- المحامي علي ابوحبله
خلال أيام يقوم الرئيس الأميركي جو بايدن بزيارته الأولى إلى الشرق الأوسط، بعد مرور عام ونصف على دخوله البيت الأبيض. وتتزامن هذه الزيارة مع المفاوضات الجارية لإعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، فيما يعتبر حلفاء واشنطن الإقليميون أن السلوك الإيراني يشكّل تهديدًا لمصالحهم. وتتزامن هذه الزيارة أيضًا مع الارتفاع الحاد في أسعار موارد الطاقة نتيجة الصراع في أوكرانيا.
تأتي زيارة بايدن إلى إسرائيل بعد أسابيع عدّة من انهيار حكومة بينيت وسط محاولات أمريكية لبناء جسور من الثقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وتأتي زيارته إلى السعودية والإمارات فيما تسعى واشنطن إلى طلب المساعدة من السعوديين لوضع حدّ للارتفاع الحاد في أسعار النفط والتخفيف من اعتماد العالم على الصادرات الروسية من موارد الطاقة. سيواجه بايدن انتقادات لاجتماعه مع شخصيات سعودية وإسرائيلية بعد قتل الصحافيَين جمال خاشقجي وشيرين أبو عاقلة. وأدان مدافعون عن حقوق الإنسان هذه الجولة باعتبارها تعطي أولوية أكبر للمصالح الاقتصادية علي حساب حقوق الإنسان. نظرًا إلى هذه العوامل، قد تسلّط نتائج هذه الجولة الضوء على التحولات الإستراتيجية في المنطقة والسياسة الدبلوماسية للإدارة الأميركية.
تأتي زيارة بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط ضمن مساعي واشنطن إلى احتواء الصين والتعامل مع التداعيات التي ترتّبت على فرض الغرب عقوبات اقتصادية قاسية على روسيا، بسبب غزوها أوكرانيا، شملت قطاع الطاقة، ما أدّى إلى ارتفاع أسعارها على نحو بعيد، ومن ثم تعميق أزمة التضخم الاقتصادي على مستوى العالم الذي لم يتعافَ بعد من آثار جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد - 19). وقد وصلت نسبة التضخم في الولايات المتحدة إلى 8.6%، وهي الأعلى في الأربعين عامًا الأخيرة، وقد أدّى ذلك إلى ارتفاع أسعار الغذاء والسلع الأساسية والكمالية ارتفاعًا كبيرًا؛ ما يهدّد بركود تضخّمي، قد يدفع الديمقراطيون ثمنه في الانتخابات النصفية المقرّرة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022.
وفي حين تهدف واشنطن إلى ضرب قطاع الطاقة الروسي وحرمان موسكو من عوائده، فإنها تحتاج، في المقابل، إلى إقناع دول الخليج، وتحديدًا السعودية، بزيادة إنتاجها من النفط لتعويض الفاقد الروسي. غير أن إدارة بايدن تُبدي قلقًا من تنامي علاقات حلفائها التقليديين في المنطقة بروسيا والصين، أيضًا، مع تزايد شكوك هؤلاء الحلفاء في التزام الولايات المتحدة بأمنهم.
لم تخرُج إدارة بايدن عن النهج الواقعي تاريخيًا للسياسة الأميركية، حيث تتقدّم المصالح الإستراتيجية والاقتصادية والانتخابية على ما عداها ، وقد شجّع حلفاءُ واشنطن الأوروبيون، مثل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إضافة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، بايدن على إنهاء الخلاف مع محمد بن سلمان. ومنذ ذلك الوقت، بدأت تصدُر عن الطرفين إشاراتٌ إلى تحسّن العلاقات بينهما، حيث أشادت إدارة بايدن بخطواتٍ اتخذتها السعودية، مثل موافقتها، مطلع حزيران/ يونيو 2022 على تمديد الهدنة في اليمن التي توسّطت بها الأمم المتحدة، مطلع نيسان/ أبريل الماضي، مدة شهرين آخرين، ثم إعلان مجموعة "أوبك+"، التي تقودها السعودية، رفع إنتاجها من النفط في تموز/ يوليو وآب/ أغسطس، بنحو 250 ألف برميل إضافة إلى الـ 400 ألف برميل المنصوص عليها في اتفاق رفع الإنتاج التدريجي. وتأمل واشنطن أن تقوم السعودية بزيادةٍ أكبر على مدار العام، نظرًا إلى القدرة الاحتياطية التي تملكها في إنتاج النفط. في المقابل، تطالب الرياض بالتزام أميركي واضح بالدفاع عن أمنها، وإعادة تصنيف الحوثيين جماعةً إرهابية، وألّا تكون هناك مفاجآت من واشنطن، خصوصًا فيما يتعلق بالمفاوضات النووية مع إيران، فضلًا عن تخفيف حدّة الانتقادات الأميركية لسجل حقوق الإنسان في السعودية. وعلى الرغم من أن بايدن أكّد أنه لن يغيّر وجهة نظره في خصوص موضوع حقوق الإنسان، فإنه عقّب على ذلك بقوله "لكن بصفتي رئيسًا للولايات المتحدة، فإن وظيفتي هي إحلال السلام إذا استطعت
وتأمل إدارة بايدن أن تسهم زيارة السعودية أيضًا في بحث سبل إنهاء الحرب في اليمن، التي دخلت الهدنة الهشّة فيه شهرها الثالث. كما تسعى إدارة بايدن إلى دفع عجلة التطبيع العربي – الإسرائيلي قُدمًا، والتي كانت أطلقتها إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، تحت عنوان "اتفاقات أبراهام". وفي إشارة إلى ذلك، ستقلع الطائرة التي ستقلّ بايدن من تل أبيب إلى جدّة مباشرة، وهي الطريق نفسها التي سلكها ترامب عام 2017، حينما أقلعت طائرته من الرياض إلى تل أبيب مباشرة بعد حضوره القمة "العربية – الإسلامية – الأميركية".
إضافة إلى ما سبق، سيكون ملف تعثّر المفاوضات النووية مع إيران وتسريع الأخيرة مستويات تخصيب اليورانيوم من الموضوعات المهمة أيضًا على أجندة بايدن في إسرائيل والسعودية. وتسعى إدارته إلى تحقيق هدفين هنا: الأول، الضغط على إسرائيل التي تحظى بدعمٍ ضمنيٍّ من بعض الدول الخليجية، وتحديدًا الإمارات والبحرين، لتجنّب القيام بما قد يؤدّي إلى مواجهة عسكرية في المنطقة، إذ ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، أخيرا، أن تل أبيب نشرت منظومة رادارات في الإمارات والبحرين. والثاني، تنسيق المواقف مع إسرائيل وبعض الأطراف الخليجية في طريقة التعامل مع إيران، سواء جرى التوصل إلى اتفاق نووي معها أم لا، وذلك حتى لا تتكرّر تجربة اتفاق عام 2015 الذي حاولت إسرائيل إفشاله، ولم تكن السعودية والإمارات والبحرين راضية عنه.
وعلى الصعيد الفلسطيني – الإسرائيلي، يزعم مسئولون في إدارة بايدن إن زيارته ستكون فرصة لمحاولة استعادة دور أميركي أكثر توازنًا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومناسبةً لإعادة التأكيد على تأييد حل الدولتين، بعد أن شهد الموقف الأميركي انحيازًا غير مسبوقٍ لصالح إسرائيل في عهد ترامب، علمًا أن إدارة بايدن أضاعت وقتًا ثمينًا في الرهان على الحكومة الإسرائيلية الجديدة لمجرّد أنها ليست حكومة بنيامين نتنياهو، مع أن رئيسها، نفتالي بينت، لا يقل سوءًا، إن لم يكن أسوأ من نتنياهو، في كل ما يتعلق بقضية فلسطين، ولم تُبدِ إدارة بايدن اهتمامًا حقيقيًا بالصراع الفلسطيني - الإسرائيلي على مدى عام ونصف العام من وجودها في السلطة، ولم تبذل جهدًا فعليًا لوقف انتهاكات إسرائيل في حقّ الفلسطينيين، ووقف عمليات الاستيطان وهدم البيوت في الضفة الغربية، بما في ذلك في القدس الشرقية، واستمرار الحصار على قطاع غزة.
وقد أبقت إدارة بايدن على كثير من سياسات إدارة ترامب، كالاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، ولم تُعِد السفارة الأميركية إلى تل أبيب، ولم تفتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، ومكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن. وسيحرص بايدن خلال زيارته إسرائيل، بحسب مسئولين في إدارته، على إظهار التزامه بأمنها، ومن ذلك زيارة بعض أنظمتها الدفاعية التي قدّمتها أو موّلتها الولايات المتحدة.
ويعلق المحللون في واشنطن بأنه ستنشأ سياسة الولايات المتحدة في المنطقة من مبادئ السياسة الخارجية الأوسع: إعادة بناء النظام الدولي الليبرالي-الديمقراطي، الذي بنته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وتعزيز الديمقراطية في أرجاء العالم "من هونج كونج حتى السودان، ومن شيلي حتى لبنان"، والانتصار في المنافسة الدولية حيال الصين وروسيا.
ورغم تعلقها المتقلص بالنفط في الشرق الأوسط، لا تزال للولايات المتحدة مصالح متواصلة في المنطقة، مثل: أمن إسرائيل، والتدفق الحر للطاقة، ومنع التحول النووي لإيران، والحرب ضد الإرهاب، كما تسعى الولايات المتحدة إلى مزيد من التوازن بين مستوى التزامها الاستقرار والحرية والأمن في المنطقة وبين الغرق في المواجهات التي تقضم من القوة الأمريكية.
وكتب إريك ماندل، مدير شبكة الشرق الأوسط للمعلومات السياسية، مقدما معلومات بانتظام إلى أعضاء الكونجرس ومساعديهم بشأن السياسة الخارجية، مقالاً نشره موقع "ذا هيل" الإلكتروني بعنوان "زيارة بايدن إلى إسرائيل والشرق الأوسط تنطوي على فرص ومخاطر"، لذلك، تُعد هذه الزيارة فرصة ممتازة لصياغة رؤية أمريكية للشرق الأوسط تُوازن بين المشاركة والانسحاب.
وتسعى أمريكا من خلال زيارة بايدن الى الشرق الأوسط إلى إعادة هيكلة كبيرة في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، حيث تدرس كل دولة ما يجب فعله إذا انضمت إيران أو لم تنضم مجدداً إلى نسخة من الاتفاق النووي المبرم عام 2015. وكان النجاح الأكثر لفتاً للانتباه في الرد على طموحات ايران هو "اتفاقيات إبراهيم".
ولا يزال صدى الانسحاب الكارثي للولايات المتحدة من أفغانستان يتردد لدى الدول الخليجية، التي استنتجت أن الولايات المتحدة لم تعد حليفا موثوقا به ، ولذلك، تسعى الاداره الامريكيه أن تعزز زيارة "بايدن" ثقة الشركاء التقليديين، ويتجنب ، خلال زيارته إلى المنطقة، من التصريحات غير الرسمية التي من شأنها أن تقوّض أي إنجازات إيجابية، وتجنب التدخل في سياسة إسرائيل، والإشادة علنا بأهمية "اتفاقيات إبراهيم" ويعدها الاسرائيليون كإنجاز بارز لتعزيز الاستقرار الإقليمي، والتواصل مع تركيا لتشجيعها على التواصل مع إسرائيل، وتجنب الخوض في سبل حل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
ونشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" تقريرا بعنوان "حرب أوكرانيا تمنح بايدن فرصة لتوطيد علاقات أمريكا مع الحلفاء العرب"، إذ يسود الاعتقاد هنا في واشنطن بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم ينجح في إعادة بناء مكانة القوة العظمى لروسيا في أي مكان خارج الاتحاد السوفييتي السابق أكثر مما حققه في الشرق الأوسط باقتدار، والآن، وبينما يحصي "بوتين" تكاليف الحرب مع أوكرانيا، ليس من الواضح بعد ما إذا كانت مكاسب روسيا في الشرق الأوسط يمكن التصدي لها من جانب أمريكا.
في الختام، ستضع إدارة "بايدن" استراتيجية سياسية تجاه الشرق الأوسط، وسيضطر فيها إلى المناورة بين التوترات والمصالح المتضاربة والحذر من ألا تلتصق به صورة أوباما المتصالحة مع الأعداء والمغتربة عن الحلفاء.
وسيختار "بايدن" خطاً وسطاً ونهجاً واقعياً، ولن يكون موضوع التحول الديمقراطي في المنطقة الوتد المركزي في سياسته، وسيتأثر ذلك بنهجه تجاه إيران بما يحدد عمق الاهتمام الأمريكي في الشرق الأوسط ومدى أهمية علاقة الولايات المتحدة مع حلفائها في المنطقة.
ويثير كل ذلك تساؤلات حول مدى قدرة بايدن على التعامل مع هذه القضايا الخلافية بشكل ملائم وتحقيق انتصار سياسي قبل انطلاق انتخابات منتصف الولاية الرئاسية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت