في الذكرى الستين لاستقلال الجزائر ... تاريخ حافل بالبطولات والامجاد

بقلم: علي ابوحبله

علي ابوحبله.webp

 

المحامي علي ابوحبله

تحتفل الجزائر الثلاثاء في الخامس من يوليو من كل عام  بالذكرى الستين لاستقلالها بعد 132 عاما من الاستعمار الفرنسي الذي ما زالت ذكراه ماثلة في أذهان الجزائر والعرب جميعا ، في 18 آذار/مارس 1962، وبعد ما يقرب من ثماني سنوات من ثورة الجزائريين ضد المحتل الفرنسي  ، توقف القتال بعد توقيع اتفاقيات إيفيان التاريخية التي مهدت الطريق لإعلان استقلال الجزائر في الخامس من تموز/يوليو من العام نفسه

وفي الذكرى الستين تستعد الجزائر  لاحتفالات ضخمة بهذه الذكرى ، أبرزها استعراض عسكري كبير في العاصمة، هو الأول منذ 33 عامًا ، وبحسب برنامج الاحتفالات الذي كشف عنه وزير المجاهدين (المقاتلون القدامى) العيد ربيقة، سيكون هناك عرض فني ضخم الاثنين في قاعة أوبرا الجزائر "يسرد تاريخ الجزائر العريق من مرحلة ما قبل التاريخ حتى الاستقلال".

وفي دلالة على أهمية المناسبة، تم تصميم شعار خاص يظهر منذ أسابيع على جميع القنوات التلفزيونية، وهو عبارة عن دائرة مزينة بستين نجمة وفي وسطها عبارة "تاريخ مجيد وعهد جديد ، وانتزعت الجزائر الاستقلال بعد سبع سنوات ونصف من ثورة الجزائريين على المحتل الفرنسي  قدم خلالها الجزائريون الابطال الآلاف من الشهداء  ،

لكن بعد 60 عامًا من نهاية الاستعمار الفرنسي للجزائر ، لم تندمل الجراح في الجزائر، رغم سعي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منذ انتخابه الى تهدئة الذاكرة بسلسلة من المبادرات الرمزية التي لم تصل الى حدّ تقديم "الاعتذار ، ويتساءل المؤرخ عمار محند عمر "ألم يحن الوقت لتجريد التاريخ من العواطف بعد ستين عامًا من الاستقلال؟".

وبدا أن العلاقات بين البلدين تراجعت إلى أدنى مستوى لها في تشرين الأول/أكتوبر عندما صرّح ماكرون بأن الجزائر تأسست بعد استقلالها على "ريع الذاكرة" الذي يرعاه "النظام السياسي العسكري"، ما أثار غضب الجزائر.

ويشير رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية المعارض عثمان معزوز الى أن "العلاقات بين نظام السلطة في الجزائر وفرنسا الرسمية تخللتها أزمات وهدوء زائف منذ استقلال البلاد".

ويقول "في المرحلة الحالية، لا يمكن لأحد أن يراهن درهما واحدا على الحديث عن إعادة بناء (هذه العلاقات). لأن استغلال العلاقة من هذا الجانب أو ذاك لا يخفى على أحد".

ولا يخفي محند عمر خشيته من أن تخضع سياسة ماكرون للمصالحة مع الذاكرة للانتقاد خصوصا بعد النجاحات الانتخابية الأخيرة لحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف برئاسة مارين لوبن.

وأكدت لوبن في آذار/مارس أن "الاستعمار ساهم فعلا في تنمية الجزائر"، وانتقدت سياسة ماكرون الذي "يمضي حياته في الاعتذار دون طلب أي شيء مقابل ذلك من حكومة جزائرية لا تتوقف عن شتم فرنسا".

 

ويحذّر المؤرخ من أن "الصعود المذهل للتجمع الوطني في الانتخابات التشريعية في فرنسا لا يبشّر بالخير، لأن اليمين المتطرف الفرنسي سيجعل من هذه الولاية الانتخابية ساحة معركة كبيرة موضوعها الذاكرة وسيكون فيها التحريف وتزييف التاريخ حاضرين بقوة".

في ذكرى الاستقلال  يستذكر الجزائريّون أمجادهم وبطولاتهم ليشحنوا بها حاضرهم، ويواجهوا بها واقعهم وليجدّدوا أمانيهم في جزائر عظيمة بعظم من قاموا بتحريرها بالأمس والذود عنها، ولينقلوا المشعل لأبنائهم وأحفادهم من أجل مواصلة المسيرة، والدّفاع عن العرض والأرض وإِنِ اختلفت الأزمانُ وتبدّلتِ الأحوالُ والزمان

لا ينكر إلاّ جاحد أو حاسد المراحل التي قطعتها الجزائر في سبيل تحقيق كيانها وعلى مختلف الأصعدة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بالرغم من الصعوبات والعراقيل التي صاحبت ذلك التحول، ففي الجانب السياسي تعد الجزائر دولة رائدة إقليميا وهي مثل يحتذى في تجربتها الديمقراطية ومؤسساتها السيادية، واستقرارها الأمني والسياسي.

وفي الميدان الاجتماعي عرف الفرد الجزائري تحسّنا ملحوظا في أوضاعه المعيشية والصحية على مدى ما يزيد من نصف قرن ارتفع فيه عدد سكان الجزائر لخمسة أضعاف من تاريخ الاستقلال، وعرفت أوضاعه التربوية والتعليمية إنجازات ضخمة في عدد المؤطرين، وفي الهياكل والمؤسسات التربوية والجامعية، فقليلة هي الدول التي تحظى بأكثر من خمسين جامعة ومثلها من المراكز والمعاهد.

وعلى الصعيد الاقتصادي، حقّقت الجزائر تقدّما ملموساً في مؤشرات التنمية الاقتصادية بفضل الإصلاحات والورشات والمخططات التي تمّ فتحها، برغم الممارسات البيروقراطية والتجاذبات المصلحية الضيقة التي شابتها وحدّت من عطائها ومردوديتها. ولا أدل على متانة الجزائر الاقتصادية اليوم من وباء وأزمة كورونا، وكيف تمكّنت الجزائر من التفاعل والتماسك اقتصاديا واجتماعيا مع ذلك الوضع برغم خطورته وحدته.

ونحن نعود للتاريخ ومن أسباب الاستعمار الفرنسي على الجزائر أن الجزائر كانت عليها ديون لفرنسا تقدر بـ 24 مليون فرنك. وعندما  أعلنت الدول الأوروبية الحصار على فرنسا، جاء القنصل الفرنسي بيار دوفال إلى الداي حسين  في أول يوم من عيد الفطر ليطالب الداي حسين بدفع المبلغ بطريقة غير لائقة.  وما كان من الداي حسين إلا أن طرده ملوحًا له بالمروحة، وهذه الحادثة كانت فتيل الحرب. فعندما عاد القنصل الفرنسي وروى الحادثة لشارل العاشر، اعتبرها إهانة لشرف فرنسا وأرسل جيشًا كاملًا إلى الجزائر وبدأت الحرب التي ذهب ضحيتها أكثر من مليون جزائري.

قصائد في ذكرى الاستقلال الجزائري

تسابق الشعراء على كتابة القصائد  وإلقائها في ذكرى استقلال الجزائر، وفي قصيدة: قسمًا بالله يا شعب الجزائر قال الشاعر عائض القرني مخاطبًا الشعب الجزائري ومتغنيًا بالثورة المعجزة:

قسمًا بالله يا شعب الجزائر.

أنكم في جبهة المجد منائر.

يا وقود الثورة الكبرى.

ويا ملهم التاريخ فخرًا ومآثر.

النضال الحر فيكم فجره.

قصة الأحرار أنتم والحرائر.

قد درسنا مجدكم في أرضنا.

وسمعنا ذكركم فوق المنابر.

وتلونا حبكم أنشودةً.

كنشيد الروض في نغمة طائر.

قوة الإسلام أنتم وكل.

بركات الأرض يا شعب الجزائر.

كلمات تهنئة بذكرى استقلال الجزائر

•        طريق الاستقلال تغسله دماء الشهداء.

•        لا شيء أحب إليّ مـن حـرية وطني.

•        انظر إلى الشعوب الأسيرة حتّى تدرك قـيمة استقلال شعبك.

•        المستعمر يفرض عليك لونًا واحدًا وشكلًا واحدًا حسب مزاجه، بل هو يسلب منك دينك وإنسانيتك.

•        لن أعيش أسيرًا في القالب الذي حددته لي فقد خلقت حرًا.

•        الاستقلال نعمة لكنه مسؤولية.

•        لا يكون الاستقلال إلّا بالتضحيات.

إنّ تخليد ذكرى الاستقلال يعد مناسبة وطنية، لاستلهام ما تنطوي عليه من قيم سامية وغايات نبيلة، خدمة للوطن وإعلاء مكانته وصيانة وحدته، والمحافظة على هويته ومقوماته، والدفاع عن مقدساته وتعزيز نهضته.

وفي هذه الذكرى، نبرق من فلسطين الجريحة التي تعاني من ويلات وقساوة الاحتلال التهاني للشعب الجزائري الشقيق التوأم بذكرى استقلاله الستين  متمنين للجزائر مزيد من التقدم والازدهار مستلهمين من ثورة الجزائر أن ما أخذ بالقوة لن يسترد إلا بالقوة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت