فأكثر رغم كل الاتفاقيات الوطنية لإنهائه، وآخرها ما تقرر بشأن إجراء الانتخابات الشاملة كمدخل لمعالجة هذه الحالة الكارثية، وإعادة بناء المؤسسات الوطنية وفي مقدمتها منظمة التحرير على هذا الأساس، وبما يوفر الشراكة الوطنية في التمثيل، وفي إدارة الشأن الوطني والصراع مع الاحتلال.
أمام هذا الواقع يجدد المكتب السياسي دعوته إلى أهمية إعادة طابع الصراع مع الكيان الصهيوني إلى جذوره من حيث كونه صراع وجودي، يتطلب إعادة صوغ البرنامج الوطني الذي يؤكد على كامل الحقوق التاريخية لشعبنا في فلسطين، وعلى أن هدف النضال الفلسطيني هو التحرير والعودة وإقامة دولة فلسطين الديمقراطية على كامل التراب الوطني الفلسطيني، وأن وسائل المقاومة كافة وفي مقدمتها المقاومة المُسلحة المسنودة بمقاومة شعبية هي وسيلتنا في مقاومة الاحتلال لتحقيق هذا الهدف.
وعلى هذا الطريق، دعا المكتب السياسي إلى توسيع مواقع الاشتباك وتصعيده في نقاط التماس كافة، وإلى تشكيل القيادة الوطنية الموحدة التي تقود نضال شعبنا في الميدان، والسعي لأعلى تنسيق ميداني مشترك بين تشكيلات وقوى المقاومة في إدارة المقاومة المسلحة على كل بقعة من أرض فلسطين، واستثمار كل المقدرات المتاحة في هذا الميدان.
كما أكد المكتب السياسي على مركزية إعادة بناء المؤسسات الوطنية دون تأخير وبخاصة منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وباعتبارها الجبهة الوطنية العريضة التي ينضوي في إطارها مكونات شعبنا وقواه على مختلف مشاربهم الفكرية والسياسية، والذي لا يجوز بأي حال من الأحوال إقصاء أيٍ منها عن الانضواء في أي من مؤسساتها، وأن حق الاختلاف والاشتباك الديمقراطي لتصويب مسارها وتخليصها من الهيمنة والتفرد والاقصاء لصالح الشراكة الوطنية هو حق مصان.
وبالقدر نفسه، دعا المكتب السياسي إلى التصدي لأي محاولات لخلق بدائل عن المنظمة، خاصة وأن هدف تصفيتها كان ولا يزال هدفاً "إسرائيلياً" لإفقاد الشعب الفلسطيني أي كيانية تعكس تمثيله الموحد.
وفي ختام اجتماعه، توجه المكتب السياسي إلى جماهير شعبنا في كل مكان بالتحية والتقدير على تضحياتها وصمودها وتصديها الباسل لقوات الاحتلال ومخططات التصفية بما فيها تصفية حقوق اللاجئين، وعلى ما تقدمه من دروس في الوحدة الميدانية، والتمسك بحقوقنا الوطنية والتاريخية والدفاع عنها رغم كل الظروف المجافية، مؤكداً لها استمراره بالنضال معها وإلى جانبها لتوفير عوامل الصمود لها.
كما توجه المكتب السياسي بالتحية لأسيراتنا وأسرانا البواسل في سجون الاحتلال صناع الانتصارات، وأبطال معارك الإرادات، ومتاريس الثورة وقناديلها المعلقة في سماء الوطن وفي مقدمتهم الرفيق الأمين العام للجبهة أحمد سعدات ورفاقه في فرع السجون، وعموم الحركة الأسيرة.
وجدد المكتب السياسي العهد للشهداء بمواصلة النضال، وأن تبقى الجبهة وفية لوصاياهم وتسير على خطاهم حتى تحقيق أهداف شعبنا في الحرية والاستقلال، وأن تواصل النضال لانتزاع الحقوق المدنية والمعيشية والحياتية، وبما يحفظ الحياة الكريمة لأسر الشهداء والأسرى والجرحى.