تتطلّب تأدية مناسك الحج جهدا جسديا كبيرا، لكن المصلين هذا العام وعددهم مليون مسلم، يواجهون تحدّيا إضافيا يتمثل بالشمس الحارقة واشتداد الحرارة التي تجاوزت 42 درجة مئوية.
وتذكّر الحرارة العالية المسلمين الذين توافدوا إلى غرب المملكة العربية السعودية لأداء مناسك الأيام الخمسة، وغالبيتها في الهواء الطلق، بتفاقم ظاهرة الاحترار المناخي وتداعياتها على مناخ صحراوي شديد الحر أصلا.
ولا يمكن للرجال وضع القبعات منذ لحظة الإحرام ونية الحج. وقد شوهد الكثير منهم في المسجد الحرام هذا الاسبوع وهم يحمون أنفسهم بالمظلات وسجادات الصلاة وحتى في إحدى الحالات بدلو صغير، فيما تغطي النساء رؤوسهن بالحجاب.
ويمر الحجاج تاليا باختبار تحمّل شاق، مع أنهم يتجنبون الاشتكاء عموماً.
وقالت نوليها البالغة 61 عاما والآتية من بروناي لوكالة فرانس برس "أنا بخير. أستمتع هنا حقا، رغم أن هذه الحرارة في الحقيقة شيء لم أختبره من قبل".
وتابعت "أحب وجودي هنا فأنا في مكة وأقوم بأول حج"، مضيفة أنّها تفضّل أن تغطّي رأسها بقبعة بدلاً من استخدام المظلة.
ويحل موسم الحج منذ العام 2017 في شهري تموز/يوليو وآب/أغسطس، الأكثر حرا في المملكة.
وقد سلّط ذلك الضوء على ارتفاع درجات الحرارة والذي يقول نشطاء في مجال البيئة إنه أمر يجب معالجته من خلال التخلص السريع من الوقود الأحفوري.
وحذّر مدير "غرينبيس" في الشرق الأوسط جوليان جريصاتي من أن "درجات الحرارة الحارقة التي تشهدها منطقة الخليج العربي، وأبرزها المملكة العربية السعودية، ستصبح قريبًا هي القاعدة".
وقال لوكالة فرانس برس إنّ "متوسط الزيادة في درجات الحرارة الإقليمية بسبب تغير المناخ، أعلى بكثير من المعدل العالمي، فيما تشير التوقعات بوضوح إلى أن الأنشطة الخارجية في الصيف، مثل الحج، ستصبح أمرا مستحيلا".
وتسمح السلطات السعودية لمليون حاج، بينهم 850 ألفًا من الخارج ، بالمشاركة في المناسك هذا العام، وهو عدد أكبر بكثير من موسمي مرحلة القيود المرتبطة بجائحة كوفيد-19 حين شارك في المناسك 60 ألفا العام الماضي وبضعة آلاف في 2020.
- "الله يعنيننا" -
ويشكل فصل الصيف في واحدة من أكثر المناطق سخونة ورطوبة على وجه الأرض، معاناة بالنسبة لأي شخص يرغب في القيام بنشاط في الهواء الطلق، إلى جانب مخاطر التعرض لضربات الشمس وتوقف القلب.
بالقرب من المسجد الحرام في مكة، يتم رش المياه من أعمدة طويلة على مدار الساعة.
وعلى بعد أمتار قليلة، يلجأ الحجاج للاستراحة فوق الأرضيات الرخامية الباردة في المدخل المظلل لمركز تجاري أثناء انتظار موعد الصلاة.
وقال مصطفى زرقة (57 عاما) وهو حاج جزائري غطّى رأسه بسجادة صلاة "أغطي رأسي بسبب الحر. إنه قوي جدا، لكن الله يعيننا".
وانتقل الحجاج الخميس إلى خيام بيضاء مكيّفة في منى على بعد سبعة كيلومترات من المسجد الحرام. والذروة هي اليوم الجمعة في جبل عرفة حيث يقضي الحجاج يومهم في الصلاة والدعاء تحت أشعة الشمس.
وبينما نقلت مئات الحافلات الحجاج إلى منى الخميس، اختار البعض المشي رغم الحر.
وقال الحاج التونسي خالد بن جمعة (44 عاما) الذي وصل إلى مخيم منى سيرا على الأقدام "كل شيء يمكن تحمّله ما دام لأجل الله".
- تنبيه! -
وفي هذا السياق، أشار مسؤولون سعوديون إلى استعدادات للتعامل مع الظروف المناخية القاسية، مسلطين الضوء على توفير مئات الاسرة لمن قد يتعرضون لضربات شمس، إضافة إلى توفير أعداد كبيرة من المراوح.
كذلك، تم تخصيص شاحنة متنقّلة لتوزيع المظلات وزجاجات المياه والمراوح الصغيرة.
إضافة إلى ذلك، يرسل المركز الوطني للأرصاد الذي أقام مقرّا له في منى، إنذارات للحجاج على هواتفهم المحمولة لحثهم على تجنب المناسك في الهواء الطلق في أوقات معيّنة من اليوم، خصوصا عند الظهيرة.
وقال المتحدث باسم المركز حسين القحطاني لوكالة فرانس برس إنّ "أهمية معلومات الأرصاد الجوية زادت (...) بسبب الظروف المناخية العالمية الحالية" ، مشيرًا إلى أنّ مركزه يقدّم تقارير عن حالة الطقس كل ساعة.
وأوضح أن "الجهات العاملة على الأرض مع الحجاج حريصة على الاستفادة من هذه المعلومات".
حتى الهواتف النقالة تنذر مستخدميها بأنها غير قادرة على تحمّل الحرارة عندما تشتد درجاتها.
وقالت إحدى الرسائل تلقاها صحافي في وكالة فرانس برس في منى الخميس من هاتفه "تنبيه! درجة الحرارة مرتفعة للغاية لاستخدام هاتفك".