- بقلم احمد ابو ضلفة
- عضو اللجنة المركزية لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني
قبل خمسة وخمسون عاماً وتحديداً في الخامس عشر من شهر تموز عام 1967، سجل الشعب الفلسطيني انعطافه تاريخية في كفاحه الوطني الهادف لتحرير ارضه وشعبه، فبعد نكسة حزيران عام 67 وهزيمة الأنظمة العربية وحالة الاحباط التي اصابت الشعوب العربية اثر الهزيمة واحتلال ما تبقي من فلسطين وبعض الأراضي العربية، كان لا بد من انطلاقة كفاحية فلسطينية جديدة تعيد الكرامة والأمل للامة العربية وتجابه مخططات الاحتلال وسياساته، فبعد اقل من 40 يوم على النكسة ومن مدينة القدس انطلقت جبهة النضال الشعبي الفلسطيني كفصيل وطني ديمقراطي مقاتل ليشكل ميلاداً جديداً كأول فصيل مقاتل ينطلق من قلب الأراضي المحتلة وتحديداً القدس، حاملاً معه آمال شعبنا الفلسطيني في الوطن و الشتات بالحرية والاستقلال والعودة ، ومعبراً عن طموحات شعبنا في الحياة الحرّة الكريمة بعيدا عن الاضطهاد والاستغلال.
لقد استطاعت الجبهة ببسالة وعنفوان وحكمة وجنب الى جنب مع ابناء شعبنا وقواه الوطنية ان تشكّل طيلة مسيرتها النضالية وعلى مدار 55 عام، رأس حربة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي ومخططاته التصفوية متسلحة بإيمانها العميق بحقوق شعبنا الفلسطيني وعدالة قضيته وحتمية نصره في سبيل إنجاز مشروعه الوطني المتمثل في العودة وتقرير المصير، وقيام دولته الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة، على حدود 4 حزيران (يونيو) 67، وعاصمتها القدس ، والحل العادل لقضية اللاجئين بموجب القرار 194. وقدمت لأجل ذلك مئات الشهداء والجرحى والأسرى وفي مقدمتهم الشهداء القادة (سمير غوشة وبهجت ابو غربية وصبحى غوشة وفايز حمدان وخليل سفيان وابراهيم الفتيانى ومصطفى وزوز ونبيل قبلان وخالد العزة ) والقافلة تطول.
جبهة النضال وترسيخ الكيانية السياسية الفلسطينية
منذ اليوم الأول لانطلاقتها ولإدراكها لطبيعة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي وأهمية الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية والقرار الوطني المستقل لإنجاز مهام التحرر والاستقلال، امنت بضرورة ترسيخ الكيانية السياسية الفلسطينية من خلال الانضمام لمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد لشعبنا الفلسطيني وقد انضمت الجبهة للمنظمة في الدورة السادسة للمجلس الوطني، وقد خاضت الجبهة إلى جانب فصائل الحركة الوطنية الفلسطينية في الوطن والشتات جميع معارك تجسيد هذه الكيانية والدفاع عنها ورفضها لكل محاولات تصفيتها او سرقة قراراها او المساس بدورها كممثل شرعي ووحيد وعنوان لشعبنا او أي صيغ او اجسام بديلة او موازية، وان اية خلافات يجب ان تحل داخل هذا الاطار الجبهوى العريض، مع دعوتها الدائمة لضرورة البدء بورشة عمل وطنية تعيد الاعتبار لمنظمة التحرير من خلال تفعيل وتطوير مؤسساتها وأطرها على اسس ديمقراطية وتعزيز دورها كقيادة للشعب الفلسطيني اينما تواجد.
ورغم تحفظ الجبهة على اتفاقية اوسلو لإجحافها بحقوق شعبنا التاريخية الا انها اعتبرت ان قيام السلطة الوطنية الفلسطينية هو تكريس حقيقي للكيانية الفلسطينية على ارض فلسطين و خطوة مهمة تمهد الطريق نحو اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وانطلاقاً من هذا المفهوم تابعت الجبهة مسؤولياتها النضالية من خلال حرصها على المشاركة في بناء مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية، فشاركت في معظم الحكومات المتعاقبة لتسجل نموذجاً وطنياً يحتذى به في خدمة ابناء شعبنا وبناء مؤسساته الوطنية، وهو ما برز من خلال الدور الوطني الكبير الذى يقوم به الأمين العام للجبهة خلال توليه وزارة التنمية الاجتماعية في انتقال عمل الوزارة من الاغاثة الى التنمية المستدامة و من الاحتياج الى الانتاج والاندماج وصولاً الى الهدف الكبير الذى تسعى اليه وهو تحقيق العدالة الاجتماعية وتمكين الأسر الأشد فقراً والفئات المهمشة وهو ما تسعى اليه وتنادي به الجبهة دوما.
مع دعوتها الدائمة لضرورة اجراء مراجعة نقدية شاملة لمؤسسات الدولة لتطوير ادائها واصلاح وهيكلة مؤسساتها وتأكيدها على انتهاء المرحلة الانتقالية ضرورة تجسيد دولة فلسطين واقعا ملموساً وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 29/09/2012.
جبهة النضال والمهام الوطنية المباشرة
تميزت جبهة النضال بفهمها الدقيق والشمولي لمعركة التحرير والاستقلال التي يخوضها شعبنا الفلسطيني لذا اكدت دوماً على ان المهمة المركزية على الصعيد الوطني العام هي تصعيد النضال من أجل استكمال دحر الاحتلال عن جميع الأراضي الفلسطينية وما يتطلبه ذلك من حشد طاقات وقدرات شعبنا في كل مكان من أجل تحقيق أهدافه الوطنية، مؤكدة على ضرورة صياغة استراتيجية وطنية جديدة ترفض العودة لصيغة المفاوضات الثنائية وبالرعاية الأمريكية المنفردة والمنحازة لإسرائيل، والدعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام كامل الصلاحيات تشارك فيه كافة الأطراف المعنية، واعتماد خطة سياسية فلسطينية في مركزها استصدار قرار من مجلس الأمن لإنهاء الاحتلال والاعتراف بدولة فلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس، ومواصلة الجهد للانضمام للاتفاقيات والمعاهدات والوكالات والمنظمات الدولية.
وتؤكد الجبهة دوما على ضرورة تعزيز وتطوير أشكال وأساليب المقاومة الشعبية كافة ضد الاستيطان وجدار الفصل والعزل العنصري، ومحاولات تهويد القدس وذلك عبر الانخراط الفعال في اللجان الشعبية للمقاومة، وكافة الأطر والهيئات الشعبية في مواجهة الاحتلال وسياساته التوسعية وذلك من خلال إعادة تشكيلها وفق هيكلية وبرامج عمل بمشاركة كافة أطياف الشعب الفلسطيني وضرورة الاستمرار في دعم حملة مقاطعه المنتجات الإسرائيلية كشكل من أشكال المقاومة الشعبية ، ودعوة كل أحرار العالم ولجان التضامن مع الشعب الفلسطيني للاستمرار في حملة مقاطعه إسرائيل (BDS) ومعاقبتها وسحب الاستثمارات منها
ولأن القدس هي درة التاج وجوهر الصراع تطالب الجبهة دوما بضرورة إعادة النظر بمجمل السياسات تجاه القدس، من خلال إيجاد مرجعية موحدة، وتقديم الدعم المادي الملموس للمؤسسات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية لتعزيز صمود المقدسيين في مدينتهم، ومواجهة الهجمة الإسرائيلية المستمرة تجاه المدينة الرامية إلى تهويدها ومحاولة أسرلتها.
وعلى صعيد إدارة العلاقات الوطنية الفلسطينية، فان الجبهة تتمسك وتعتبر الوحدة الوطنية وانهاء الانقسام شرط أساسي لتحقيق اهداف شعبنا، وأن التناقض الرئيس مع الاحتلال وان أي تناقضات ثانوية يجري حلّها في أطار الوحدة الوطنية، وان المدخل لذلك هو الشروع الفوري بتشكيل حكومة وحدة وطنية تأخذ على عاتقها توحيد المؤسسات واعادة الاعمار والتحضير للانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني.
وترى الجبهة ان احد المهام الرئيسية التي يجب ان تناضل من اجلها هي ضرورة تطبيق قرارات المجلس المركزي الفلسطيني وتوصيات اللجنة السياسية للجنة التنفيذية لـ.م.ت.ف بإنهاء المرحلة الانتقالية وسحب الاعتراف المتبادل مع إسرائيل، والبدء بخطوات عملية ملموسة للانتقال من السلطة للدولة وتجسيد السيادة الوطنية على الأراضي الفلسطينية المحتلة في الرابع من حزيران عام 1967 بما في ذلك القدس الشرقية والتحرك الجاد لدعم صمود الأسرى والعمل على إطلاق سراحهم بدون تمييز وتفعيل قضيتهم لتبقى حيّة ويوميّة وعلى رأس أولويات القيادة الفلسطينية، والمؤسسات الوطنية وكافة القوى السياسية والاهتمام بأسر الشهداء والأسرى والجرحى وتأمين حياة كريمة لهم.
جبهة النضال والحراك التنظيمي الداخلي
باتت الجبهة وبعد 55 عام من تجربتها الكفاحية، ورغم كل التحديات والعثرات اكثر تماسكاً وصلابة والتصاقاً بجماهير شعبنا وقضاياه السياسية والاجتماعية والاقتصادية مرسخة مكانة كبيرة على الساحة السياسية الفلسطينية، مستفيدة من مسيرتها النضالية الغنية وارثها التاريخي الكبير ونهجها السياسي الوطني، ومن مراجعاتها الدورية وتقيمها الموضوعي الواضح والجريء لأوضاعها التنظيمية واعتمادها على مبادئ المساءلة والمحاسبة والنقد والنقد الذاتي الهادف إلى تصويب وتثوير الحياة التنظيمية، وتعزيز مفهوم ومضمون المبادرة والابداع الخلاق وهو ما جعلها قادرة على بناء بنية تنظيمية حقيقة وصلبة، وهو ما برز خلال اتمام الجبهة لعقد مؤتمرها العام الثاني عشر العام الماضي والذى حمل شعار رؤية جديدة لمرحلة جديدة والذى استطاعت الجبهة من خلاله وبكل جدية ومسؤولية ان تجرى مراجعة و تقيماً شاملاً لمسيرتها وان تقف وبكل جرأة امام حقيقة أوضاعها وأن تقوم بعملية ثورية داخلية من خلال الاصرار على تمثيل المرأة بنحو 29% من هيئاتها والشباب بنحو 60% لتؤكد من جديد على نهجها الديمقراطي وتمسكها بخطابها التقدمي، وان تقر البرنامج السياسي، وتدخل التعديلات التي تواكب التطورات وأن تتحول إلى حزب اشتراكي ديمقراطي فلسطيني، يؤمن بالتعددية والمساواة والعدالة الاجتماعية في كل المجالات ومناحي الحياة حيث جري التأكيد على الجانب الاقتصادي والاجتماعي للبرنامج السياسي للجبهة، بحيث يتناول قضايا وهموم واحتياجات الطبقة العاملة والفقراء والمهمشين في المجتمع الفلسطيني.
في ذكرى انطلاقة جبهة النضال الشعبي الفلسطيني الخامسة والخمسون تؤكد الجبهة من جديد ان مسيرتها بقيادة أمينها العام الدكتور احمد مجدلاني لن تتوقف، وان ارادتها لا تلين في سبيل تحقيق اهداف شعبنا الوطنية التي انطلقت وعاهدت شعبنا عليها وأن وبوصلتها لا تخطئ نحو دحر الاحتلال وانجاز الاستقلال الوطني وتحقيق العودة وتقرير المصير وبناء الدولة الفلسطينية الحرة المستقلة وعاصمتها القدس والتي يتمتع فيها كافة مواطنيها بالعدالة الاجتماعية والكرامة وتصان فيه حقوقهم وحرياتهم.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت